تتوالى الغارات الصهيونية على مناطق سورية عدة كثيراً ما اكتوت بنار الحرب وتحول بعضها إلى رماد في محاولة صهيونية مستمرة لتدمير البنية العسكرية وإخراج ما تبقى منها من الخدمة، وآخر هذه الهجمات الضربات الجوية التي استهدفت مساء أمس الإثنين مناطق في الساحل السوري، ولا سيما طرطوس واللاذقية.

القصف الصهيوني المتكرر ليس بجديد، إذ استهدف الطيران طوال السنوات الماضية مواقع إيرانية أو فصائل موالية لها ومراكز مهمة كانت تتبع لنظام الأسد (بشار)، لكن ما يدعو إلى الاستغراب تواصل عمليات القصف الشديد مع سقوط نظام بشار الأسد وهربه إلى موسكو، إذ قصفت تل أبيب أبرز المواقع والمقار الاستراتيجية بذريعة تجنيب استحواذ السلطات الجديدة على الأسلحة الكيماوية أو الاستراتيجية.

وتأتي الهجمات الجوية بالتوازي مع توغل إسرائيلي في القنيطرة، وللمرة الأولى، في مناطق بريف درعا، جنوب سوريا، بالتوازي مع تصريحات عن حماية السوريين من الطائفة الدرزية، بخاصة بعد حادثة جرمانا الأخيرة التي أدت إلى تفاهمات بين الإدارة الجديدة وأبناء الطائفة، والتي رفضها وجهاء الطائفة في السويداء ذات الغالبية الدرزية وسط نداءات مطالبة بحكم لا مركزي.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس أصدرا تعليمات للجيش للتدخل في بلدة جرمانا بريف العاصمة (تبعد عن دمشق 10 كيلومترات)، ورافق الحشد والتوغل في القنيطرة ودرعا ضغط سياسي واسع النطاق، على رغم أن دمشق لم تتخذ أي موقف تجاه تل أبيب التي ترفض الاعتراف بالحكومة الجديدة.

وقال وزير الخارجية الصهيوني جدعون ساعر في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الكرواتي غوردان رادمان أخيراً إن النظام الحاكم الجديد غير منتخب من الشعب السوري، بل هم مجموعة من الإرهابيين "الذين كانوا يسيطرون على إدلب، شمال غربي البلاد بالقوة، واستولوا على الحكم في مناطق أخرى بما في ذلك دمشق".

وسط هذه الأجواء ثمة تخوف سوري من تمادي إسرائيل التي احتلت أراضي منذ عام 1967 في مرتفعات الجولان. ويرى مراقبون أن أمام سوريا عديداً من السيناريوهات، منها إنشاء تل أبيب منطقة عازلة وجدار أمني واسع النطاق على حدودها الشمالية المتاخمة للجنوب السوري، أو فرض شروط سياسية منها تطبيع العلاقات، وفي كل الأحوال لا تقوى الإدارة السياسية الجديدة التي يترأسها الرئيس السوري أحمد الشرع إلا بث رسائل تهدئة في المنطقة، وهو ما يسعى إليه لطمأنة الدول الإقليمية.

ورأى المتخصص في العلاقات الدولية بمناطق الشرق الأوسط وأوراسيا فراس بورزان ضرورة تحليل الموقف الإسرائيلي من سوريا في ثلاثة أبعاد، "أولها البعد الاستراتيجي الإقليمي، حيث أطلقت حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 دينامية جديدة لا تزال في طور التشكل، فالنظام الإقليمي والأمني السابق هو في حال ضبط وصياغة وفق توازنات إقليمية وأمنية جديدة، وتسعى إسرائيل إلى تأكيد قدرتها على التدخل والتأثير في محيطها الإقليمي، سواء عبر الضربات العسكرية أو عبر إعادة تشكيل معادلات الردع. أما البعد الثاني فهو البعد الداخلي السوري، إذ يسعى الإسرائيليون إلى جعل دول الطوق في حال من الضعف والهشاشة التي لا تصل إلى الفوضى، لكنها كافية لجعل هذه الدول ضعيفة وفاقدة أية مبادرة حقيقية، وهذه سياسة ثابتة في العقيدة الإسرائيلية". وتابع بورزان، "وهي تستند إلى مقاربة أمنية ترى في تفتيت المجتمعات أداة لإضعاف الدول المحيطة بها، مما يتقاطع مع رؤية سائدة في إسرائيل تعد شعوب المنطقة كيانات فسيفسائية منقسمة، لذلك التهديدات التي أطلقها مسؤولون فيها في شأن انتشار قوة عسكرية سورية في محافظات الجنوب، وأخيراً بسط الحماية على مكونات من الشعب السوري، هدفها تمكين إسرائيل من أن تكون عاملاً داخلياً غير مباشر (من دون تكلفة)، ولكن مؤثر في تكوين المشهد السياسي السوري بصورة تضمن استمرار الهشاشة والانقسام". ووصف المتخصص في العلاقات الدولية بمناطق الشرق الأوسط وأوراسيا بسط الحماية "بأنها ممارسة خطابية، فإسرائيل ليست لديها أدوات لتفعيل وعدها بالحماية وإدارة التوازنات على الأرض، إلا إذا قررت احتلال درعا، مما يعني احتلال مناطق ذات كثافة سكانية معادية، وهذا أمر مستبعد جداً".

يأتي ذلك في وقت أثار محافظ دمشق ماهر مروان جدلاً حيال رغبة بلاده في إقامة علاقات سلام مع إسرائيل، خلال حوار مع وسيلة إعلام أميركية في وقت سابق نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، واعتبر أن "بلاده لا تسعى إلى النزاع معها، ومخاوفها بعد تغير النظام في سوريا طبيعية، وهذا يتوافق مع ما يراه العهد الجديد بصب الاهتمام على بناء الدولة والمؤسسات وإعادة الإعمار وليست لديه أية خطط للدخول في صراعات إقليمية".

أما البعد الثالث، وفق وجهة نظر بورزان، "فأمني تكتيكي، تتبع من خلاله مقاربة إدارة الأخطار في توسيع نطاق سيطرتها الأمنية داخل الأراضي السورية، بهدف تأسيس منطقة عازلة تمنع تكرار سيناريو السابع من أكتوبر، بخاصة أن السلطة الجديدة في دمشق تنتمي إلى توجه تعتبره إسرائيل معادياً لها، بالتالي تريد إسرائيل درء أخطار إيجاد بنية تحتية عسكرية تشكل خطراً مستقبلياً، تستخدم لشن عمليات تستهدف الجولان، وعلى رغم ذلك ينبغي ملاحظة أن التوغل الإسرائيلي في المناطق السورية المحاذية للبنان مرتبط بصفقة أمنية شاملة في لبنان، مما يعني أن الانسحاب يبقى خياراً مطروحاً مستقبلاً، لكن هذا لا ينطبق على المنطقة العازلة وجبل الشيخ، حيث تخطط إسرائيل للبقاء فيهما لأسباب أمنية واستراتيجية طويلة المدى".

في الأثناء أفصح مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن إمكان لحاق سوريا بقطار التطبيع مع إسرائيل خلال الفترة المقبلة. وجاء ذلك خلال فعالية للجالية اليهودية في واشنطن، الثلاثاء الـ25 من فبراير (شباط) الماضي، وقال "أعتقد أن هناك إمكاناً لانضمام سوريا ولبنان للتطبيع مع إسرائيل بعد الضربات القوية التي تعرضت لها القوى المدعومة من إيران، لا سيما بعد سقوط نظام بشار الأسد وهربه إلى موسكو وخسارة 'حزب الله' اللبناني". واعتبر ويتكوف أن "كلاً من لبنان سوريا يمكن أن ينضما إلى اتفاقات أبراهام للسلام مع حدوث تغييرات إقليمية عميقة". وانطلقت هذه الاتفاقات في الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأسفرت عن تطبيع دول عدة مع إسرائيل منها الإمارات والبحرين والسودان والمغرب في وقت ترجح فيه دوائر السياسة الخارجية الأميركية التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا خلال السنوات المقبلة.

 

وكالات

 

س ع


اضف تعليق