عاد الحديث مجددًا داخل أروقة الدولة والشارع المحلي مع اقتراب تمرير قانون الموازنة المالية للعام 2023، عن أعداد الموظفين الحكوميين في العراق، وسط حديث مستمر عن وقوف الحكومات المتعاقبة وراء ضياع ملايين الدولارات على التعيينات دون أي عوائد مالية تفيد البلاد.
ووفقًا لأرقام الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، تشرين الثاني/نوفمبر 2021، فإنّ العراق يملك أكثر من مليون و32 ألفًا و599 موظفًا في مؤسسات الدولة، لكن وزير المالية الأسبق علي علاوي، قال في منتصف العام الجاري، إنّ "آخر إحصائية حكومية بعدد الذين يتقاضون رواتب من الدولة بمختلف الشرائح تبلغ نحو سبعة ملايين موظف في آخر بيانات لوزارة المالية"، مؤكدًا أنّ "هناك عملاً مستمرًا بالرقم الوظيفي والضريبي وسيساهم بإنهاء ملف الازدواج في الرواتب وكذلك المتسربين من الوظيفة".
توزيع ظالم
ويقول أحد الموظفين الذي يعمل بدائرة صندوق الإسكان في بغداد، إنّ "دائرته تعاني من نقص كبير في أعداد الموظفين كون أن الأعداد الموجودة لا تسد زخم المواطنين اليومي".
وفي حديث صحافي تابع قائلاً إنّ "هناك تفاوتًا ملحوظًا في أعداد الموظفين بالوزارات، فالدوائر الخدمية دائمًا ما تكون منقوصة العدد عكس الدوائر الأخرى التي تفيض بالموظفين وتجد نصفهم لا يملك عمل ليقوم به".
سارة أحمد، وهي معلمة لمدرسة ابتدائية في بغداد تتحدث من جانبها بالقول إنّ "الكوادر التدريسية في المدارس قليلة مقارنة بالطلبة المتزايد عددهم سنة بعد أخرى"، مؤكدة أنّ "وزارة التربية على سبيل المثال هي من بين أقل الوزارات راتبًا".
وتضيف أحمد، أنّ "العديد من الوزارات تفيض بالأعداد، وبالتالي أنّ توزيع الموظفين على دوائر الدولة غير عادل ويعتمد على (الواسطات)"، داعية مجلس النواب والسلطة التشريعية إلى "سن قانون يوحد الرواتب والمخصصات لجميع دوائر الدولة دون استثناء".
ويعتمد الاقتصاد في العراق، بشكل كلي على القطاع النفطي حيث يكون 95% من إجمالي دخل البلاد من الدولار، مما يجعل الاقتصاد متأرجحًا كونه يرتبط ارتباطًا مباشرًا بأسعار النفط العالمي وأي انخفاض في الأسعار العالمية يدخل البلاد بأزمة مالية كما حدث في الأعوام السابقة.
العراق وأرقامه العالمية
ويعد العراق أكبر الدول من حيث عدد الموظفين الحكوميين نسبة إلى مجمل القوى العاملة بالاعتماد على دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية وبيانات المؤسسة، بحسب تقرير نشرته مؤسسة "عراق المستقبل" المستقلة المعنية بالشؤون الاقتصادية.
ويقول رئيس المؤسسة منار العبيدي، في التقرير إنّ "نسبة العاملين في القطاع الحكومي بالعراق بلغت 37% بين مجموعة دول شملتها الدراسة، إذ يعتبر القطاع الحكومي الأكثر ضغطًا على الموازنة العامة للدولة التي تذهب بمجملها كرواتب للموظفين، دون وجود إنتاج حقيقي يوازي هذه المصروفات العالية نتيجة عدم خلق بيئة استثمارية تساهم في تشجيع القطاع الخاص وتوفير فرص عمل من خلاله، الأمر الذي يزيد من الضغط على القطاع العام".
ووفقًا لإحصائيات التقرير الذي شملت دراسته لـ12 دولة، فقد حلت السعودية بالمرتبة الثانية بنسبة 35.3% في عدد الموظفين إلى اليد العاملة، تليها الصين بنسبة 28%.
أرقام وإحصائيات
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، خطاب الضامن، إنّ "العراق يصرف شهريًا 5 تريليون دينار لتسديد رواتب الموظفين الحكوميين خلال العام الجاري"، مبينًا أنّ "الموازنة المالية للبلاد تخصص سنويًا 160 تريليون دينار (ما يقدر بنحو 40 مليار دولار أمريكي)، خاصة برواتب الموظفين في عموم المحافظات".
ووفقًا لحديث الضامن، فإنّ العام 2022 شهد تصاعدًا في التخصيصات المالية الخاصة بالرواتب، كون الحكومة أقدمت على تحويل الآلاف من العقود إلى ملاك دائم، مع إضافة درجات جديدة أخرى، وبالتالي قدرت هذه الأرقام مقارنة بموازنة العام 2021.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن "هناك تضخمًا كبيرًا في أعداد الموظفين"، موضحًا أن "أغلب الوزارات المدنية تستخدم وتحتاج إلى 25% من الموظفين الذين تملكهم".
وبلغ معدل صافي راتب الموظف الحكومي في العراق أكثر من 580 دولارًا خلال العام 2022، حسب مجلة CEOWORLD الأمريكية، وتقول المجلة في تقرير إنّ "متوسط صافي الراتب الشهري للموظف في العراق بعد استقطاع الضريبة بلغ 583 دولارًا، وبذلك يحتل المرتبة العاشرة عربيًا والمرتبة 62 عالميًا مقارنة بـ105 دولة مدرجة في الجدول".
رؤية اقتصادية
إلى ذلك، يقول مستشار برلمان كردستان الاقتصادي، أرشد طه، إنّ "العراق من أكثر دول العالم اعتمادًا على النفط، وقد أدى الاعتماد الكبير على النفط، وسياسة المالية العامة المسايرة للاتجاهات الدورية، وعدم كفاية إدارة إيرادات النفط إلى تعرض العراق لتقلبات أسعار السلع".
وعلى الرغم من أن النفط يحقق معظم الإيرادات الحكومية، فإنّ قطاع النفط ـ والكلام لطه ـ يعمل فيه أقل من 1% من القوى العاملة العراقية، وأن القطاع العام يعد أكبر جهة عمل رسمية، إذ يمثل 37.9 % من القوى العاملة في البلاد.
وفي حديث صحفي يتابع طه قائلًا "لا يزال القطاع الخاص، الذي تهيمن عليه في الغالب الشرائح الفقيرة والأكثر احتياجًا من القوى العاملة، يعاني إلى حد كبير من التقزم والنشاط غير الرسمي، كما أن تركة من الصراعات وعدم الاستقرار السياسي وضعف الحكومة تزيد من تثبيط استثمارات القطاع الخاص ونموه".
يرى خبير اقتصادي أن أغلب الوزارات المدنية تستخدم وتحتاج إلى 25% من الموظفين الذين يعملون فيها
وبحسب المستشار الحكومي، أرشد طه، فإنّ الاقتصاد العراقي شهد انتعاشًا بفضل ارتفاع إنتاج النفط وتعافي النشاط الاقتصادي المحلي بعد جائحة كورونا، وقد أدى ارتفاع العائدات النفطية الحكومية، مدفوعًا بزيادة أسعار الصادرات وحجمها، إلى تعزيز مركز المالية العامة والاحتياطيات الدولية بدرجة كبيرة وارتفع إجمالي الإيرادات الحكومية بنحو %72 في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، مستدركًا "لكن دون تطبيق إصلاحات هيكلية أعمق وتنويع النشاط الاقتصادي، فإنّ الاعتماد الشديد على النفط في العراق يجعله عرضة لتقلبات أسعار السلع".
اضف تعليق