نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا تحليليا للكاتب المعروف روبرت فيسك، حول المعركة الحالية في جنوب سوريا، قائلا إنها لحظة ستسطر في كتب التاريخ، متسائلا عن تخلي الولايات المتحدة عن مطلب إسقاط بشار الأسد شرطا للمصالحة في سوريا.
ويقول الكاتب في مقاله، إن "الموقف الأمريكي واضح على ما يبدو، فعندما تعلن واشنطن (تفهمها) للأوضاع الصعبة التي تواجهها المليشيات المتعاونة معها على الساحة السورية، وتطالب النظام السوري والروس بعدم خرق وقف إطلاق النار الساري، فإنه يتضح أن واشنطن تسحب البساط من تحت أقدام حلفاء آخرين".
ويشير فيسك إلى أن "الشروط المتضمنة في وقف إطلاق النار الساري في سوريا هي فكرة روسية في الأساس، وعليه فإن واشنطن توجه رسالة واضحة لحلفائها في جنوب سوريا ومعارضي الأسد بشكل عام بأنهم لن يتلقوا دعما منها أو من الغرب في هذا الصراع".
ويلفت الكاتب إلى أن "مقاتلي حزب الله والحرس الثوري الإيراني لم يظهروا في القتال على الساحة الجنوبية، وهو ما يبدو تفاهما بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، حول طبيعة العمليات هناك، التي يجب أن تكون روسية سورية فقط".
ويقول فيسك إن "الرسالة التي وصلت إلى إسرائيل تفيد بأن العمليات في درعا هي عمليات داخلية فقط، ولن تمتد إلى هضبة الجولان أو أراضيها؛ في محاولة لطمأنة الإسرائيليين، كما أن القوى الغربية تبدو في تراجع بعد التخلي عن حلفائها في جنوب وشمال سوريا، وهو ما يعني أن الروس حققوا النصر في سوريا، وكذلك الحال بالنسبة لبشار الأسد، في الوقت الذي تنتظر فيه المليشيات المتبقية في شمال سوريا وجنوبها مصيرها المؤلم".
ويعتقد الكاتب أن "الموقف الأمريكي هو نقطة تحول في الحرب السورية، وخيانة مشينة بالنسبة لمن ينتمي لما تبقى من حطام (الجيش السوري الحر) والمساعدين له حول مدينة درعا، وسيكون نصرا جديدا للنظام في محاولته للسيطرة على سوريا كلها، التي تديرها الجماعات المسلحة".
ويجد فيسك أن "الكلمات التي أرسلها الأمريكيون في رسالتهم للمقاتلين، واطلعت عليها وكالة أنباء (رويترز)، ولم ينفها الأمريكيون حتى الآن، قاتمة ويائسة: (عليكم ألا تقيموا قراراتكم على فرضية أو توقع تدخل عسكري نقوم به.. فنحن في الولايات المتحدة نتفهم الظروف الصعبة التي تمرون بها، وننصح الروس والنظام السوري بعدم القيام بأي تحركات عسكرية تنتهك منطقة خفض التوتر)".
ويعلق الكاتب قائلا إنه "عندما تتفهم واشنطن الظروف الصعبة التي تواجهها الجماعات المسلحة التي تدعمها، وتقول إنها تقدم النصح للسوريين والروس بعدم انتهاك وقف إطلاق النار، الذي كان فكرة موسكو في المقام الأول، فإن هذا يعني أن الولايات المتحدة تقوم بسحب البساط من تحت أقدام مجموعة جديدة من الحلفاء".
ويقول فيسك إن "غرفة العمليات العسكرية في عمان تلخص طموحات العملية، فمن المفترض أن تقدم هذه الغرفة الدعم المالي لجماعات المعارضة المسلحة، التي لا تزال تقاتل الى الحدود الشمالية للأردن، لكن لا يوجد دعم على ما يبدو".
وينوه الكاتب إلى أن "الإسرائيليين هاجموا مواقع إيرانية وسورية، لكن ليس تنظيم الدولة، وعلى ما يبدو فإن الأمريكيين تخلوا عن فكرة الإطاحة بنظام الأسد، ونصحوا الإسرائيليين بالعودة لحالة الوضع القائم التي كانت موجودة قبل الثورة عام 2011، حيث فصلت بين القوات السورية والإسرائيلية منطقة عازلة تحت إشراف الأمم المتحدة، وهذا خيار أفضل من مواجهة مع إيران أو الجيش السوري".
ويورد فيسك نقلا عن مقاتل سابق في دمشق، قوله إن غرفة العمليات في عمان حاولت السيطرة على نشاطات المقاتلين، خاصة الجيش السوري الحر، ورفضت تقديم المساعدة قبل سنوات عندما أرادت المعارضة قنابل هاون ومدفعية لقصف القصر الجمهوري في العاصمة، مشيرا إلى أن ضابطا بريطانيا وآخر سعوديا عرضا تقديم إمدادات بأسلحة خفيفة، بحسب المقاتل السابق.
ويذهب الكاتب إلى أن "الأكراد في شمال سوريا تعلموا الدرس، فقد تمت خيانة الأكراد مرتين، أولا عندما تخلى عنهم هنري كيسنجر وأقام سلاما بين صدام حسين وشاه إيران عام 1975، وأوقف 16 مليون دولار معونات عسكرية للهجوم على نظام صدام، وفي عام 1991 عندما قيل لهم إن عليهم الثورة ضد صدام".
ويفيد فيسك بأن "سوريا تخشى من إنشاء إسرائيل منطقة عازلة تحت منطقة الجولان، مثل التي أنشاتها في المنطقة المحتلة في جنوب لبنان تحت قيادة جيش لبنان الجنوبي، الذي تراجع وانسحب مع الإسرائيليين عام 2000".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "القوى الغربية في سوريا هي التي تعاني من حالة تراجع، ولو بدت وكأنها تتخلى عن حلفائها فإن الروس والنظام سيخرجون منتصرين، وسيحصل المصير ذاته لبقية الجماعات المقاتلة في الشمال، وبالتأكيد الجنوب، ومن هنا فإن التعليمات الأمريكية لحلفائها خارج درعا هي (استسلموا)، ويمكن أن تقدم على أنها انتصار صغير، حيث ستدعي واشنطن أنها أبعدت الإيرانيين عن إسرائيل، وهذا يعني أن أمريكا والناتو تخلوا عن فكرة الإطاحة بالأسد". انتهى/خ.
اضف تعليق