يعيش العالم الاسلامي هذه الأيام مرارة الذكرى السنوية السابعة والثمانين للنكبة الاسلامية الكبيرة التي تتمثل في الاعتداء على مقدسات أولياء الله بهدم أضرحة أئمة أهل البيت عليهم السلام المقدسة والطاهرة التي ارتكبتها عصابات التكفير الوهابية والسلفية بدعم من سلطات آل سعود المجرمة بالبقيع الغرقد في المدينة المنورة، وكذلك قبور العظماء من صحابة الرسول (ص) والتابعين.
في المدينة المنورة وقرب المسجد النبوي الشريف ومرقد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، هنالك بقعة شريفة طاهرة أيضاً، هي مقبرة "بقيع الغرقد" المقدسة والتي بها مراقد الأئمة الأربعة المعصومين من أهل بيت النبوّة والرسالة (عليهم السلام)، وهم الامام الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين (ع)، والامام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، والامام محمد بن علي الباقر (ع)، والامام جعفر بن محمد الصادق (ع)، وكذلك مراقد كل من: ابراهيم بن رسول الله (ص) وسيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت الرسول الأعظم (ص) سيدة نساء العالمين (برواية)، وبعض زوجات الرسول (ص) من امهات المؤمنين وكذلك عمه العباس بن عبدالمطلب (س) وعماته، وكذلك اسماعيل بن الامام جعفر الصادق (ع)، ووالدة الامام علي أمير المؤمنين (ع) سيدتنا فاطمة بنت أسد (س) وكذلك زوجة الامام علي (ع) سيدتنا أم البنين (س)، ومرضعة النبي (ع) السيدة حليمة السعدية، وجمع من الصحابة وعلى رأسهم الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الانصاري (رض) الى جانب الشهداء والتابعين.
أصل البقيع في اللغة يعني الموضع الذي أرم فيه الشجر من ضروب شتى، وبه سمي "بقيع الغرقد". والغرقد يعني كبار العوسج، فلذا سمي ب"بقيع الغرقد" لان هذا النوع من الشجر كان كثيرا فيه ولكنه قطع.
ولقد كانت لهذه القبور قباب أضرحة وبناء، وكان لها صحن وحرم، وغيرها من المعالم التي تدل على قدسية أصحابها، فكانت عظيمة في أعين الناس، شامخة في قلوب المسلمين، محفوظة حرمتها وكرامتها، وقد كان الناس يتوافدون على هذه البقعة المقدسة لزيارة المدفونين فيها، عملاً بالسنة الاسلامية من استحباب زيارة القبور وخاصة قبور ذرية رسول الله (ص) واولياءا لله تعالى.
وبتأثير من بعض الأفكار المنحرفة والمبادئ الباطلة التي لا تمت للاسلام المحمدي الأصيل بصلة، عمدت زمرة الوهابية التكفيرية المتطرفة وفي الثامن من شوال عام 1344هجرية ـ الموافق لـ25 نيسان / إبريل عام 1925ميلادي، عمدت الى هدم هذه القبور كليّاً وتسويتها بالأرض بزعم حرمة تعلية القبور وحرمة زيارتها عند هذه الفرقة الضالة والمنحرفة، حيث حولوا مقبرة "بقيع الغرقد" الى تراب ومدر وأحجار بعدما كان مفروشاً بالرخام ونهبوا كل ما كان فيه من فرش غالية وهدايا عالية، وسرقوا المجوهرات واللآلئ التي كانت داخل أضرحة أهل البيت عليهم السلام.
وليس خافياً على أحد ما تقوم به هذه الحركة التكفيرية الضالة والمنحرفة من استباحة دماء المسلمين وهتك حرماتهم ومقدساتهم في جميع ربوع العالم الاسلامي خاصة ما يشهده العراق وشعبه المظلوم كل يوم من انفجارات ارهابية تقطع أوصال المواطنين الشيعة الأبرياء وكذلك ما يعانيه أتباع أهل البيت (ع) على يد هذه الزمرة النفاقية في السعودية ذاتها وفي صعدة باليمن حيث تشن ضدهم الحرب الطاحنة.
ولم يتحفظ الوهابيون في تبيان آرائهم، بل شرعوا بتطبيقها على الجمهور الأعظم من المسلمين بقوة الحديد والنار والارهاب والارعاد .. فكانت المجازر التي لم تسلم منها بقعة في العالم الإسلامي طالتها أيديهم، من العراق والشام وحتى البحر العربي جنوبا والأحمر والخليج الفارسي غربا وشرقا.
ولقد انصب الحقد الوهابي في كل مكان سيطروا عليه، على هدم قبور الصحابة وخيرة التابعين وأهل بيت النبي (ص) الذين طهرهم الله عزوجل من الرجس تطهيرا.. وكانت المدينتان المقدستان (مكة المكرمة والمدينة المنورة) ولكثرة ما بهما من آثار دينية، من أكثر المدن تعرضا لهذه المحنة العصيبة والمأساة النازفة، التي أدمت قلوب المسلمين وقطعتهم عن تراثهم وماضيهم التليد.
الهدم الأول:
كانت الجريمة التي لا تنسى، عند قيام الدولة السعودية الأولى حيث قام آل سعود بأول هدم جزئي للبقيع وذلك عام 1220هـ وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين، فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.
وفي هذا الاطار يكتب أحد الرحالة البريطانيين حين وصف المدينة المنورة بعد تعميرها بأنها تشبه اسطنبول أو أية مدينة أخرى من المدن الجميلة في العالم، وكان هذا في عام 1877 - 1878م أي قبل تعرض المدينة المنورة المباركة لمحنتها الثانية على أيدي الوهابيين العتاة.
الهدم الثاني:
بعد ما استولت الوهابية وآل سعود مرة اخرى على مكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة وضواحيهما، وذلك بعد قيام دولتهم الثالثة عام 1344 هـ، بدأوا يفكّرون بوسيلة ودليل لهدم المراقد المقدّسة في البقيع، ومحو آثار أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة.
وخوفاً من غضب المسلمين في البلاد الاسلامية خاصة الحجاز(شبه الجزيرة العربية)، وتبريراً لعملهم الإجرامي المُضمر في بواطنهم الفاسدة، استفتوا علماء المدينة المنورة حول حرمة البناء على القبور .
فكتبوا استفتاءً ذهب به قاضي قضاة الوهابيين "سليمان بن بليهد" مستفتيا علماء المدينة، فاجتمع مع العلماء أولا وتباحث معهم، وتحت التهديد والترهيب وقّع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحرمة البناء على القبور، تأييداً لرأي الجماعة المنحرفة والمتطرفة التي كتبت الاستفتاء .
واستناداً لهذا الجواب اعتبرت سلطات آل سعود ذلك مبررا مشروعا لهدم قبور الصحابة والتابعين ـ وهي في الحقيقة إهانة لهم ولآل الرسول (ص) ـ فتسارعت قوى الشرك والتكفير والضلالة والوهابية الى هدم قبور آل الرسول (ص) في الثامن من شهر شوال من العام ذاته فهدّموا قبور الأئمة الأطهار(ع) والصحابة في البقيع، وسوّوها بالأرض، وشوّهوا محاسنها، وتركوها معرضاً لوطئ الأقدام، ودوس الكلاب والدواب.
وبعدما انتشر خبر تهديم القبور، استنكره المسلمون في جميع بقاع العالم، على أنّه عمل إجرامي يسيء إلى أولياء الله، ويحطّ من قدرهم، كما يحطّ من قدر آل الرسول (ص) وأصحابه .
ونشرت جريدة أُمّ القرى بعددها 69 في 17 / شوال 1344 هـ.ق نص الاستفتاء وجوابه ـ وكأن الجواب قد أُعدّ تأكيداً على تهديم القبور ـ وحددت تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة بتاريخ 25 / رمضان 1344 هـ، امتصاصا لنقمة المسلمين، إلا أن الرأي العام الاسلامي لم يهدأ حتى يومنا هذا، لا في داخل الحجاز ولا في العالم الإسلامي، وتوالت صدور التفنيدات للفتوى ومخالفتها للشريعة الإسلامية .
فاصبح "البقيع الغرقد" ذلك المزار المهيب قاعا صفصفا لا تكاد تعرف بوجود قبر فضلا عن أن تعرف صاحبه.
العزم على هدم قبر الرسول (ص):
وتشير الوثائق والقرائن الى أن الوهابيين لم يكتفوا بتلك الجرائم بل حاولوا مرارا هدم قبر الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبته وبدأوا في محاولات مشبوهة للمساس بالقبر النبوي الشريف لكنهم لم يتمكنوا من الاستمرار فيها، حيث أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم (ص) لكن تظاهر المسلمين في الهند ومصر وبعض بلاد افريقيا والذين هاجوا وماجوا واقاموا المظاهرات المعادية للدولة قد اثار مخاوف البريطانيين من انفلات الامر من ايديهم لهذا فقد اوعزوا الى عميلهم العالم الوهابي ان يقول للناس إني رأيت البارحة رسول الله (ص) في المنام فأمرني ان اترك قبره، فقلت يا رسول الله لماذا ؟ قال: لأن المصلحة في بقاء قبري الى حين وبذلك أجاب عن الوهابيين الملتفين حوله الذين كانوا يقولون إن كانت القبور بدعة فلماذا بقاء قبر رسول الله (ص) وإن لم تكن بدعة فلماذا هدم تلك القباب الأخر للأئمة وأولاد النبي وأصحابه وزوجاته ومن إليهم ؟
وهذه القصة معروفة ومشهورة في أمر توقفهم عن هدم قبر وقبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم يحنّون إلى العمل على هدمهما إلى الآن , لكن خشيتهم من العواقب الوخيمة لهذا العمل تحول دون ذلك.
ولكن محاولاتهم الخبيثة والمشبوهة لاتنقطع فقد افتوا بحرمة الاسراج (الإضاءة) عند القبور، ومنعوا الاسراج حتى عند قبر النبي الأكرم (ص) في عام 1346 هجرية، ثم تراجعوا عن ذلك بسبب كثرة البلبلة التي كان يحدثها الزوار والمناوشات التي كانت تحدث بينهم وبين الزائرين من مختلف بقاع العالم الاسلامي.
الا انهم غيروا رأيهم بسبب حدوث ردود فعل إسلامية قوية من مختلف البلدان الإسلامية.
الجريمة كما وصفها الغربيون:
يقول الرحالة السويسري "لويس بورخارت" والذي اعتنق الاسلام وسمى نفسه ابراهيم:"تبدو مقبرة البقيع حقيرة جدا لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها. وقد تكون أقذر واتعس من أية مقبرة موجودة في المدن الشرقية الأخرى التي تضاهي المدينة المنورة في حجمها، فهي تخلو من اي قبر مشيد تشييدا مناسبا، وتنتشر القبور فيها وهي أكوام غير منتظمة من التراب. يحد كل منها عدد من الأحجار الموضوعة فوقها.. ويعزى تخريب المقبرة الى الوهابيين".
ثم يصف هذا الرحالة قبورة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقبر العباس (عليه السلام) وعمات النبي (صلى الله عليه وآله) بالقول (فالموقع بأجمعه عبارة عن أكوام من التراب المبعثر، وحفر عريضة ومزابل!
أما "جبل أحد" فيقول عنه هذا الرحالة بأنه "وجد المسجد الذي شيد حول قبر حمزة (رض) وغيره من شهداء أحد مثل مصعب بن عمير وجعفر بن شماس وعبد الله بن جحش قد هدمه الوهابيون.. وعلى مسافة وجد قبور اثني عشر صحابيا من شهداء أحد وقد خرب الوهابيون قبورهم وعبثوا بها".
وقد وصف الرحالة الغربي "ايلدون رتر" المدينة المنورة بعد الجريمة الثانية التي نفذها الوهابيون عند استيلائهم على المدينة وقتلهم الآلاف من الأبرياء، يقول:"لقد هدمت واختفت عن الأنظار القباب البيضاء التي كانت تدل على قبور آل البيت النبوي.. وأصحاب القبور الأخرى نفس المصير فسحقت وهشمت".
أهم المراقد والمعالم التي هدمها الوهابيون وآل سعود في البقيع :
1- مراقد الأئمة الأربعة: الحسن السبط، وزين العابدين، ومحمد الباقر، وابنه جعفر بن محمد الصادق عليهم الصلاة والسلام، وقبر العباس ابن عبد المطلب عم النبي، وبعد هدم هذه القباب تم ازالة الأضرحة وتسويتها بالارض.
2- قبة أهل البيت عليهم السلام المحتوية على ضريح سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله عليها
3- قبة مرقد سيدنا إبراهيم عليه السلام، ابن النبي الاكرم (ص) وضريحه.
4- قبة مراقد أزواج النبي (ص) وأضرحتهن.
5-قبة مراقد عمات النبي (ص) واضرحتهن.
6- قبة مرقد مرضعة النبي الاكرم (ص) السيدة حليمة السعدية.
7- قبة مرقد إسماعيل ابن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) وضريحه.
8- قبة مرقد الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري وضريحه.
9- قبة مرقد سيدتنا فاطمة بنت أسد أم امير المؤمنين (ع) وضريحها .
10- قبة مرقد سيدنا عبد الله والد النبي (ص) .
11- قبة مرقد سيدنا حمزة بن عبد المطلب عم الرسول الاكرم (ص) خارج المدينة المنورة عند جبل احد .
11- قبة مرقد علي العريضي ابن الامام جعفر بن محمد الصادق خارج المدينة .
12- قبة مرقد زكي الدين وضريحه خارج المدينة.
13- قبة مرقد الصحابي مالك أبي سعد من شهداء أحد داخل المدينة.
14- موضع الثنايا خارج المدينة .
15- مشهد مصرع سيدنا عقيل بن أبي طالب (ع).
16- بيت الأحزان لسيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام.
17- قبر سيدتنا ام البنين عليها السلام .
*المساجد التي هدمها الوهابيون في الثامن من شوال في المدينة المنورة:
مسجد الكوثر، ومسجد الجن، ومسجد أبي قبيس، ومسجد جبل النور، ومسجد الكبش... إلى ما شاء الله من المآثر والمقامات وسائر الدور والمزارات المحترمة التي هدمت ولم يكتف الوهابيون بكل ذلك اذ قاموا وبامر من الحاكم من آل سعود آنذلك، بعملية مماثلة في مكة المكرمة، فقاموا بهدم قبة مرقد جد الرسول الاعظم (ص) سيدنا عبد المطلب، وقبة مرقد أبي طالب والد الامام علي بن ابي طالب (ع)، وقبة مرقد سيدتنا خديجة أم المؤمنين (س)، كما قاموا بتخريب المنزل الذي شهد مولد الرسول الاعظم (ص) .
كما قام الوهابيون وبامر من الحاكم بهدم المنزل الذي شهد مولد سيدتنا فاطمة الزهراء (ع).
باتت جريمة هدم قبور أئمة البقيع وصمة عار على جبين الفرقة الوهابية وحلفائها الى ان تقوم الساعة، وعن فعلها الشنيع الذي أقدمت عليه يتساءل كل ذي لب عن الدافع، وقد يسهب البعض في الاجابة بالتفاصيل ويقيم الادلة والبراهين ولكن الامر هيّن بيّن، اذ ان أهل الطهر دائما مستهدفون من أهل الرجس. انتهى /خ.
اضف تعليق