بعد انحسار الأضواء عن مفاجأة فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب ولو جزئيا، من الطبيعي ان تقفز الأوضاع في مدينة حلب الى الواجهة مجددا، بعد ان بات واضحا ان التحالف السوري الروسي الإيراني بات يستعد لحسم المعركة فيها لصالحه، في ظل الغياب الأمريكي، والانشغال التركي في إقامة المنطقة العازلة، والانكماش السعودي القطري نتيجة التسليم بالامر الواقع، والاعتراف بصعوبة النصر.
حاملة الطائرات الروسية المدعومة بعدة فرقاطات حربية، مزودة بصواريخ أرضية وجوية متعددة المهام باتت ترابط قرب السواحل السورية، والحكومة في دمشق تعطي المعارضة المسلحة المحاصرة في الاحياء الشرقية من المدينة يوما إضافيا للخروج قبل الاجتياح الأخير، وربما الحاسم.
في ظل هذه الحشودات غير المسبوقة، لم يكن مفاجئا ان تتحدث صحيفة “الديلي ميل” البريطانية المقربة من الحزب الحاكم عن احتمالات قوية بظهور الرئيس السوري بشار الأسد في قلب مدينة حلب، وبعد استعادتها الوشيك، لالقاء خطاب يعلن فيه نهاية الحرب فيها، وخططه المستقبلية لاعادة الاعمار، والإصلاح السياسي والاقتصادي وفق منظوره.
المعارضة السورية المسلحة، بشقيها المعتدل والمتشدد، تواجه ظروفا، وخيارات صعبة جدا في الأسابيع وربما الأشهر المقبلة، فقد كانت تعد الأيام للانتخابات الرئاسية الامريكية، وخروج الرئيس باراك أوباما من البيت الأبيض تلاحقه لعناتها، وقدوم السيدة هيلاري كلينتون “المنقذ” التي تعهدت بتزويدها (أي المعارضة) بأسلحة حديثة، وإقامة مناطق حظر جوي، تمهيدا للإطاحة بالرئيس الأسد، تماما على غرار ما فعلت عندما كانت وزيرة خارجية في ليبيا، ولكن فوز دونالد ترامب شكل صدمة كبيرة لها، لانه اكد عدم وجود أي نوايا لديه للدخول في حرب ضد الرئيس الأسد، او حلفائه الروس، وسخر من المعارضة بطريقة مؤلمة عندما تساءل عن وجودها وهويتها.
صوت المعارضة السورية في الرياض لم يعد مسموعا هذه الأيام، وماذا يمكن ان تقول؟ فالعملية السياسية التفاوضية للتوصل الى حل سياسي للازمة في غرفة العناية المركزة، ان لم تكن قد لفظت أنفاسها، والمملكة العربية السعودية الدولة الراعية لها، رفعت الرايات البيضاء في الملف السوري، واختفى وزير خارجيتها السيد عادل الجبير عن الأنظار، وباتت تعطي أولوية لكيفية الخروج من مأزقها في اليمن بتسوية تنقذ ماء الوجه، وترتيب أوضاعها الداخلية والمالية منها خاصة، التي دخلت مرحلة التأزم.
الانباء التي تنتشر بسرعة هذه الأيام، وتتحدث عن توجه جديد لعقد مؤتمر موسع للمعارضة السورية في دمشق بحضور شخصيات معارضة من داخل سوريا وخارجها، من بينها احمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني السوري الأسبق، و”تيار الغد” حاليا، الى جانب كل من الفنان جمال سليمان، وجهاد المقدسي، المتحدث الأسبق باسم وزارة الخارجية السورية، هذه الانباء تعكس الصورة التي قد يكون عليها المشهد السوري بعد استعادة حلب في حال حدوثها، والمرحلة الانتقالية الامريكية والفراغ السياسي الذي سيسودها استعدادا لتسليم الرئيس الجديد لمهامه رسميا في كانون الثاني (يناير) المقبل.
الروس يلعبون دورا كبيرا في دعم هذا المؤتمر، ويقدمون ضمانات للمعارضة المشاركة، خاصة من الخارج، من حيث وضع دستور جديد، وتشكيل حكومة وطنية، واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد يتم الاتفاق عليه.
الجربا الذي يقود التحرك الجديد بالتنسيق مع حسن عبد العظيم، رئيس هيئة التنسيق العليا، يحظى بدعم السلطات المصرية، وبعض الدول الخليجية، ويستعد للعب دور مماثل لدور سعد الحريري في لبنان، أي فك الارتباط كليا مع المملكة العربية السعودية، الحاضنة الأولى له، والتوجه الى دمشق، والمصالحة مع حكومتها.
لا نستبعد انضمام رموز سورية معارضة أخرى الى هذا القطار الجديد الذي يبدو ان قيادته التقطت لحظة التغيير الجذري الناجمة عن فوز ترامب، واعجابه المعلن بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحربه على الإرهاب، وادركت ان الداعمين الرئيسيين للمعارضة السورية، واجندتها في اسقاط النظام قد انفضوا عنها بطريقة مهينة وصادمة.
حسم المعركة في حلب الذي تتواصل الاستعدادات الروسية والسورية والإيرانية لها، سيغير معظم المعادلات، ان لم يكن كلها في الازمة السورية، ولهذا بات الكثيرون ينتظرون جديد الرئيس الأسد الذي من الممكن ان يتضمنه خطابه، اذا ما سارت الرياح وفق ما تشتهيه سفنه وحلفاؤه.
انتهت عاصفة ترامب.. وستبدأ عاصفة حلب بحلة أخرى مختلفة، والتقطوا انفاسكم استعدادا لمفاجآت أخرى.. وبوتين اعلم!.انتهى/س
اضف تعليق