إنهم خائفون من أشياء كثيرة الآن. مذعورون من القنابل، ومن الهجمات المنظمة عليهم، ومن الجواسيس المتغلغلين في صفوفهم. نعم الجواسيس هم من يخيفون داعش اليوم، لا سيما في ظلّ معركة الموصل المشتعلة.
هذا ما نقلته صحيفة الإندبندنت البريطانية بشكل حصري عن رشيد، جهادي بلجيكي في صفوف داعش، قال إن أجهزة الاستخبارات لا سيما البريطانية منها قد اخترقت صفوف التنظيم.
تبدأ الصحيفة البريطانية بقصة رشيد، وهو واحد من بين آلاف المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بالتنظيم في سوريا، وبقي في صفوفه لمدة سنتين قبل أن يخيب أمله ويبدأ خوفه من المجهول، ليتخذ لاحقاً قرار الهرب إلى تركيا. رشيد، الشاب الذي كان يعمل ميكانيكياً قبل أن يحمل السلاح باسم الإسلام، يعدّ من الفئة القليلة لكن المؤثرة التي هربت من صفوف داعش مع بدء معركة الموصل.
يختصر رشيد حال العديد من الشبان الذين رأوا في داعش البدايات قوة لا تقهر، وذهلوا بقدرة التنظيم على التقدم السريع في سوريا والعراق، ليُواجهوا لاحقاً الحقيقة المرة عن الانقسامات والانشقاقات داخل التنظيم، وجنون العظمة وما تبعه بعد ذلك من انتقام عنيف من أولئك الذين وصفوا بـالخونة.
الجواسيس البريطانيون
حلق رشيد ذقنه وأحرق ملابسه وكل الوثائق التي كانت بحوزته في سوريا، وهو مشغول بإيجاد طريقة لترك مدينة عرفة التركية في أقرب وقت ممكن، بعد أن تحولت تركيا إلى ملاذ للمتطرفين السلفيين ومن بينهم عناصر داعش. ويُذكّر بقتل الناشطين المعتدلين كإبراهيم عبد القادر وفارس حمادي من مجموعة الرقة تذبح بصمت، الذين عزا التنظيم قتلهما، في فيديو نشره، إلى التآمر مع الصليبيين. مع العلم أنه لا تتوفر أي أدلة تشير إلى علاقة هؤلاء الناشطين بأجهزة الاستخبارات البريطانية أو غير البريطانية.
كثر، بحسب رواية الاندبندنت، قتلوا عبر الحدود لاتهامهم بالتجسس لمصلحة جهات أجنبية، ومن بينهم أبو عبيدة المغربي، وهو شخصية رفيعة المستوى في التنظيم. وكان مسؤول أمن التنظيم في حلب وأوكلت إليه مهمة الاهتمام بالصحافي الأميركي جيمس فولي وصحافيين آخرين جرى إعدامهم لاحقاً. لكن أبو عبيدة لم ينج من اتهام التنظيم له مع ثلاثة آخرين بأنهم عملاء لجهاز الاستخبارات البريطاني ويسربون معلومات تهدّد التنظيم. وقد جرت تصفيتهم لاحقاً.
تزايدت شكوك داعش بأنه مخترق أمنياً بعدما استهدفت غارة في نوفمبر الماضي محمد أموازي، البريطاني الجنسية الذي كان مسؤولاً عن تصفية جيمس فولي ومعتقلين آخرين من بينهم البريطانيان دايفيد هاينس وآلان هينينغ. تبع مقتله عملية انتقام وتصفية داخلية بسبب اعتقاد المسؤولين أن موقع أموازي قد سُرّب من الداخل، ما مكن الأعداء من تنفيذ غارتهم بنجاح.
يشرح المقاتل البلجيكي أن ثمة قناعة بلعب بريطانيا دوراً قيادياً في خرق التنظيم بالعديد من الجواسيس، صحيح أن المقاتلين البريطانيين ليسوا المجموعة الأكبر في التنظيم، لكن تمّ تظهير حضورهم بشكل كبير، والكثير من الإخوة مقتنعون أن الجواسيس في التنظيم نشطون بشكل كبير، وعليه تم قتل الكثير من الرجال، وحتى النساء، بعد اتهامهم بأنهم عملاء أجانب، وكان من بينهم بريطانيون، بحسب رشيد. كما يلفت إلى أن داعش كان قد طلب الكثير من الناس للالتحاق بصفوفه، لا مقاتلين فقط، بل كذلك أساتذة ومهندسين وأطباء لبناء الدولة الإسلامية، وتشير الرواية إلى أن اختراق الاستخبارات له حصل في تلك الفترة.
المغربي ما زال حياً؟
التقى الصحافي في الاندبندنت كيم سنغوبتا المحلل السياسي التركي أولوك بولتاس، الذي يُحضّر لكتابه عن المقاتلين السوريين في مركز أبحاث أسسه مستشار أردوغان، وفي الكتاب مقابلة نادرة مع القيادي في جبهة النصرة أبو فراس السوري الذي قتل في غارة أميركية. بولتاس أشار بدوره إلى التغلغل البريطاني، قائلاً ثمة اعتقاد قوي بأن البريطانيين نجحوا في خرق العديد من المجموعات المقاتلة، ومن بينها داعش، وقد تنبه الأخير لذلك وبدا قلقاً حيال هذا الوضع. كما لفت إلى أنه فوجئ بحجم الدور البريطاني، فيما المتوقع في المعتاد أن يلعب الأميركيون دوراً مماثلاً.
اللافت كذلك، حسب الكاتب التركي، هو أن تعاظم نفوذ داعش جعله يقلل من حذره بشأن من يريدون الانضمام لصفوفه. أتى ذلك نتيجة شعور قيادييه أنهم لم يعودوا مجرد قوة مقاتلة بل دولة، وعليه لا داعي للتضييق على من يريدون الانضمام ما دام بإمكان أجهزة الأمن ضبط أي خرق يحصل. لكن الأمور جرت خلافاً للمتوقع، فقد نجحت الاستخبارات الأجنبية بخرقهم، وقصة أبو عبيدة المغربي خير دليل على ذلك. الجديد الذي يكشفه بولتاس نقلاً عن مقاتلين التقاهم هو أن المغربي ما زال حياً يرزق وقد رأوه يتجول، وما المانع من أن يظهر مجدداً في الرقة؟
بعض المعلومات التي جرى تناقلها عن المغربي أتت عن لسان جوجين بونتيك، وهو مقاتل بلجيكي مثل رشيد. بحسب يونجيك فإن جيمس فولي ومن كان معه اعتقلوا على يد جهاديين بلجيكيين ينتمون إلى مجموعة شريعة 4 بلجيكا في حلب، قبل نقلهم إلى الرقة وتسليمهم إلى إموازي وثلاثة بريطانيين آخرين كانوا يعرفوا بـالبيتلز (إموازي كان يلقب بـالجهادي جون). وبونتيك، كما وصفه فيليب بالبوني المسؤول عن المؤسسة التي كان فولي يعمل فيها، هو شاب بلجيكي ممن سافروا للقتال في سوريا وقد صادق فولي، وعندما عاد إلى بلجيكا قدم معلومات ممتازة عن موقع الأخير، وكانت المرة الأولى التي نعرف فيها أنه على قيد الحياة.
يُذكر أن 27 ألف مقاتل أجنبي على الأقل تأكد التحاقهم بالتنظيم في سوريا خلال السنوات الماضية، من بينهم 5 آلاف إلى 7 آلاف أتوا من أوروبا للانضمام إلى داعش أو النصرة، وحوالي 800 أتوا من بريطانيا، لكن القليل منهم عاد إلى بلاده.
يوضح رشيد أن المقاتلين البريطانيين، كما هو ورفاقه، عالقون بين مطرقة وسندان، من جهة يواجهون خطر السجن لمدة طويلة إن عادوا إلى بلدانهم إذ لا يوجد بلد يؤهل المقاتلين بدل سجنهم سوى الدنمارك، ومن جهة أخرى يعيشون خوف القتل بقذيفة أو اعتداء. ويبقى الأكثر رعباً بالنسبة لهم هو انتقام التنظيم منهم بسبب الخيانة والتجسس. انتهى/خ.
اضف تعليق