انتقد الكاتب العالمي "جيت هير"، في مقال ناري بالموقع الإلكتروني لصحيفة "ذا نيو ريببابلك" الأمريكية، احتضار السياسة الخارجية السعودية، في إشارة منه إلى السياسة العبثية التي يقودها محمد بن سلمان عالميًا الآن، بعد ادّعائه بأنه يحمل لواء الإصلاح السياسي، وهي كذبة كبيرة يحاول الترويج لها.
ولفت هير إلى المقال الذي كتبه الكاتب العالمي توماس فريدمان، في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في الثاني من نوفمبر الماضي، حول تصديقه لرغبة المملكة وقياداتها في الإصلاح. مشيرا إلى أن فريدمان "إما مخدوع، أو لا يرى حقيقة الرياض بالكامل"، مطالبا إياه بالتراجع عما كُتب من صورة تضلل الجمهور العالمي
ولفت هير، في مقاله، إلى أن فريدمان أشاد ببرنامج الإصلاح السعودي، الذي وصفه بـ"الأمل الكبير في الشرق الأوسط"، وكتب فيه عن مقابلته مع قادة السعودية بلغة ركيكة ودارجة "كان يجب أن تنشر في منتدى بنتهاوس وليس في صفحة رأي نيويورك تايمز"، على حد وصف هير.
ونقل "هير" عن "فريدمان" قوله: "لقد مضى وقت طويل، منذ أن قام أي زعيم عربي بزيارتي بسيل من الأفكار الجديدة حول تحويل بلاده".
وعلق: "تلقى عمود فريدمان توبيخًا مدمرًا من مجموعة كبيرة من خبراء السياسة في منطقة الشرق الأوسط، بقيادة شيلا كارابيكو من جامعة ريتشموند، حيث أشاروا جميعا إلى أن محاولة السعودية الاستبدادية لفرض تغيير اجتماعي لا يمكن أن تقارن أبدا بالربيع العربي، الذي كان حركة جماهيرية حقيقية للبحث عن الديمقراطية، بينما برنامج الإصلاح السعودي ما هو إلا ترويج لمجموعة من السياسات الخارجية العدوانية للرياض مع جيرانها في المنطقة، ومحاولة لتزييف الواقع الذي يعيشه الشعب السعودي.
وكتب الباحثون في شئون منطقة الشرق الأوسط، تكذيبا لما نشره فريدمان عن الإصلاح السعودي: "القوة المتنامية التي يتمتع بها قادة الرياض تصاحبها زيادة في معدلات الاعتقال والسجن دون محاكمات أصلا أو محاكمات عادلة على الأقل، وأشكال أخرى من القمع العنيف ضد المعارضة"، وأشاروا أيضا إلى أن التدخل العسكري السعودي في اليمن تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في السنوات الأخيرة.
ويختتم الكاتب بقوله: إن روح الإصلاح السياسي الحقيقية لم تصل إلى منطة الشرق الأوسط بعد، رغم كل ما شهدته من أحداث سياسية متعاقبة، وقال: "شهد العقدان الماضيان محاولتين فاشلتين لإحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط، الأولى: غزو أفغانستان والعراق تحت إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، والتي أطاحت بطغيان حقيقي، لكنها استبدلته بفوضى أكبر ما زالت المنطقة تعاني منها حتى الآن، والثورات الشعبية للعرب أو ما يعرف باسم الربيع العربي، وما تبعه من ثورات مضادة أنتجت ردة فعل عنيفة في معظم الدول التي نشبت فيها الاحتجاجات، رغم صدق نواياه في التغيير، ناهيك عن الحرب الأهلية في سوريا".
من جهتها قالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية إن "محمد بن سلمان"، ولي العهد السعودي، يملك سلطة لا مثيل لها، لم يسبقه إليها سوى جده الملك المؤسس للدولة السعودية الحديثة، "عبدالعزيز آل سعود، فهو يسيطر على الاقتصاد والقوات المسلحة والحرس الوطني وأجهزة الاستخبارات.
وأشارت المجلية إلى أن، ولي العهد قوض كل أركان الدولة السعودية واستعدى أمراء "آل سعود" من خلال الاستيلاء على إقطاعاتهم، كما انهارت علاقته برجال الدين الوهابيين بعد حرمانهم من سلطة فرض الأخلاق العامة، وأزعج رجال الأعمال عبر رفع التكاليف وإجبار بعضهم على تسليم جزء من ثرواتهم، ويتخلص الآن من أجزاء من النظام الريعي الذي كان أساسيا لشراء ولاء الشعب.
تزامنا مع ذلك، يتجه ولي العهد بسرعة نحو الإصلاح الاجتماعي، لشل أي حركة متوقعة من خصومة، لكنه يسبب اضطرابات في الحكومة؛ حيث فرض تدابير التقشف ثم أزالها، ويحدث الكثير من الإقالات والتعيينات.
وحسب المجلية فإن الشائعات حول محاولات الانقلاب عليه قد تكون خاطئة، لكنها تعطي الكثير من الإشارات حول الحالة المزاجية في المملكة.
وحذرت المجلة البريطانية، ابن سلمان من تكرار حادثة اغتيال الملك "فيصل" عام 1975، في نزاع عائلي كان في النهاية يتعلق بإدخال التليفزيون إلى المملكة.
ويدفع الصمت الحالي لرجال الدين بعض المسؤولين إلى الاعتقاد بأن خطر الأسوأ قد أصبح من الماضي في حين يشعر آخرون بعدم الارتياح.
ويقول أحد المسؤولين السابقين: "أؤيد هذا التغيير، لكني أخشى من سرعة التغيير، إن المحافظين هادئون الآن، لكن هل يستمر هدوؤهم، أم سيكون رد فعلهم عنيفا؟".
ويقول رجل أعمال سعودي، إن التحرير الاجتماعي "سيؤدي إلى نقاشات وخلافات داخل كل أسرة"، وإن تدابير مكافحة الفساد كانت تعسفية، وإنه على الرغم من الحديث عن تعزيز القطاع الخاص، تبقى المملكة "شركة عائلية".
والآن، يعمل ولي العهد بسلطة الملك، ويسيطر على جميع أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، وأبعد من ذلك، يقدم نفسه كبطل للنساء والشباب ضد النخب القديمة الفاسدة.
لكن في غياب الأحزاب السياسية، أو التشاور الحقيقي، سيكون من الصعب عليه تحويل الشعبية إلى قوة سياسية وسوف تصبح الشعبية متقلبة أيضا.
ويقول أحد وزراء الخليج: "لديه العديد من الأعداء، وإذا رأوا منه ضعفا فسوف ينقضون عليه"، ويعتقد بعض الدبلوماسيين أن الملك "سلمان"، البالغ من العمر 82 عاما الآن، سيتخلى عن منصبه في حياته لضمان تولي ابنه العرش.
سؤال قديم
ومن نواح كثيرة، تتصارع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى مع سؤال قديم، وهو: لماذا سقطت الحضارة العربية في مثل هذه الحالة المريعة؟ ويقدم العرب واحدة من بين إجابتين متناقضتين: "لأننا ضللنا طريق أسلافنا الأبرار الصالحين"، أو "لأننا فشلنا في تبني الحداثة الغربية".
ولعقود من الزمان، احتضن القادة السعوديون الإجابة الأولى، وفرضوا التدين في محاولة لاستعادة الأمجاد الإسلامية القديمة، وقد جعل النفط هذا النموذج يبدو قابلا للتطبيق، حيث مكن السعوديين من الحصول على حياة مرفهة مع الالتزام بالدين والتقوى.
لكن العائدات النفطية لم تعد كافية وحدها، وفكرة أن التدين يستطيع تقديم كل الإجابات قد وصلت إلى طريق مسدود.
وبدلا من ذلك، يبدو أن ولي العهد الشاب يلاحظ إلى أي مدى تخلفت بلاده خلف العالم؛ فالإسرائيليون أكثر ثراء، ويعرفون كيف يقاتلون، ويعيش الإماراتيون بشكل أفضل ويحظون بمتعة أكبر.
ويبدو أن الريال الإيراني الضعيف يشتري أصدقاء أكثر من السعوديين، وأصبح الغرب أبعد مما كان عليه من قبل كحام للمنطقة.
ويسأل رجل الأعمال السعودي: "بم ساهمت السعودية للعالم؟ هل منحته مكة والمدينة؟ إنهما صنع الله ونحن لم نساهم بأي شيء، وإذا ذهب النفط، فلن يتبقى لدينا حتى الماء".
لذلك يسعى "محمد بن سلمان" إلى شكل من أشكال التحديث، وإن كان من نوع غريب معكوس، ويتم توجيه التنويع والتحرير من داخل القصر الملكي، حتى إن الترفيه البسيط يتطلب التخطيط المركزي وإطلاق المشاريع الضخمة.
ويرافق المزيد من الحرية الاجتماعية المزيد من القمع السياسي، ويقول "جمال خاشقجي"، كاتب العمود السعودي الذي يعيش في المنفى في أمريكا: "يقوم بن سلمان بالعديد من الأشياء التي قاتلت كثيرا من أجلها، مثل تمكين النساء، ومحاربة التطرف، وتطهير البلاد من الفساد، وهذه أخبار رائعة. لكن لماذا يخيف الناس؟ لماذا اعتقل الناس؟ إنه نموذج للديكتاتوريين العرب مثل جمال عبدالناصر".
وهكذا يكرر ولي العهد مأساة متكررة في العالم العربي، حيث يتم التحرير بوسائل غير ليبرالية، وبذلك يكون قد استجاب لنصيحة "نيقولا مكيافيلي"، بأنه من الأفضل أن يخاف الناس الأمير عن أن يحبوه.
لكن هناك جزء مهم تم إهماله في القول المأثور، وهو: "على الأمير أن يفرض الخوف بطريقة تجعله يتفادى الكراهية، إذا لم تمكنه من كسب الحب".
اضف تعليق