سلط المركز العالمي للبحوث التنموية الضوء على الأهمية المتنامية لمشروع الأنبوب القطري التركي المقترح لنقل الغاز الطبيعي من حقل غاز الشمال، في قطر، إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا عبر خط أنابيب نابوكو، في ظل انقطاع إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا، واحتياج القارة العجوز إلى خيار بديل لإمدادات الطاقة.
وأورد تقرير أصدره المركز بإشراف مدير البحوث الاقتصادية صادق الركابي، أن المشروع يواجه تحديات كثيرة، منها المخاطر الأمنية والسياسية والتقنية والتمويلية، إضافة إلى صراع تركيا مع اليونان وقبرص وإسرائيل على حقوق التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
ويشير الركابي، في هذا الصدد، إلى أن توقيع تركيا وليبيا اتفاقية تحدد المجال الاقتصادي المشترك بينهما، عام 2019، أثار غضب الدول المجاورة، خاصة تلك المتنافسة مع تركيا في تصدير الغاز إلى أوروبا.
وفي السياق، يشير تقرير المركز (مقره لندن) إلى أن خيار أوروبا الأمثل لاستيراد غاز الشرق الأوسط هو أنبوب الغاز القطري التركي الذي يمر عبر العراق، موضحا أن دول الاتحاد الأوروبي بحاجة ماسة الى 150 مليار متر مكعب سنوياً لملء المخزونات اعتباراً من منتصف العام القادم، وذلك في ظل شح المعروض بعد توقف إمدادات الغاز الروسي إليها.
وسبق أن سعى الاتحاد الأوروبي لمد عدد من خطوط الأنابيب التي تصل سعتها إلى أكثر من 100 مليار متر مكعب سنوياً، والتي تمثل 20% من استهلاك الغاز السنوي، عبر عدة مسارات، لكن "يبدو أنه لن يتمكن من توفير سوى نصف هذها الحجم"، بحسب الركابي.
وأشار التقرير إلى أن كلاً من خط الغاز العربي لنقل 10 مليارات متر مكعب سنوياً من مصر إلى تركيا مروراً بالأردن وسورية، وخط الصداقة لنقل الغاز الإيراني بسعة 40 مليار متر مكعب سنوياً عبر العراق وسورية ولبنان، مشروعان غير قابلين للتنفيذ في السنوات القليلة القادمة؛ نظراً للعقوبات المفروضة على كل من إيران وسورية.
وفي المقابل، يبقى أنبوب "إيست ميد East Med"، الممتد من شرق حوض البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا عبر اليونان وجنوب إيطاليا؛ لتصدير 20 مليار متر مكعب سنوياً، وخط الغاز القطري التركي عبر العراق بسعة 31.5 مليار متر مكعب سنويا، خيارين متاحين لتعويض جزء من العرض المفقود.
خريطة الغاز
وبحسب المركز العالمي للدراسات التنموية، فإن العراق سيكون الخيار الأمثل لأوروبا في الحصول على الغاز من الخليج، مشيراً إلى وجود استثمارات سعودية وقطرية في هذا المجال.
فقد حصلت كل من "توتال إنرجيز" الفرنسية و"قطر للطاقة" على صفقة للغاز مع شركة نفط البصرة بقيمة 27 مليار دولار، كما اتفق العراق مع السعودية على الاستثمار في حقل عكاز للغاز في محافظة الأنبار، غربي البلاد.
وأكد التقرير أن مستقبل العراق كمصدر للغاز إلى أوروبا يصطدم بحاجته للاستهلاك المحلي لتوليد الكهرباء، مبيناً أنه سيكون قادراً على إنتاج أكثر من ترليوني قدم مكعبة من الغاز يومياً في السنوات الثلاث القادمة.
وبذلك، يتوقع المراقبون أن يلعب العراق دوراً مهماً كممر لنقل الغاز القطري من حقول جنوب بارس المشتركة مع إيران، وسط ترحيب أميركي ورغبة إيرانية في أن يكون لها موطئ قدم في هذا المشروع العملاق، إذ افتتحت وزارة النفط الإيرانية ممثلية لها في بغداد مع نية لافتتاح مكتبين آخرين في كل من كردستان والبصرة، كما وقعت مع العراق عقداً بقيمة 4 مليارات دولار لتقديم خدمات فنية وهندسية في مجال الطاقة.
ضرورة ملحة
ويشدد الركابي على ضرورة وجود تفاهم كبير بين حكومتي بغداد وأربيل لإنجاح مرور خط الغاز القطري التركي عبر العراق، عبر الاتفاق على رسوم العبور السيادية والخدمات المقدمة من قبل الشركات.
كما يلفت تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية إلى ضرورة وجود قانون للنفط والغاز يبين آليات تقاسم الإيرادات والإشراف والأطر القانونية لمستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل، مشيرا إلى أن قانوناً كهذا يعتبر عاملاً مطمئناً للمستثمرين الذين سيعملون على هذا المشروع.
وتبلغ كلفة أنبوب الغاز القطري التركي قرابة 20 مليار دولار، ومن المقرر أن يمر عبر الأراضي السعودية والكويتية، ومن ثم إلى العراق فالحدود التركية، ومنها إلى أوروبا.
وبحسب تقرير المركز، فإن الحراك الدبلوماسي، الذي يشهده الشرق الأوسط، يمثل إسناداً للزخم الاستثماري في المنطقة، خاصة في مجال الطاقة والبنى التحتية، مشيراً إلى أن العراق أطلق مؤخراً مشروع "طريق التنمية" بكلفة 17 مليار دولار.
ولا يختلف المشروع بمساره كثيراً عن أنبوب الغاز القطري التركي سوى في البدء من ميناء الفاو جنوباً إلى تركيا شمالاً، وهو مخصص لنقل البضائع والركاب، بحسب الركابي.
ويخلص تقدير المركز إلى أن تنفيذ أنبوب الغاز القطري التركي سيستغرق من 3 إلى 5 أعوام ترتفع فيها حاجة الاتحاد الأوروبي الملحة للغاز، وسط توقعات بارتفاع أسعاره في العامين القادمين.
ولذا يرجح التقرير أن تسعى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الدفع باتجاه تسريع العمل بهذا المشروع، الذي سيكون عاملاً مساعداً في خفض التوتر في المنطقة ورسم ملامح تعاون بين بلدانها وتحقيق التنمية المستدامة لشعوبها.
المصدر: العربي الجديد
اضف تعليق