أكد الكاتب الصحافي إيشان ثارور في مستهل تحليل نشرته صحيفة "واشنطن بوست"  أن قرار الإطاحة بصدام حسين، بخلاف غزو أفغانستان في أعقاب أحداث 11 سبتمبر مباشرة، كان حربًا اختيارية غير مبررة، فمن ناحية سدت الطريق أمام مجموعة من الخيارات السياسية الأخرى المتاحة لإستراتيجيي واشنطن، ومن ناحية أخرى أطلقت سلسلة الأحداث التي غيرت المنطقة بشكل جذري. من المستحيل التراجع عما بدأته إدارة بوش، ولكن دعنا نتخيل كيف سيبدو العالم اليوم لو لم تغزُ أمريكا العراق.

وقال ثارور "أولا وقبل كل شيء، هناك عدد القتلى العراقيين. بحسب معهد واتسون في جامعة براون فإن حوالي 184 ألفًا و382 إلى 207 ألفًا و156 مدنيًا عراقيًا قُتلوا بشكل مباشر في أعمال عنف مرتبطة بالحرب بين بداية الغزو الأمريكي في مارس (آذار) 2003 حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2019. لكن الباحثين يشيرون إلى أن الرقم الحقيقي قد يكون أضعاف هذا الرقم".

قال سنان أنطون، الشاعر والمؤلف العراقي المقيم في نيويورك، إنه حتى بالنظر إلى سجل صدام الطويل من الوحشية، من الصعب تصور مستقبل معاناة الشعب العراقي لو لم تطح به الولايات المتحدة من السلطة.

وقال أنطون لمجلة "توداي وورلد فيو": "بغض النظر عما لو ظل النظام في السلطة – وأنا أقول هذا باعتباري شخصًا عارض نظام صدام منذ الطفولة، وكتبت روايتي الأولى عن الحياة في ظل الديكتاتورية – لكان عشرات الآلاف من العراقيين على قيد الحياة اليوم، ولن يولد الأطفال في الفلوجة كل يوم بعيوب خلقية"، في إشارة إلى تأثير استخدام القوات الأمريكية المزعوم اليورانيوم المنضب في معاركها في جميع أنحاء العراق.

وأضاف أنطون أننا أيضًا ما كنا لنشهد صعود تنظيم (داعش) لو لم تغز الولايات المتحدة العراق – وهي قناعة يشاطرها الرئيس السابق باراك أوباما ورددها عدد لا يحصى من الخبراء.

كما كتب عالما العلاقات الدولية هال براندز وبيتر فيفر في دراسة أجريت عام 2017: "على المدى القريب، ربما لم يكن النظام السياسي العراقي لينهار ويخلق فراغًا يمكن أن يملأه الفاعلون من غير الدول أو شبه الدول".

وتابعا: "كان الانقسام السني الشيعي الذي جعل العراق من الصعب جدًا أن يحكم سيبقى موجودًا، لكن بدون العنف والفوضى السياسية، لم تكن لتجد الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش في العراق مثل هذه الأرض الخصبة للتجنيد".

في عام 2002 كان شبلي تلحمي، خبير استطلاعات الرأي المخضرم المنتسب إلى معهد بروكينجز وأستاذ في جامعة ميريلاند، جزءًا من مجموعة من باحثي الشرق الأوسط المقيمين في الولايات المتحدة الذين عارضوا قرع طبول إدارة بوش للحرب في العراق.

قال تلحمي لمجلة "توداي وورلد فيو": "كانت لدى بوش فرصة لبناء تحالفات عالمية، وتعزيز الأعراف والمؤسسات الدولية، والتركيز على تهديد القاعدة، وإعادة تشكيل العلاقات في منطقة الخليج، واستخدام الدعم المحلي والدولي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي كان قبل هجمات سبتمبر الشكوى المركزية ضد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".

وأضاف: "بدلًا من ذلك، اختار بوش سياسة أحادية"، ومضى في حرب عصفت بالبلد الشرق أوسطي، وأججت العنف الطائفي والتشدد المتطرف "وأنهت توازن القوى بين إيران والعراق".

وقال تلحمي إن مكاسب إيران من سقوط خصمها القديم في بغداد، ستعيد بدورها الحسابات الجيوسياسية لدول الخليج العربية، التي أصبحت "غير آمنة لدرجة أنها شرعت في انتهاج سياسات زعزعة الاستقرار أيضًا، بما في ذلك حرب اليمن".

في عام 2003 – ينوه ثارور – كان النظام الصدام لم يزل يواجه عقوبات دولية خانقة. ولو كان قد جرى تخفيفها، لكان شباب العراق مرتبطين بشكل أفضل بالعالم وكان من الممكن أن يواجه النظام الراسخ انتفاضة الربيع العربي الخاصة به.

تشير رشا العقيدي من معهد نيولاينز للإستراتيجية والسياسة، وهو مركز أبحاث في واشنطن، إلى أن "الربيع العراقي" كان سيظل يتعرض للقمع الوحشي من قبل الحكومة البعثية في البلاد. وكان صدام سيموت، ويصبح ابنه قصي رئيسًا – مثلما حدث في سوريا"، متخيلة نهاية أكثر اعتدالًا للديكتاتور العراقي الذي شنق في 2006. كان من الممكن أن يكون الوضع الراهن في بغداد مستقرًا بقدر ما يمكن أن تكون عليه الدولة البعثية الاستبدادية.

وكان من الممكن أن يحدث تفكك داخلي ثابت، حيث أصبحت الولايات المتحدة في وضع أقوى لدعم التنمية الديمقراطية والاقتصادية، كما قالت إيمي هوثورن، مديرة الأبحاث في مشروع حول ديمقراطية الشرق الأوسط، لموقع "توداي وورلد فيو": "لو أن العراق ظل تحت طائلة العقوبات الدولية والحكم الشمولي لعقد آخر، كان سيصبح دولة فاشلة، مع خروج أجزاء من الجنوب وكردستان العراق عن سيطرة صدام".

وبدلًا عن ذلك، وبحلول عام 2007، اضطرت الولايات المتحدة إلى زيادة في عدد قواتها لمحاربة التمرد الذي لم يهدأ قط.

اضف تعليق