أثبتت التجارب في الحرب الواسعة ضد “داعش”، أن التنظيم الارهابي يتحرك بناء لأجندة معينة، أو لمناورة محددة، تبعاً لظروف ومعطيات ميدانية واستراتيجية خاصة، وحيث حتى الآن لم تجد القوى المعنية طريقا فعالاً للقضاء عليه، رغم تسخير الجهود الضخمة لذلك، بشكل إفرادي أو من ضمن تحالفات واسعة، دولية واقليمية، تبقى مناوراته وعملياته في الميدان السوري، خاصة في الفترة الاخيرة، الأكثر تعبيراً عن صحة عبارة “تحريكه”، وذلك تبعا للمعطيات التي يذكرها الجنرال شارل أبي نادر لموقع العهد الإخباري وهي كما يلي :

من المتابعة الميدانية للمواجهات التي تحصل حاليا في سوريا، بين “داعش” من جهة، وكافة الأطراف الأخرى من جهة ثانية، والتي تُعتبر أو “تَعتَبِر نفسها” تقاتل التنظيم الارهابي المذكور، يمكن تحديد التالي:

1 – بمواجهة المجموعات المسلحة الأخرى، ينتشر “داعش” في بقعة وادي اليرموك جنوب غرب سوريا، وهو في مواجهة شبه متكافئة مع تلك المجموعات، ويبدو أنه بدأ يتحرك في بعض مناطق ادلب، عبر عمليات تصفية وخطف لعناصر مناوئة له من جبهة “النصرة” ومن “أحرار الشام”.

2 – بمواجهة الجيش السوري وحلفائه، تجري العمليات في ثلاثة مناطق:

المنطقة الأولى، عبارة عن بقعة محاصرة في البادية بين خط تدمر- دير الزور شمالا، وخط البوكمال – الميادين شرقا، ومحطتي تي 2 وتي 3 جنوبا، وهي واسعة نسبيا لكنها عديمة الفعالية في التأثير على الجيش العربي السوري وحلفائه، والسبب فقدانها لعناصر التنظيم الأشداء الذين انسحبوا من العراق أو من الرقة أو من خط الميادين – البوكمال، لأنهم فُصلوا عن خط شرق الفرات عند المواجهة الكبرى، وحيث أن القضاء عليهم في تلك البقعة شبه محسوم، ربما ارتأى الجيش تجاوزها واعطاء الأفضلية حاليا لمواجهة القسم الثاني من تواجد داعش والمحدد بالمنطقة الثانية والثالثة.

المنطقة الثانية، ظهرت مؤخرا في ريف السويداء الشمالي الشرقي ، بعد تحضير الجيش العربي السوري لمعركة تحرير الجنوب السوري المرتقبة ، ويبدو ان هدفها تشتيت جهود الجيش قبل تلك المعركة .

المنطقة الثالثة، تمتد على تخوم الفرات شرقا بين البوكمال والشعفة وهجين، وهي ضيقة المساحة لكنها الأكثر نشاطا وفعالية وتأثيرا في هذه المواجهة، والسبب، أنها تجمع أكثرعناصر التنظيم شراسة، والذين خاضوا أعنف المعارك في الرقة والعراق والبوكمال والميادين ودير الزور.

مؤخراً، أخذت المواجهة مع التنظيم في البقعة الثالثة المذكورة بُعداً لافتاً بعنفه وبشراسته، وانطلاقا من نقاط ارتكازه المحمية شرقاً حيث لا تستهدفها قاذفات التحالف، ومستفيداً من معطيات استعلامية دقيقة من الرصد والمراقبة الجوية، نفّذ عمليات انتحارية مركزة على مواقع وكمائن ودوريات للجيش العربي السوري المتحركة على كامل الخط بين دير الزور والبوكمال تقريبا.

3 – بمواجهة التحالف بقيادة الاميركيين مع قوات سوريا الديمقراطية، ينتشر التنظيم في بقعتين تخضعان لسلطة التحالف المذكور :

البقعة الاولى محددة شرقا بالحدود مع العراق بين شمال البوكمال 40 كلم حتى معبر تل صفوك الحدودي جنوب غرب سنجار، وغربا بين الصِوَر شرق دير الزور حتى جنوب الشدادي 10 كلم.

البقعة الثانية من انتشار التنظيم بمواجهة التحالف هي نفسها البقعة المشتركة مع الجيش العربي السوري، والمحددة على مجرى الفرات شرقا بين البوكمال والشعفة وهجين، وجميع المعطيات الميدانية تؤكد ان “داعش” يقاتل في تلك المنطقة بتركيز كامل باتجاه الغرب، أي بمواجهة الجيش السوري وحلفائه.

يمكن اعتبار ـن ظهر التنظيم محمي في البقع المذكورة، إذ انه ما زال يحظى بحماية غير مباشرة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، حيث لا يستهدف طيران التحالف تحركاته وتجمعاته في تلك المنطقة، والتي هي بالمبدأ بقعة عمليات جوية وبرية خاصة بالتحالف.

من ناحية أخرى، تعتبر قاعدة التنف، الموجودة داخل الأراضي السورية وتحتلها الوحدات الاميركية، والتي هي حدودية مع العراق ومع الاردن، منطلقاً لتجميع وتحضير ونقل المجموعات الارهابية التي تظهر فجأة في الميدان السوري، كما حدث مؤخرا في ريف السويداء الشمالي الشرقي، وكما كان يحدث في البادية سابقا، في القريتين وعلى طريق السخنة وفي حميمة ومحطات التكرير تي 2 وتي 3 ، و حيث توجد الامكانية والقدرة لنقل هذه المجموعات جوا بطريقة مخفية ومموهة، تبعا لقدرات الطيران الاميركي المعروفة في هذا المجال، يبقى للاميركيين قدرة تأثير واسعة وغير محدودة في هذه العمليات.

بالاضافة لذلك، تلعب قاعدة التنف دوراً رئيساً في تحضير العمليات الارهابية لـ”داعش” في أكثر من اتجاه، وحيث تعتمد مناورة الاميركيين بالأساس على المروحيات المتطورة في ادارة مناورة تحريك وتوجيه “داعش” في الشرق السوري كما ذكر اعلاه، لعب موقع قاعدة التنف الجغرافي كنقطة وسيطة بين ضفاف الفرات جنوب دير الزور، وشمال شرق السويداء، ووسط البادية على امتداد طريق السخنة – دير الزور، دوراً حاسما في عمليات الانزال المروحي لنقل العناصر والعتاد لـ”داعش” باتجاه القطاعات المذكورة، وفي عمليات اخلاء وسحب قادة و كوادر “داعش” المرتبطين بالمخابرات الاميركية من المناطق الملتهبة، أو من المناطق التي كان الجيش العربي السوري على الطريق للاطباق عليها وتحريرها.

وهكذا، بين استفادة التنظيم من قاعدة ارتكاز رئيسة لعملياته على تخوم نهر الفرات الشرقية، محمية ومحصنة وبعيدة عن أي استهداف من قاذفات التحالف، وبين حصوله على معطيات استخبارية واستعلامية دقيقة من مصادر رصد جوي فعالة، وبين ما تقدمه له المروحيات الاميركية في قاعدة التنف من خدمات نقل واخلاء ومساندة، يتحرك “داعش” في الشرق السوري بسهولة، وتبقى مناورة التحالف كما كانت دائما، استغلال التنظيم أولا لتبرير احتلالها للاراضي السورية، وثانياً لاعاقة وتأخير تمدد الجيش العربي السوري في طريق تحريره كامل الجغرافيا. انتهى/خ.

المصدر: عربي اليوم

الاراء الواردة اعلاه لا تعبر بالضرورة عن سياسة وكالة النبأ للأخبار

اضف تعليق