اعداد خالد الثرواني
فرنسا التي تتحرك في الان ليست البلاد التي تهتم في افريقيا فقط, فانفتاح الملفات الدولية وخصوصا في الشرق الاوسط الملتهب فتح شهية باريس لمد اذرعها ورسم خرائط طريق خاصة بمصالحها في كل بلد مضطرب، من ليبيا وحتى اليمن مرورا بالعراق وسوريا وليس انتهاءا بلبنان.
بدأت التدخلات الفرنسية في العالم العربي بليبيا حيث قرر الرئيس الاسبق نيكولا ساركوزي المشاركة بالاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي بمشاركة حلف الناتو ابان بدء اشتعال ما يسمى بالربيع العربي الذي فتح الباب على مصراعيه لفرض التدخل الدولي في هذه البلدان.
جاء استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي فرصة لباريس التي افل نجمها لتعيد تقديم نفسها كمتزعم للقارة العجوز خاصة بعد ازمة اللاجئين التي غزت المانيا وجعلتها تنكفئ على الداخل والازمات السياسية في ايطاليا التي ابعدتها عن الواجهة الدولية، كما قدم تنظيم داعش فرصة ثمينة للبلد المتعطش للعودة للشرق الاوسط من بوابة العراق وسوريا والهجمات التي شنها في داخل البلاد، في رسمت الحرب على اليمن ملامح الوجود الفرنسي العسكري في الازمات.
اعتراف وزارة الدفاع الفرنسية، بمقتل ثلاث جنود لها في ليبيا، يأتي بمثابة التأكيد على التواجد العسكري الفرنسي في ليبيا، هذا التواجد الذي يمتد إلى دول أخرى عربية وأفريقية، كذلك كشفت وزارة الخارجية السورية عن ارتكاب المقاتلات الفرنسية العاملة ضمن "التحالف الدولي" مجزرة دموية بالقرب من الحدود السورية التركية مستهدفة بالقصف الجوي قرية توخار الكبرى شمال مدينة منبج. بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.
وتتمركز القوات الفرنسية في سوريا والعراق والكويت والأردن وليبيا والإمارات، إلى جانب ما تقوم به فرنسا بتوفير إمدادات السلاح لعدد من الدول بالمنطقة، فضلا عن برامج التدريب والإعداد.
وبدأ تعزيز الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة، منذ الإعلان عن اشتراك فرنسا في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، وكذلك منذ قرار التدخل عسكريا في مالي وفي شمال أفريقيا بذريعة مواجهة تمدد الجماعات المتطرفة، الأمر الذي دفع العناصر الإرهابية، خصوصاً أولئك الذين ينتمون لتنظيم "القاعدة"، إلى توسيع رقعة المواجهة لتشمل الداخل الفرنسي الذي يتعرض لعمليات إرهابية منذ شهور تستهدف مناخ الأمن والاستقرار في هذا البلد الأوروبي.
العراق والدخول من باب داعش
"نحن موجودون في الحرب وسوف نكون موجودين في السلم"، هذا ما صرح به وزير الخارجية الفرنسي بمؤتمر صحافي في بغداد مع وزيرة الدفاع فلورانس بارلي ووزير ونظيره إبراهيم الجعفري في (26 أغسطس، 2017)، ليؤشر الى وجود نية فرنسية للبقاء في العراق وادامة مشاريع اقتصادية ويؤكد على حجز نفوذ لبلاده في العراق.
وبدأ التواجد الفرنسي في العراق زمن الرئيس السابق فرنسوا هولاند حيث قرر في (الاول من اكتوبر 2014) تعزيز الوجود العسكري الفرنسي في البلاد من خلال التعبئة والتنسيق مع شركائها في التحالف الدولي بحسب ما افادت الرئاسة الفرنسية ونقل بيان للاليزيه عن هولاند قوله ان فرنسا ستواصل عملها في العراق بطلب من السلطات العراقية لإضعاف الجماعات المسلحة ولمساعدة القوات العراقية على استعادة الاستقرار والأمن في البلاد.
وبدأ التواجد العسكري الفرنسي بدخول قوات خاصة في مدينة الموصل بزعم العمل على تحديد أماكن تواجد الارهابيين الفرنسيين في صفوف تنظيم داعش وملاحقتهم للقضاء عليهم و"إلزام القوات العراقية بقتلهم".
أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية الثلاثاء أن قوات خاصة فرنسية متواجدة في العراق والموصل تحديدا، تسعى لتحديد أماكن تواجد الجهاديين الفرنسيين في صفوف تنظيم داعش وملاحقتهم للقضاء عليهم و"إلزام القوات العراقية بقتلهم".
لكن الفرنسيين لم يبقو في الموصل لمحاربة داعش كما اعلنوا بل استخدموا الاراضي العراقية للتحرك نحو مساحة التواجد الاخرى في سوريا، اذ الكشفت مصادر عن تحرك قوات فرنسية ضمن التحالف الدولي، من العراق وتوجهها الى سوريا.
وأفادت وكالة الأناضول التركية، نقلاً مصادر محلية في سوريا، بوصول وحدات فرنسية خاصة، في (2018/4/29) إلى قاعدة أميركية في منطقة رميلان بمحافظة الحسكة السورية، التي يسيطر عليها مسلحون أكراد.
ونفت المصادر علمها بنية القوات الفرنسية البقاء في القاعدة من عدمه، مشيرة إلى ازدياد حركة دخول وخروج وحدات عسكرية فرنسية من العراق إلى سوريا.
كما بينت إجراء الجنود الفرنسيين، بمركباتهم المدرعة، مع الجنود الأميركيين دوريات في مدن منبج والرقة وبعض مناطق دير الزور، وذلك برفقة مقاتلين أكراد.
ملامح النوايا الفرنسية اتضحت مع الاعلان عن دخول الشركة الفرنسية الأمنية الى العراق مجدداً، بذريعة المساهمة في حفظ الأمن، حيث كشفت وثيقة صادرة عن رئاسة الوزراء عن مباشرة شركة (CS) الفرنسية المتعاقدة مع وزارة الاتصالات، تأهيل سيطرات مداخل العاصمة بغداد بطريقة الاستثمار، كجزء من المشروع الأمني المتكامل لمدينة بغداد ، بحسب التصريحات الرسمية.
وأثير الحديث عن الشركة الفرنسية الأمنية في العراق منذ أكثر من سنة، إذ تزامن مع تولي الشركة الأمريكية الأمنية التي أكيلت لها مهمة تأمين الطريق الرابط بين بغداد عمان.
الخوض في المستنقع السوري
تسعى فرنسا إلى تعزيز دورها كطرف فاعل على الساحة السورية، وهو ما انعكس في اتجاهها إلى زيادة عدد قواتها في شمال سوريا ومشاركتها البارزة في الهجمات العسكرية التي تعرضت لها مواقع عسكرية سورية. ويبدو أن باريس تحاول من خلال ذلك تحقيق أهداف عديدة، يأتي في مقدمتها دعم شعبية الرئيس إيمانويل ماكرون على الساحة الداخلية، والتمهيد لملء الفراغ المحتمل الذي قد ينتج عن الانسحاب الأمريكي من سوريا، فضلاً عن المشاركة في الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية للصراع السوري. وفق موقع المستقبل للدراسات والبحوث.
بدأ التدخل الفرنسي المباشر بالمشاركة في القتال ضد تنظيم "داعش" في كل من العراق وسوريا في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، عبر مقاتلات ومدفعية وبعض القوات الخاصة التي تقدم استشارات للمقاتلين التابعين للميليشيات الكردية.
لكن باريس كانت حريصة على توسيع نطاق هذا الدور، على نحو انعكس في مشاركتها في الضربات الأخيرة الفاشلة التي شنتها مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على المواقع العسكرية السورية، بعد اتهامه باستخدام تلك الأسلحة في الهجوم على دوما.
وتضمنت المشاركة الفرنسية في الضربات، حسب بعض التقديرات، 9 طائرات مطاردة و3 فرقاطات متعددة المهام (من أصل 5 وضعت في خدمة سلاح البحرية)، وفرقاطة مضادة للغواصات، وفرقاطة مضادة للطيران، وسفينة للتزويد بالنفط. وبالإضافة إلى ذلك، أطلقت باريس، للمرة الأولى، 3 صواريخ بحرية عابرة يبلغ مداها ألف كيلو متر وتتسم بدقة عالية، ووصل عدد الصواريخ التي أطلقتها باريس إلى 12 صاروخ من أصل حوالي 100 صاروخ اسقطت اغلبها الدفاعات السورية.
وتوازى ذلك مع إعلان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، في 27 إبريل 2018، عن قيام فرنسا بإرسال جنود إلى سوريا، وذلك بهدف دعم وتعزيز القوات الأمريكية المتمركزة داخلها، في إشارة إلى حرص الطرفين على مواصلة التنسيق السياسي والعسكري للتعامل مع تطورات الأزمة في سوريا.
ويمكن القول إن فرنسا تتجه تدريجيًا إلى توسيع نطاق دورها داخل سوريا خلال المرحلة القادمة، ربما استباقًا للتحولات المحتملة التي قد تشهدها منطقة الشرق الأوسط، مع الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي مع ايران المتورطة ايضا في الملف السوري.
ويوجد أكثر من 70 عنصراً تابعاً للقوات الفرنسية الخاصة في 5 مناطق شمال سوريا، تحت اسم التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، هي تلة مشتى النور جنوب مدينة عين العرب "كوباني" وناحية صرين، وبلدة عين عيسى وقرية خراب العاشق.
التورط في اليمن
رغم دعوة الرئيس الفرنسي الملك السعودي الى رفع الحصار الذي يفرضه التحالف الخليجي على البلد الفقير وذلك خلال اتصال هاتفي جرى بينهما يوم الأحد 24 كانون الأول/ديسمبر 2017، حسب مصدر في الإليزيه. الا ان باريس واصلت دعم السعودية والامارات بالاسلحة والمعدات والاستشارات بل وحتى القوات رغم التحذيرات والتقارير عن جرائم حرب ترتكب.
وتعرضت الحكومة الفرنسية في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون لانتقادات، خاصة من جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان، بسبب دعمها لتحركات المملكة وسماحها بإمكانية استخدام أسلحة باعتها للرياض في العمليات السعودية باليمن.
وقال مسؤولون من الحكومة الفرنسية السابقة ودبلوماسيون إن جان مارك أيرو وزير الخارجية من 2016 إلى 2017 كان قد حذر بالفعل في خطاب رسمي إلى رئيس الوزراء في ذلك الحين من تصعيد محتمل في اليمن ومن عواقب بيع أسلحة للمشاركين في الصراع.
ونددت منظمات حقوقية بينها العفو الدولية الأربعاء بمواصلة تصدير أسلحة فرنسية إلى السعودية ودولة الإمارات المتهمتين بانتهاك القانون الإنساني في اليمن، وذلك بعد نشر التقرير الخاص بمبيعات المعدات العسكرية عام 2017.
ويؤكد التقرير الذي كشفته فرانس برس وقدمته في البرلمان وزيرة الجيوش فلورانس بارلي أن منطقتي الشرق الأوسط والأدنى مثلتا العام الماضي نحو 60% من طلبيات الأسلحة الفرنسية أي 3,9 من أصل 6,9 مليارات يورو.
وتتصدر الكويت القائمة (1,1 مليار يورو) تليها قطر (1,08 مليار يورو)، من ثم الإمارات (701 مليون) والسعودية (626 مليونا).
بالنسبة للسعودية وحدها، سلمت فرنسا معدات عسكرية عام 2017 بأكثر من 1,38 مليار يورو "اكثر بكثير من عام 2015 أو 2016".
وقال ايميريك الوين من منظمة العفو الدولية، في بيان مشترك مع منظمة "اكات" المسيحية غير الحكومية و"مرصد التسلح" إن الرياض أصبحت "الزبون الثاني لفرنسا من حيث التسليم عام 2017 رغم انتهاكات للقانون الإنساني يرتكبها التحالف في النزاع اليمني".
وخلال المحاولة الفاشلة للسعودية والامارات والميليشيات التي تتبعهما لاحتلال مدينة الحديدة الساحلية، فقد نقلت صحيفة لوفيغارو الفرنسية Le Figaro، ان القوات المهاجمة مدعومة من قبل القوات الخاصة الفرنسية.
وذكرت الصحيفة أن فرنسا ستكون مسؤولة أيضا عن نزع الألغام في الموانيء في نهاية المعركة، وهي المساعدة التي رفضت الولايات المتحدة تقديمها.
ورغم الفشل الفرنسي في افريقيا وعدم قدرة باريس على انهاء الارهاب في مالي ونيجيريا مثلا، يبدو ان ماكرون يفكر بادخال بلاده في المزيد من الوحول خصوصا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا الغنية بالنفط وتقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة التي بدأت بتوزيع الادوار على حلفاءها وتحميلهم جزءا من الخسائر، فهل ينجح ماكرون بما فشل به رؤساء الجمهورية الفرنسية الثالثة؟!
اضف تعليق