"حرب الخليج الأولى" أو "حرب القادسية الثانية" بالتعبير الصدامي أو "قادسية صدام" و"الكفاح المقدس" لدى الإيرانيين، مسميات لذات الحرب التي عُدّت أطول حرب في القرن العشرين، إنها الحرب العراقية الإيرانية، التي بدأت في سبتمبر (أيلول) 1980 وانتهت بعد ثماني سنوات في الثامن من أغسطس (آب) 1988.
لم تكن علاقة الجارين اللدودين، العراق وإيران، على أحسن ما يرام منذ مئات السنين وتحديدًا منذ الصراع بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية في القرن السادس عشر، حيث كان العراق ساحة لهذا النزاع، واستمر هذا الحال إلى أن وصل البلدان إلى تلك الحرب المدمرة في ثمانينيات القرن الماضي.
بعد قرابة ثلاثة عقود على نهاية هذه الحرب، من الذي انتصر في هذه الحرب أهو العراق أم إيران أم من؟ في هذا التقرير نبحث في حيثيات هذه الحرب ومن الذي انتصر فيها.
من بدأ الحرب؟
بدأت الحرب في سبتمبر (أيلول) عام 1980 ولكن يوم بدء الحرب كان مُخْتَلَفا فيه بين العراق وإيران، فالعراق يؤكد على أن الحرب بدأت يوم الرابع من سبتمبر، عندما شنت القوات الإيرانية هجومًا مدفعيًا عنيفًا على المدن الحدودية العراقية في القطاع الأوسط عند المنفذ البري الحدودي في خانقين، وصعّدت إيران بعد هذا الهجوم من وتيرة تعرضها للعراق باستخدام سلاح الجو الإيراني واستطاع العراق حينها إسقاط طائرة إيرانية من طراز "فانتوم" وأسر قائدها حيًّا وهو ما عده العراق دليلًا على بدء إيران للحرب، هذا بالطبع بحسب الرواية العراقية.
بعدها بدأ العراق سلسلة هجمات برية على الحدود الإيرانية واستطاع التوغل لمسافة أكثر من 120 كيلومترًا داخل الأراضي الإيرانية، كان ذلك الهجوم استباقيًّا في نظر العراقيين لمنع أي مفاجأة إيرانية مستقبلية، حدث ذلك في يوم الثاني والعشرين من سبتمبر (أيلول) والذي عدّته إيران يوم بدء الحرب.
لم يدر في خُلد العراقيين أن تستمر هذه الحرب لثماني سنوات، يقول عبد الوهاب القصاب وهو معاون القائد العسكري: "تميزت هذه الحرب باندلاعها بين بلدين جارين على درجة من غنى الموارد، تتيح لهما الاستمرار في القتال إلى أن ينهكهما معًا، كما يُظَن أن أحد أهداف الدفع غير المباشر إلى هذه الحرب من جانب دوائر غربية هو أنها لا ترغب في أن ترى بعد الشاه في هذا الإقليم الحيوي قوة يُعْتد بها يمكن أن تشكل تهديدًا لمصالحها".
يقول الضابط المتقاعد "حسن العبيدي" – وهو ضابط خدم في الجيش العراقي إبّان الحرب: "إن توقيت الحرب كان مفاجأة لنا نحن العراقيين، كان هناك حديث عن أن الحرب كان يمكن أن تندلع قبل ذلك بعامين ونصف عندما كان الشاه حاكمًا لإيران وأحمد حسن البكر رئيسًا للعراق". ويضيف أيضًا أنه "عند مفاتحة قيادة الأركان العراقية لأحمد حسن البكر بشن حرب على إيران نتيجة التعرضات المستمرة على الحدود ولدعم إيران لـ(المتمردين") في شمال العراق، أجاب البكر بقوله إن شجارًا بين جارين يوّلد عداوة لسنين طويلة، فكيف لي أن أبدأ حربًا مع جار يشترك معي بـ 1250 كيلومترًا".
ويخلص العبيدي بنتيجة أن الحرب كانت مدفوعة من الدول الغربية ولهذا تزامن التغيير السياسي في كلا البلدين الذي تمثل في الثورة الإيرانية بقيادة الخميني وصدام حسين بتوليه سدة الحكم في العراق.
يقول المفكر العراقي فالح عبد الجبار، رئيس "مركز دراسات عراقية" ومقره بيروت، إن "قرار الحرب كان عراقيًّا" لكنه أشار إلى دعم إيران للحركات الإسلامية الشيعية في ذلك الوقت واحتضانها لهم، وتحدث عبد الجبار عن الفرق بين النموذج الديني في البلدين: "زرت إيران في تلك الفترة والتقيت بهم، كان اعتقادهم أن سيناريو الثورة الإيرانية قابل للتكرار في العراق، بمعنى نزول الجماهير إلى الشارع لتهتف الله أكبر، ثم تحتل مخافر الشرطة والطرق والمباني الحكومية مثلما حصل في إيران دون أن يدركوا أن طريقة تنظيم الدين في إيران تختلف عنه في العراق اختلافًا هائلًا".
بينما يقول وفيق السامرائي المدير السابق للاستخبارات العسكرية العراقية ومسؤول شعبة إيران، في لقاء مع قناة البي بي سي العربية عام 2010، إن بداية الحرب كانت مع بدء المناوشات التي وقعت بين الجانبين منذ ربيع عام 1980 ، ثم تطورت في الرابع من سبتمبر (أيلول) ثم قام العراق بالهجمات الواسعة والاندفاع الواسع في الثاني والعشرين من نفس الشهر عام 1988.
الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية
وضعت الحرب أوزارها عندما وافقت إيران، مما أدى إلى وقف إطلاق النار أغسطس (آب) عام 1988. لم يؤكد طرفا النزاع ماهية خسارتهما الكلية خلال حرب الثماني سنوات، غير أن التقديرات تشير إلى أن عدد من تأثر بالحرب أكثر من مليون ونصف المليون شخص فضلًا عن ملايين اللاجئين.
اعترفت إيران أن حوالى 300 ألف شخص لقوا مصرعهم فى الحرب، بينما تشير تقديرات أن مجموع القتلى العراقيين يصل إلى 240 ألف شخص. إضافة إلى 60 ألف أسير عراقي لدى إيران.
لم يتخيل أحد أن مدة الحرب ستمتد وتمتد ليصل عدد الضحايا إلى هذه الأرقام المرعبة، فحسبما ورد في الموسوعة البريطانية فإن عدد مجموع الإصابات والإعاقات يقدر بين مليون إلى مليونين، بينما وصل عدد القتلى إلى أكثر من نصف مليون قتيل في العراق، مع معاناة إيران من الخسارة الأكبر. وقد أنفق ما يقرب من 230 بليون دولار في المجهود الحربي، وتقدر قيمة ما تضرر في كلا البلدين من منشآت ومرافق حيوية وبنى تحتية بـ 400 بليون دولار.
يقول الدكتور توفيق المراياتي، المحلل الاقتصادي، متحدثًا عن الخسائر، أيًا كان المنتصر، فقد فرض على كلا البلدين بدء فترة ما بعد الحرب بحالة من الفقر والعوز فبعدما انقشعت الحرب عام 1988، تعرض العراق لخسائر اقتصادية قدرت بـ(452) مليار دينار بما يعادل عشرة أضعاف معدل الناتج المحلي الإجمالي أثناء فترة الحرب (1980 – 1988)، إذًا فليس من المبالغة القول إن العراق بدأ فترة ما بعد الحرب باقتصاد مدمر وشعب فقير.
وعن آثار الحرب، يرى فالح عبد الجبار رئيس مركز "دراسات عراقية" أن الحرب العراقية الإيرانية كانت من أكبر الكوارث في تاريخ العراق، بل يعدّها أسوأ من غزو هولاكو لبغداد، ويصفها بأنها "دقة المسمار في نعش المجتمع والمدنية في العراق"، التي أنهت الدولة العراقية وحولتها إلى مزرعة شخصية، وحطمت 130 عامًا من التراكم الحضاري في وقت قصير.
الدور الإقليمي في الحرب وإدارة المعارك دعمت كل الدول العربية العراق في حربه ضد إيران باستثناء الجزائر وليبيا وسوريا، فاستفاد العراق من دعمٍ سخي من دول الخليج لتغطية كلفة الحرب الباهظة.
يقول المشير "عبد الحليم أبو غزالة" وزير الدفاع المصري السابق في كتابه "الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988" أنه لولا الدعم الخليجي السخي للعراق لما استطاع الاستمرار في تمويل الحرب ونفقاتها طيلة الثماني سنوات.
ويضيف "أبو غزالة" أن القيادة العسكرية العراقية أحسنت استغلال مواردها مستغلة إعدام الخميني لآلاف الضباط والمراتب بعد الثورة، وخاصة في سلاح الجو، ما حدا بالعراق إلى التفوق الجوي المطلق بعدد طائرات وصل إلى 500 طائرة مقابل أقل من 80 طائرة إيرانية، ويرى أبو غزالة أن التفوق الجوي كان سببًا مهمًا في التوازن العسكري بين البلدين خصوصًا أن إيران تميزت عن العراق في حربها تلك بعدد سكانها الذي كان 50 مليون نسمة مقابل 17 مليونًا هو تعداد السكان في العراق.
من المنتصر في تلك الحرب؟
لم ينتصر أي من البلدين "العراق وإيران" في تلك الحرب انتصارًا مؤكدًا، وانتهى الأمر إلى طريق مسدود فى يوليو (تموز) عام 1988 عندما وافقت إيران على قبول قرار الأمم المتحدة رقم 598 الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، حيث ظلت الحدود بين البلدين كما هي عليه قبل الحرب ولم يطرأ أي تغير على الموقف الرسمي لكلا البلدين تجاه بعضهما البعض وانتهى الأمر بالهدنة فقط.
يقول الكاتب البريطاني ديليب هيرو: "انتهت هذه الحرب من دون منتصر، بل بطرفين خاسرين. لم تتغير الحدود، وظل النظامان في الحكم. بعد فترة، جرت الإطاحة بنظام صدام نتيجة لخطأ آخر وهو غزو الكويت".
انتهت أطول حرب في القرن العشرين بملايين الضحايا، وكما قيل "كثيرون يستطيعون إشعال الحرب.. قليلون يستطيعون إخمادها".
اضف تعليق