اعتبر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن السعودية تطلق النار على أقدامها بالأزمة التي خلقتها هي وحلفاؤها مع قطر، لافتةً إلى أن قادة إيران سعداء برؤية الأزمة تستمر حتى لو أبدوا ردود فعل متحفظة عليها.
ونقل تقرير نيويورك تايمز عن محللين، بينهم إيرانيون، قولهم إنَّ هذه الانعطافةً التي قامت بها الرياض مألوفةٌ بالنسبة لرجال الدين في طهران، الذين يعني تنافسهم الإقليمي مع السعودية ودولٍ عربية أخرى في بعض الأحيان، أن ما عليهم سوى الانتظار والاستفادة من أخطاء خصومهم مثلما فعلوا مع صدام حسين خلال غزوه للكويت، أو بعبارة أخرى ماعليهم إلا أن ينتظروا فحسب حتى يُطلق السعوديون النار على أقدامهم.
وسبق أن ذكر الكاتب البريطاني ديفيد هيرست أن السعودية وقعت في سوء تقدير حقيقي حين حاولت فرض إرادتها على قطر. ولأنها فعلت ذلك، فإنها أخلّت بنظام إقليمي اعتمدته المملكة ذاتها لمواجهة سيطرة إيران على البلدان المحيطة بالمملكة.
وقال هيرست في مقال بموقع ميدل إيست إي، وأعاد موقع الخليج الجديد نشره، إنه إذا كانت الحرب التي تدعمها إيران في سوريا جلبت تركيا والسعودية معاً، فإن الأزمة مع قطر فعلت العكس تماماً. في الواقع، فإنه يمكنها أن تؤدي إلى بناء أرضية مشتركة بين إيران وتركيا وقوى الإسلام السياسي السني، مهما بدت غرابة ذلك.
ورأى أنه رغم أن القوتين لا ينسجم بعضهما مع بعض بشكل طبيعي، فإن بإمكانهما أن يتحدا في النهاية بفعل السياسات المتهورة وقصيرة النظر للمملكة العربية السعودية، حسب تعبيره.
أزمة في الوقت المناسب تماماً
من جانبها، تقول نيويورك تايمز إنه بالنسبة لقادة طهران، جاءت المواجهة بين الحلفاء الخليجيين المُفترضين في وقتٍ مناسب للغاية؛ فقد بدا العالم العربي السُنّي بأكمله يصطف ضدهم في إيران بعد زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى السعودية في مايو/أيار 2017.
ما شاء الله شمس الواعظين، وهو صحفي إيراني، قال مبتسماً: أرادوا إضعافنا، لكنَّهم الآن يخسرون أنفسهم.
ورغم أن قطر تتشارك مع إيران في واحد من أكبر حقول الغاز بالعالم ولديهما علاقات دبلوماسية معها، فإنها لا تشكل قيمةً استراتيجية كبيرة لإيران، حسب التقرير.
وكل ما اضطرت طهران إلى قوله حول الوضع، جاء في التصريحات المعتدلة للرئيس حسن روحاني لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بأنَّ المجال الجوي، والبحري، والبري لإيران سيبقى دوماً مفتوحاً أمام قطر كدولةٍ شقيقة وجارة.
وانقلب وضع المنطقة لصالح طهران بعد أن كانت تستعد لمواجهة تكتُّلٍ مُوحَّد من دول الخليج الثرية، المُسلَّحة جيداً من الناحية العسكرية، والمستعدة لعزل إيران بتشجيع من الولايات المتحدة، بعد زيارة ترامب، والتي اشترت السعودية خلالها أسلحةً أميركية قيمتها 100 مليار دولار وكوَّنت شراكةً وثيقة مع ترامب ضد طهران.
وبدا الطريق أمام المزيد من الضغوط على إيران -المنافس الطائفي الذي تكرهه السعودية؛ بسبب النسخة التي تتبناها من الإسلام السياسي- مفتوحاً.
لكن، فجأة بدأت الدول الخليجية تتقاتل فيما بينها.
فقد قيل إنَّ تقريراً إخبارياً قطرياً، نفته الدوحة لاحقاً باعتباره مزيفاً، قد نقل عن أمير قطر قوله إنَّه يرغب في تخفيف التوتُّرات مع إيران.
وردَّت السعودية والإمارات بشراسة، وبدأتا حصاراً دبلوماسياً وتجارياً ضد البلد الغني بالغاز، وسلَّمتا قائمةً بـ13 مطلباً -وجاء المطلب الثالث عشر: الموافقة على كل مطالبنا- ومنعتا حتى مواطنيهما من ارتداء قمصان فريق برشلونة الإسباني؛ لأنَّه يحمل اسم راعيه، الخطوط الجوية القطرية.
وكان أحد المطالب يتمثَّل في إغلاق قطر قاعدة عسكرية تركية؛ الأمر الذي يستعدي تركيا، البلد العضو في الناتو وحليف السعودية في سوريا. وقال حميد رضا تاراغي، المُحلِّل المُتشدِّد في إيران، إنَّه بدلاً من إنشاء ناتو عربي، هم يصنعون فقط مزيداً من الأعداء. في نهاية المطاف، تستفيد أميركا فحسب، وتبيع كل تلك الأسلحة لتلك البلدان.
لكن حتى هناك في الولايات المتحدة، تخلق المواجهة في منطقة الخليج بعض اللحظات العصيبة بالنسبة لوزارة الدفاع (البنتاغون)، التي تدير الحملة الجوية السورية من قاعدةٍ رئيسة في قطر.
دور محمد بن سلمان
وتبدو تلك الاستراتيجية أكثر ملائمةً مع صعود محمد بن سلمان، (31 عاماً)، الذي سُمِّي مؤخراً ولياً جديداً للعهد في السعودية، ويحظى بسُمعة قيامه بحركاتٍ متهورة في السياسة الخارجية لا تنجح كما خُطِّط لها، وفقاً لتقرير نيويورك تايمز.
فهو مهندس الحرب السعودية في اليمن المجاور؛ وكان يُفترض لها أن تكون حرباً خاطفةً تنتهي في غضون يومين، لكنَّها الآن تدخل عامها الثالث وقد سبَّبت أزمةً إنسانية مروِّعة، حسب نيويورك تايمز.
وفي الأزمة الأخيرة أيضاً، يُنظَر لولي العهد باعتباره القوة المُحرِّكة وراء جهود عزل قطر.
ومنذ بداية الأزمة، لفتت وسائل إعلام غربية مرموقة للفوائد المُحتملة لإيران من هذا الصراع المستجد؛ فقد قال محللون لـCNN: قطع العلاقات مع قطر قد يخلق فرصاً لإيران.
وقال بروس رايدل، ضابط سابق في المخابرات المركزية الأميركية (CIA) ومستشار لشؤون الشرق الأوسط في 4 إدارات أميركية، إن الأزمة الدبلوماسية تُبرز نقطة ضعف رئيسة بين حلفاء أميركا في الشرق الأوسط عندما يتعلق الأمر بمواجهة إيران.
وأضاف رايدل أن الأزمة السياسية تعكس أن فكرة اتحاد الخليج، إلى حد ما، وراء توافق في الآراء بشأن مواجهة إيران- ليست صحيحة، مضيفاً: الخليج ليس متحداً والعالم الإسلامي ليس متحداً.
وفي أثناء ذلك، احتفت المواقع الإخبارية الإيرانية بالرسوم التي تحصل عليها البلاد من الاستخدام المتزايد لمجالها الجوي من جانب الخطوط الجوية القطرية، وفقاً لما ذكرته نيويورك تايمز.
وتلفت الصحيفة الأميركية إلى أن إيران كانت على مدار السنوات تُفضِّل اللعبة الطويلة، فهي عادة تحتجب عن الأنظار وتعمل مع الوكلاء المحليين بدلاً من الذهاب إلى انتصاراتٍ سريعة.
فحينما هدَّدت القوات المدعومة من السعودية الأسد على سبيل المثال، دفعت طهران تدريجياً وبهدوءٍ بالمئات أولاً ثُمَّ الآلاف من القوات إلى الصراع. واعتمدت في ذلك على مصادر عديدة، خصوصاً جنود ميليشيا حزب الله اللبناني الذين أصقلتهم الحرب، والميليشيات الشيعية من العراق، والأفغان المُجنَّدين ضمن القوات المسلحة الإيرانية.
لكن ماذا يمكن أن تقدم إيران لقطر؟
يقول محللون إنَّ قطر لا يمكنها توقُّع أكثر من شحنات الغذاء التي أرسلتها إيران بالفعل، حسب نيويورك تايمز.
وأعلنت إيران بعد الأزمة تدشين خط ملاحي بين بوشهر (جنوب) وقطر، مؤكدة أن الهدف منه هو تنمية الصادرات غير النفطية.
وتنقل نيويورك تايمز عن حسين شيخ الإسلام، أحد مستشاري وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف: تُخدم مصالحنا على أفضل وجه إذا لم تكن هناك حرب، أو صراع، أو مزيد من التوتُّرات في منطقتنا. إنَّنا نحاول التصرُّف بعقلانية؛ لأنَّ الخصوم في المنطقة يافعون وغير ناضجين ولا عقلانيين في نهجهم مع قطر.
وقد يكون لمراقبة الأعداء عن بٌعد فوائدها. الأمر ينطبق على موقف إيران عندما غزا صدام حسين الكويت في عام 1990.
ويعلق حميد رضا تاراغي، المُحلِّل الإيراني المُتشدِّد: يقوم عدونا بخطوةٍ ويضعف نفسه. انتهى /خ.
اضف تعليق