قال الكاتب ديفيد هيرست في مقال له على موقع "ميدل إيست آي" إن ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان ليس سوى مقامر فاشل – حسب وصفه – وأن خططه العملاقة ليست سوى سراب وأنه غير جاد في مزاعم الإصلاح. وهذه ترجمة كاملة للمقال:
الفقاعات تنفجر واحدة تلو الأخرى، تختفي مشاريع محمد بن سلمان الكبرى في الصحراء، ومعها المزاعم الطموحة التي قدمها لإصلاح عقود من الفساد، وتنويع اقتصاد يعتمد على النفط، وبرز باعتباره رجل دونالد ترامب في الشرق الأوسط.
لنبتعد عن الكلمات الرنانة والضجة، وسنرى أنه لم يبقَ سوى الأمير البالغ من العمر 32 عامًا، والعائلة الغاضبة المصممة على الانتقام من الإهانات التي تعرضوا لها على يديه، والاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على النفط والذي يحاول وقف نزيف هروب رأس المال. هذه ليست وصفة للاستقرار، ناهيك عن الإصلاح.
عنصر الفوضى
وخلال هذا الأسبوع، أُلغيت أكبر خططه الطموحة، وهي إدراج شركة أرامكو السعودية في البورصة وجمع 100 مليار دولار من خلال بيع 5% منها. وأفادت وكالة رويترز بأن لجنة المستشارين الماليين العاملين على الخطة قد جرى حلها، وأنه تم إلغاء الإدراج. ونقل التقرير عن أحد مصادر أربعة قوله إنه حتى خطط الإدراج في البورصة المحلية قد جرى تأجيلها.
نفى وزير الطاقة السعودي ما جاء في التقرير، وزعم أن الحكومة لا تزال ملتزمة بالاكتتاب العام الأولي "وفقًا للظرف والوقت المناسبين"، لكن كلامه لا يخدع أحدًا. واجه الاكتتاب مخاوف بشأن إجراءات قانونية من جانب عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وعدم القدرة على تحصيل مبلغ 2 تريليون دولار مطلوب من قبل ابن سلمان، وفضلاً عن مخاوف من أن المستثمرين الأجانب سيطلبون الشفافية والكشف عن حجم النهب الذي تعرضت له الشركة على يد العائلة المالكة.
وقد تسبب هذا في اتجاه صندوق الثروة السيادية السعودي، صندوق الاستثمارات العامة، إلى البنوك الدولية للحصول على قرض بقيمة 11 مليار دولار. وبات على المصرفيين الغربيين الآن إعادة النظر في عمليات بيع أصغر مثل حصة في سابك، مجموعة المواد الكيميائية، تبلغ قيمتها 70 مليار دولار.
إن عامل الفوضى الذي يلوح بقوة في أي شيء يتدخل فيه ابن سلمان يتضاعف مع هروب رأس المال. فحتى قبل أن يهين الأمير أبناء عمومته من خلال حبسهم في فندق ريتز كارلتون، هربت حوالي 64 مليار دولار من رؤوس الأموال في عام 2017، بزيادة قدرها 55 مليار دولار عن العام السابق، وفقًا لما ذكره معهد التمويل الدولي. وحملة قمع الفساد لن تكون قادرة على وقف النزيف، بل ربما تزيد منه.
تمثل الطاقة والمنتجات ذات الصلة 87% من ميزانية الحكومة، وهو رقم يبين كيف أن إيرادات الحكومة تعتمد على سوق الطاقة الدولي.
المخاطر المحيطة بابن سلمان
ما تزال حملة الاعتقالات والقمع الداخلي في المملكة مستمرة. وأحدث فصولها هو اعتقال واحد من أئمة الحرم المكي، الشيخ الدكتور صالح آل طالب. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إلقاء القبض على إمام وقاض من مكة. لم تتضمن خطبة الجمعة للشيخ أي انتقاد مباشر للعائلة المالكة. بل كانت كلمته غامضة عمدًا. تحدث عن واجب المسلمين في إنكار الشر في الأماكن العامة. لكن اعتقاله يظهر مدى شعور ابن سلمان بالضعف.
مشروع آخر لتصوير ابن سلمان باعتباره مدافعًا عن حقوق المرأة، بعد منحها الحق في القيادة، بات يتلاشى أيضًا. وقد شنت منظمة العفو الدولية هجومًا شاملاً على استمرار احتجاز ثماني نساء وأربعة رجال دون توجيه اتهامات ضدهم. كانت السلطات السعودية قد شنت حملة على المدافعين عن حقوق الإنسان قبل فترة وجيزة من رفع الحظر على قيادة النساء في يونيو (حزيران) الماضي.
وحدثت سابقة قاتمة أخرى عندما حُكم بالإعدام على إسراء الغمغام، وهي أول امرأة تدعو لإلغاء هذه العقوبة، وزوجها موسى الهاشم وثلاثة رجال آخرين. كانت جريمة الغمغام هي الانضمام إلى الاحتجاجات الجماهيرية من أجل حقوق الشيعة وتوثيقها عن طريق تصويرها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد أثار رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قضية الغمغام. وقبل أسبوعين، قامت سفارة كندا في المملكة بالدعوة إلى إطلاق سراح سمر بدوي، الناشطة في حقوق المرأة، مما أثار أزمة دبلوماسية كبرى مع السعودية. قطعت المملكة علاقاتها مع أونتاريو وعملت فورًا على استدعاء جميع طلابها المبتعثين إلى كندا، فكان رد فعل ترودو هو مضاعفة انتقاده.
يعتبر قرار وقف تدريب الأطباء السعوديين في كندا خطوة أخرى ستضر المستشفيات السعودية أكثر بكثير من المستشفيات الكندية، على الرغم من أن برنامج تأشيرات الدخول كان مصدرًا هامًا للإيرادات الأجنبية. وذكرت "لانسيت" أن السعودية أرسلت 1658 من حاملي تأشيرات السفر إلى كندا للتدريب في التخصصات الطبية والجراحية.
لقد ضاعت سنوات من التدريب بشكل مفاجئ، ولا يزال من غير الواضح ما هي الجامعات التي سيتمكنون من الانتقال إليها. تشتهر كندا ببرامج التدريب ذات التأشيرات التي لا تتطلب من الأطباء إعادة تسجيل أنفسهم. هذه ميزة واحدة لكنها كاشفة.
المعضلة الكبرى
وعلى الجانب الآخر، يواجه دونالد ترامب، أحد رعاة ابن سلمان، مشكلة أيضًا. هذا يؤثر على ولي العهد السعودي بطريقتين. فأولاً، أصدقاؤه داخل الإدارة الأمريكية، الذين اعتادوا على الوصول إلى ترامب، ينفضون.
كان ديفيد بيكر، رئيس شركة أمريكان ميديا، وهو صديق مقرب من ترامب وشاهد رئيسي على التحقيق في المدفوعات التي تمت خلال حملة الرئاسة لإسكات امرأتين كانت لهما علاقة مع ترامب، هو الأحدث للتوصل إلى صفقة حصانة مع المدعين العامين.
نشرت أخبار عن الصفقة من قبل Hive، موقع تابع لـ Vanity Fair الذي نقل عن صديق ترامب قوله: "يا إلهي! لقد اعتقدت أن بيكر سيكون آخر من ينقلب". وبذلك، ينضم بيكر إلى مايكل كوهين، المحامي السابق لترامب، بالإضافة إلى مستشار البيت الأبيض دون ماك في تبديل الجوانب وتزويد المدعين الفدراليين بمعلومات تجريم. ولديهم كل دافع للقيام بذلك.
وقد أصدرت شركة بيكر مجلة ظهرت بشكل غامض خلال رحلة محمد بن سلمان الأخيرة إلى الولايات المتحدة: "لقاء مع الملك القادم"، أعلنت عناوينها الرئيسة، "أقرب حليف في الشرق الأوسط يدمر الإرهاب"، "يسيطر على ثروة تجارية تقدر بـ 4 تريليون دولار"، "يشيد مدينة للخيال العلمي بـ640 مليار دولار"، "يعمل على تحسين مستوى حياة شعبه ويأمل في تحقيق السلام".
وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن بيكر اصطحب كاسي جرين – وهو رجل أعمال فرنسي ومستشار ابن سلمان – لمقابلة ترامب وجاريد كوشنر صهره ومبعوثه للشرق الأوسط في المكتب البيضاوي.
لكن المشكلة الأكبر لابن سلمان هي ترامب نفسه. فقد راهن الأمير باكرًا على ترامب في الحملة الرئاسية ودعمه بعقود أسلحة بمبالغ أضعاف المبلغ الذي يحتاجه الآن لحملة الخصخصة.
لا يشكل الأمر مشكلة بالنسبة لأمير يشق طريقه نحو العرش. هذه هي الطريقة التي كانت تتم بها الأعمال دائماً في الخليج. لكن بالنسبة إلى الأمير الذي يبدو أن مشاريعه فاشلة، والذي أرسل العمال الأجانب إلى بلادهم، والذي يتعين عليه الآن أن يتحول إلى التقشف مرة أخرى في الوطن، فإن مشكلات ترامب وفقدان السلطة يشكلان مشكلة كبيرة.
لقد بدأت حقيقة ابن سلمان في الظهور. إنه الشخص الذي يقامر ويخسر. انتهى/خ.
اضف تعليق