يخطط العراق لبدء سحب قوات التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في سبتمبر 2024، وفقا لما أفادت به أربعة مصادر عراقية مطلعة على المحادثات الجارية، وتتطلع الحكومة العراقية إلى إنهاء مهمة التحالف رسميا بحلول سبتمبر 2025، مع احتمال بقاء بعض القوات الأمريكية بصفة استشارية في إطار اتفاق جديد قيد التفاوض.
وأكدت المصادر العراقية إلى جانب مسؤولين أمريكيين أن هذا الموضوع قيد المناقشة في واشنطن خلال القمة الأمنية التي تُعقد هذا الأسبوع، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن إنهاء التحالف أو وضع جدول زمني لذلك حتى الآن.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، في إفادة صحفية إن "الاجتماعات بين الجانبين تهدف إلى تحديد كيفية انتقال مهمة التحالف بقيادة الولايات المتحدة بناءً على التهديد الذي يشكله (داعش)"، مشيرا إلى أنه لا توجد تفاصيل إضافية في الوقت الراهن.
تاريخيا، غزت القوات الأمريكية العراق في عام 2003 وأطاحت بنظام صدام حسين، قبل أن تنسحب في عام 2011، ولكنها عادت في عام 2014 لتقود التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش بعد اجتياحه للعراق وسوريا، ويضم التحالف حاليًا أكثر من 80 دولة، ويقوده حوالي 2500 جندي أمريكي يتمركزون في ثلاث قواعد رئيسية في العراق: واحدة في بغداد، وواحدة في محافظة الأنبار الغربية، وأخرى في منطقة كردستان الشمالية.
تفاصيل انسحاب القوات
رغم أن عدد القوات المتوقع انسحابها بموجب الاتفاق غير واضح بعد، تتوقع المصادر العراقية أن يغادر معظم الجنود في نهاية المطاف. ومع ذلك، يشير مسؤولون أمريكيون إلى أن عددا كبيرا من القوات قد يبقى بموجب مهمة "تقديم المشورة والمساعدة" الجديدة التي يجري التفاوض عليها.
من جانبهم، يسعى المسؤولون الأمريكيون للحفاظ على وجود عسكري في العراق على أساس ثنائي، لدعم عملياتهم عبر الحدود في سوريا، حيث يحتفظون بحوالي 900 جندي. تأتي هذه الخطوة في إطار جهود واشنطن لتجنب منح إيران وحلفائها مكاسب سياسية، في الوقت الذي ترغب فيه الفصائل العراقية المتحالفة مع إيران في إثبات قدرتها على إخراج ما يرونه محتلا سابقًا من البلاد.
تحديات أمنية وسياسية
وتلعب التطورات الأمنية والسياسية دورا كبيرا في تشكيل ملامح المرحلة المقبلة، فداعش، على الرغم من إعلانه مهزوما إقليميا في العراق في 2017 وفي سوريا في 2019، لا يزال يشكل تهديدا حقيقيا من خلال هجماته المستمرة في البلدين، وتشير تقارير إلى أن التنظيم في طريقه لمضاعفة هجماته في سوريا هذا العام مقارنة بعام 2023، وهو ما يثير قلق المجتمع الدولي.
وقد شهدت الأشهر الأخيرة تنفيذ داعش لهجمات في إيران وروسيا، بالإضافة إلى تنفيذ هجوم لأول مرة في عُمان الأسبوع الماضي، تأتي هذه الهجمات كجزء من سعي التنظيم لإعادة تجميع صفوفه واستعادة نفوذه.
على الصعيد السياسي، تعتبر مهمة التحالف في العراق وسيلة للحد من النفوذ الإيراني، حسبما يرى المسؤولون الغربيون، وتلعب الولايات المتحدة وحلفاؤها دورًا مهمًا في الحفاظ على توازن القوى في المنطقة.
بدأت المفاوضات بين واشنطن وبغداد بشأن مستقبل التحالف في يناير 2024، وسط تصاعد التوترات بين القوات الأمريكية والجماعات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران، والتي تفاقمت بسبب النزاع بين إسرائيل وحماس.
تأثير الاتفاق المحتمل
في حال التوصل إلى اتفاق حول سحب قوات التحالف، سيكون ذلك بمثابة انتصار سياسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، فقد تعرض السوداني لضغوط من الفصائل الموالية لإيران لطرد القوات الأمريكية، ولكنه يسعى لتحقيق التوازن بين الحفاظ على علاقات العراق الحساسة مع كل من واشنطن وطهران.
هذا التوازن الدقيق يمثل تحديًا للسوداني، الذي يسعى لتعزيز موقف بلاده كحليف موثوق به للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تجنب تفاقم التوترات مع الجارة الإيرانية، يعد تحقيق هذا التوازن أمراً بالغ الأهمية لمستقبل الأمن والاستقرار في العراق، وكذلك لاستمرار العلاقات الدولية المتوازنة مع القوى الكبرى في المنطقة.
بمجرد وضع اللمسات الأخيرة على هذه المفاوضات، سيتعين على القيادة العراقية تطوير استراتيجيات تضمن استقرار البلاد وأمنها في مرحلة ما بعد التحالف، مع التركيز على تطوير القدرات الدفاعية الذاتية والتعاون الدولي لضمان عدم عودة ظهور تهديدات داعش أو أي تهديدات أخرى.
م.ال
اضف تعليق