منار الزبيدي
ظاهرة قديمة جديدة تجتاح الأسواق العراقية وتثير الخوف والقلق، إذ شهدت العاصمة العراقية بغداد والمحافظات الأخرى بعد العام 2014 تزايداً ملحوظاً لمحال بيع الملابس والتجهيزات العسكرية والأسلحة.
وبعد أن أصبحت الملابس العسكرية متاحة أمام الجميع، بات من الصعب جداً التمييز بين عناصر الأمن والمسلحين الذين يعبثون بالأمن وينشرون الخراب.
ويُقبل العراقيون بشكل كبير على شراء الملابس والأدوات العسكرية لمؤازرة القوات الأمنية خلال المناسبات الوطنية، كنوع من الدعم المعنوي أو التباهي وركوب الموجة.
أما البعض الآخر فقد اتخذ من المظهر العسكري وسيلة لارتكاب مختلف أنواع الجرائم، مثل تنفيذ الاغتيالات والخطف والسطو وغير ذلك.
إن تنامي معدلات الجريمة وسهولة تقمص المظهر العسكري سببان كافيان لإثارة قلق المواطنين المدنيين ومخاوفهم الذين قد يكونون في يوم ما ضحية تلك العصابات المسلحة.
ويبدو أن ضعف تطبيق القانون وإهمال ضوابطه الحاسمة أديا إلى انتشار هذه الظاهرة التي تهدد الأمن والسلم في المجتمع.
قلق وخوف
يقول المواطن عبد الأمير فضل (55سنة) "أصبحنا لا نفرّق بين الأفراد العسكريين والمدنيين، وقد بدأت ظاهرة العسكرة خلال فترة الجهاد الكفائي، الذي دعت إليه المرجعية الدينية في النجف. فقد كنت أشاهد غالبية الناس بمظهر عسكري، بمن فيهم أصحاب المحلات والإعلاميون وحتى النساء والأطفال". بحسب ما نشرته الاندبندنت عربية.
وتابع فضل أن "أكثر ما يثير مخاوفنا هو أن نجد أنفسنا في يوم ما ضحية جرائم الاغتيالات وعصابات السطو المسلح أو تعترضنا حواجز وهمية، ولا نستبعد مطلقاً مداهمة منازلنا واعتقال أولادنا من قبل مجموعات عسكرية مسلحة في أي وقت".
ولم يعد بمقدور الناس أن يفرّقوا بين العصابات المسلحة والقوات الأمنية، فكلاهما يظهران بمظهر واحد، كما أن غالبية الأشخاص يجهلون الإجراءات القانونية التي تساعدهم في الكشف عن هوية القوة المسلحة، التي تدعي صلتها بالجهاز الأمني وهم غالباً يكونون ضحية جهلهم القانون.
تجارة قديمة
يعود تاريخ فتح محال بيع الملابس العسكرية إلى ثمانينيات القرن الماضي وبشكل محدود، أما بعد العام 2003 فقد زاد عدد هذه المحال وتنوعت مبيعاتها، حتى وصل عددها إلى حوالى 30 محلاً وسط سوق محافظة الديوانية.
وقد بلغت تجارة الملابس العسكرية ذروتها خلال حرب العراق ضد داعش، وفقاً لما قاله علي حسين صاحب إحدى المحال التجارية.
موضة شبابية
لم يكن زبائن محال الملابس العسكرية من العناصر الأمنية فحسب، وباتت موضة تستقطب الشباب بشكل كبير، وهي الآن السائدة بين الأوساط الشبابية وبشكل مستمر. وقال أحد أصحاب المحال "نحن نبيع للجميع من دون تحفظات".
ويبيع حسين في محله مختلف "الرتب العسكرية" والأحزمة والخوذ والعصى الكهربائية والأسلحة البيضاء والتجهيزات الأخرى كافة، وتستورد محال الملابس والمعدات العسكرية بضاعتها من الصين وتركيا، أما الأسعار فتتراوح بين 15 و500 دولار.
ضوابط وموافقات
لا يمكن فتح متجر لبيع الملابس والتجهيزات العسكرية من دون الحصول على إجازة من وزارة الداخلية، كما ألزمت الوزارة ومن خلال تعليماتها أصحاب هذه المحال بعدم بيع الملابس لغير العسكريين.
وتقوم الوزارة من خلال تشكيلاتها المتخصّصة بمراقبة يومية لتلك المحال، ويقول عامر الركابي المنسق الإعلامي لقيادة شرطة محافظة الديوانية "على الرغم من التشدّد في متابعة أصحاب المحال التجارية والتعليمات الواضحة التي أصدرتها وزارة الداخلية، إلا أنها لا تزال تبيع الملابس والتجهيزات العسكرية لكل من يطلبها، بغض النظر عن كونه عسكرياً أم مدنياً".
وفق القانون
يرى رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الديوانية فيصل النائلي من جانبه، أن "فتح محال بيع الملابس والمعدات العسكرية والسلاح أمر لا يخالف القانون"، مضيفاً أن "عناصر الوزارات الأمنية بحاجة مستمرة إلى شراء الملابس العسكرية من الأسواق العامة لأن الملابس الحكومية ذات نوعية غير جيدة ولا تلائم ظروف عمل العسكريين، كما أن الوزارات المعنية لا تهتم بتوفير وسائل الراحة التي يحتاجها العسكر خلال العمل، خصوصاً في فصل الصيف".
وحول فتح مكاتب بيع السلاح، أشار النائلي إلى أن "منافذ تهريب السلاح إلى داخل العراق كثيرة، ولهذا قامت وزارة الداخلية بمنح المواطنين رخصة حيازة السلاح للسيطرة على الأسلحة المتداولة وضمان سهولة الاستدلال على أصحابها عند الحاجة، القانون يسمح لكل بيت بحيازة قطعة سلاح خفيف".
تهديد الأمن
ترى الباحثة الاجتماعية ابتسام نعمة أن "مظاهر التسلح والعسكرة من أخطر ما يواجه السلم المجتمعي، كونه سلوكاً محرّضاً على العنف والجريمة، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها العراقيون".
ولفتت نعمة إلى أن "فتح محال بيع الملابس والتجهيزات العسكرية له أبعاد خطيرة على أمن المجتمع وسلامته، لأنه يسهل على المجرمين انتحال الصفة العسكرية وتنفيذ الجرائم بكل سهولة".
وانتقدت تقصير الجهات الأمنية "في مراقبة تلك المحال ومتابعتها والإفراط في منح الموافقات الرسمية وهو أمر ملفت للانتباه ويحتاج إلى مراجعة ومعالجة من قبل الجهات الأمنية العليا".
وطالبت نعمة الجهات الأمنية "باتخاذ إجراءات صارمة وحازمة تجاه أصحاب المحال المخالفين ضوابط البيع، داعيةً وزارتَي الدفاع والداخلية إلى ضرورة توفير حاجات عناصرها عن طريقها حصرياً".
وقالت فريال الكعبي رئيسة منظمة "أوان" للتوعية وتنمية القدرات من جانبها، إن "منظمات المجتمع المدني تبذل جهوداً كبيرة في سبيل تعزيز التعايش السلمي المجتمعي وخلق جيل سليم ومعافى، بعد تجارب العنف والانتهاكات الإنسانية التي عاشها الناس في مراحل الأزمات المتعددة".
وبحسب الكعبي فإن "محاولة إصلاح الفكر المجتمعي يحتاج إلى أجواء سلمية خالية من القلق والخوف ومظاهر التسلح المحرضة على العنف".
وشهدت محافظة الديوانية في 22 أبريل (نيسان الماضي) 2019 عملية سطو مسلح على منزل طبيب في قضاء سومر، قام من خلالها مسلحون مجهولون بسرقة الأموال والمصوغات الذهبية وإطلاق الرصاص على الطبيب وإصابته بجروح خطيرة.
ويعاقب قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المادة 260 "بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، كلّ من انتحل وظيفةً من الوظائف العامة أو تدخل في وظيفة أو خدمة عامة مدنية كانت أو عسكرية، أو أجرى عملاً من أعمالها أو من مقتضياتها بغير حق، ومن دون صفة رسمية أو إذن من جهة متخصّصة".
اضف تعليق