مع توقيع صفقة بيع 24 مقاتلة فرنسية من نوع رافال لقطر الاثنين بحضور الرئيس فرانسوا هولاند، تتأكد نجاعة الاستراتيجية الدبلوماسية-التجارية الفرنسية التي استفادت أيضا من امتعاض دول الخليج العربية من السياسة الأمريكية بإدارة باراك أوباما.
وخلال أسابيع عدة تمكنت شركة "داسو" لصناعة الطائرات من إنهاء عشر سنوات من الفشل في تسويق هذه الطائرة المتطورة ووقعت ثلاث صفقات مهمة مع الخارج: 24 طائرة لمصر في شباط/فبراير، و36 أخرى للهند بعد شهرين، و24 طائرة لقطر، أي ما مجموعه 84 طائرة.
وقال الرئيس الفرنسي "إنه نجاح" ليس لشركة داسو وحدها "بل أيضا للسلطات الحكومية والدبلوماسية الفرنسية" كما أنها "بشرى سارة" للاقتصاد الفرنسي.
وكانت شركة "داسو" عجزت طوال السنوات العشر الماضية عن بيع أي طائرة رافال للخارج، وبقي سلاح الجو الفرنسي زبونها الأول والوحيد.
وتابع هولاند "حامت الشكوك طويلا حول هذه الطائرة، وربما كانت هناك رغبة بالتسرع"، في انتقاد ضمني لسلفه نيكولا ساركوزي الذي حاول جاهدا تسويق هذه الطائرة الفرنسية من دون جدوى. بحسب فرانس بريس.
وكانت البرازيل آخر من تردد في شراء رافال عام 2013، خصوصا أنها تعتبر أغلى ثمنا من منافساتها في سوق السلاح.
العوامل التي ساهمت في تسويق رافال
يرى المحلل برونو ترتري الخبير في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية الفرنسية إن هناك أربعة عوامل ساهمت في إتمام الصفقات الأخيرة.
العامل الأول هو مشاركة هذه الطائرة بعمليات قتالية في مناطق حرب مثل أفغانستان والساحل الأفريقي وليبيا والعراق، حيث حققت "نجاحات مؤكدة".
العامل الثاني هو التنسيق الممتاز بين الحكومة والشركة المصنعة "والعمل بعيدا عن الأضواء وتجنب الإعلانات المتسرعة".
العامل الثالث، ودائما بحسب ترتري، يتمثل في كون "النجاح يجر النجاح، ومع موافقة مصر كرت السبحة".
أما العامل الرابع والأخير فهو "مرتبط بشكل خاص بدول الخليج العربية التي تعتبر أن هولاند كان ثابتا في مواقفه، وهي تقدر كثيرا موقفه الحازم صيف 2013 عندما كان مصمما على تأديب" الرئيس السوري بشار الأسد على استخدامه الأسلحة الكيميائية، لولا تراجع الإدارة الأمريكية ممثلة بالرئيس باراك أوباما، مع أن الأخير كان كرر مرارا أن استخدام الأسلحة الكيميائية "خط أحمر".
ويضيف هذا المحلل أيضا "أن دول الخليج وخصوصا العربية السعودية لم تهضم التخلي السريع للإدارة الأمريكية عن الرئيس المصري حسني مبارك في شباط/فبراير 2011 وشكل هذا الأمر صدمة لها".
من جهته يقول فرانسوا هيسبورغ رئيس المؤسسة الدولية للدراسات الإستراتيجية في لندن أنه "تبين لدول الخليج أن فرنسا كانت متشددة في مفاوضاتها مع إيران" حول الملف النووي لطهران "في حين كان الأمريكيون أكثر ليونة".
قال وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان في مقابلة نشرت الأحد في صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" إن فرنسا "في هذه المنطقة من العالم تنتهج إستراتيجية منسجمة ومفهومة".
ويبدو أن فرنسا عرضت نفسها لانتقادات من منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان لدى توقيعها هذه الصفقات. وعندما وقعت فرنسا صفقة رافال مع مصر حذرت منظمة العفو الدولية من نقل تكنولوجيا إلى "نظام يمارس قمعا لا مثيل له منذ ثلاثين عاما".
كما لا يمكن تجاهل التأثير الاقتصادي لصفقات رافال هذه حيث تعاني فرنسا من نمو متكاسل. وقال وزير الدفاع الفرنسي في هذا الإطار إن صادرات السلاح الفرنسي في ارتفاع مضطرد خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث كانت بقيمة 4،8 مليارات يورو عام 2012 لتصبح 6،9 مليارات عام 2013 و8،1 مليارات عام 2014، وهي وصلت قبل منتصف العام الحالي 2015 إلى "أكثر من 15 مليار يورو".
لودريان في الإمارات للتسويق للرافال
قام وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان بزيارة استغرقت 24 ساعة للإمارات العربية المتحدة التي قد تكون مهتمة بشراء مقاتلات رافال، بحسب ما ذكرت مصادر.
ووصل الوزير الفرنسي السبت إلى أبوظبي والتقى الأحد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وتوجه مساء الأحد إلى قطر.
ونقلت وكالة أنباء الامارات الرسمية ان الجانبين "بحثا العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح الاستراتيجية للبلدين والشعبين الصديقين".
وأضافت الوكالة أنه "تم خلال اللقاء استعراض التعاون المشترك في المجالات العسكرية والدفاعية ومستوى التنسيق بين الجانبين في جوانب العمليات والتدريب وتبادل الخبرات وذلك في إطار حرص قيادتي البلدين للارتقاء بعلاقات الصداقة والتعاون إلى آفاق أوسع وأرحب".
والإمارات من الدول التي أبدت اهتماما بشراء مقاتلة رافال. وفي 16 نيسان/أبريل أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن "هناك مباحثات جارية مع هذا البلد وتمضي في الاتجاه الصحيح".
هولاند في قطر
في سياق متصل وصل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الاثنين إلى العاصمة القطرية الدوحة لحضور حفل توقيع عقد بيع 24 مقاتلة فرنسية من نوع رافال لقطر لتتأكد نجاعة الإستراتيجية الدبلوماسية-التجارية الفرنسية التي استفادت أيضا من امتعاض دول الخليج العربية من السياسة الأمريكية بإدارة باراك أوباما.
وبعد زيارة لبضع ساعات سيلتقي خلالها بصورة خاصة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يغادر الرئيس الفرنسي إلى السعودية حيث سيحل ضيف شرف الثلاثاء على قمة مجلس التعاون الخليجي.
وفي قطر سيحضر الرئيس الفرنسي برفقة وزيري الدفاع جان ايف لودريان والخارجية لوران فابيوس حفل التوقيع الرسمي لعقدين يتعلقان بصفقة مقاتلات رافال.
والعقد الأول سيتم توقيعه مع داسو للطيران التي تصنع المقاتلة، وشركة ام بي دي إيه الأوروبية التي تزودها بالسلاح، لبيع 24 طائرة، 18 منها بمقعد واحد وست بمقعدين في صفقة قيمتها 6,3 مليار يورو.
أما العقد الثاني، فهو سري بين دولتين، ينص على تدريب 36 طيارا ومئة ميكانيكي كما سيتناول مسائل أخرى مثل تدريب ضباط مخابرات.
وطائرة رافال "المتعددة الوظائف" تقوم أيضا بمهام استطلاع وهي مجهزة بوسائل مراقبة متطورة.
دليل على الثقة بفرنسا
من ناحيته أعرب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الاثنين خلال زيارته الدوحة - قبل الرياض - عن شرفه بحضور القمة الاستثنائية لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي ستعقد الثلاثاء في السعودية.
وقد وصل هولاند في الصباح للعاصمة القطرية حيث أجرى محادثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ثم وقع الرجلان صفقة لبيع 24 طائرة مقاتلة "رافال" قيمتها 6.3 مليار يورو (7.02 مليار دولار).
وفي تصريح صحفي، تطرق الرئيس الفرنسي للقضايا الراهنة بمنطقة الشرق الأوسط، قائلا: "في سوريا، نسعى للتوصل لحل انتقالي يستثني [الرئيس] بشار الأسد ويضم كل مكونات المعارضة السورية، كما أنه يضم بعض مكونات النظام".
وأضاف: "في العراق، نسعى للمشاركة بالتحالف من أجل ضرب الإرهابيين"، مشددا على أن فرنسا تسعى أيضا للمساهمة بحل الملف النووي الإيراني. وقال في ختام تصريحه: "لكل هذه الأمور، إن دعوتي لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي شرف، وفي الوقت ذاته دليل على الثقة بفرنسا ومصداقيتها".
وبحسب الإعلام الفرنسي، فإن العقد الموقع مع قطر يتضمن أيضا صواريخ "إم.بي.دي.إيه." وتدريب 36 طيارا قطريا و100 فني على أيدي خبراء من الجيش الفرنسي.
اضف تعليق