نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتب إريك شميت، يقول فيه إن قائدا عسكريا كبيرا في سلاح الطيران الأمريكي في الشرق الأوسط حث التحالف الذي تقوده السعودية على أن يكون أكثر انفتاحا حول التحقيق في الغارة على حافلة مدرسة في شمال اليمن، في وقت سابق من هذا الشهر، ما أدى إلى مقتل 40 طفلا.
ويجد التقرير، الذي ترجمه موقع اخباري خليجي، أن تعليق الفريق جيفري هاريغيان يعكس سخط المسؤولين الأمريكيين المتزايد بخصوص الصراع الذي تحول سريعا إلى مأساة إنسانية.
وينقل الكاتب عن الفريق هاريغيان، قوله في مقابلة هاتفية غطت جوانب عديدة: "هناك مستوى من الإحباط الذي نحتاج لأن نعترف به.. إنهم بحاجة لأن يخرجوا علينا ويقولوا ماذا حصل هناك".
وتشير الصحيفة إلى أن تعليقات هاريغيان هذه جاءت كآخر وأشد انتقاد علني للحملة الجوية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، حيث بدأت تتعالى الانتقادات من عدد من المسؤولين العسكرين الأمريكيين الكبار، ومسؤولي البنتاغون والدبلوماسيين، الذين يسعون للنأي بأمريكا عن الصراع، والذين يواجهون المزيد من الأسئلة حول الدعم الأمريكي للحرب الجوية كلما كانت هناك غارة منحرفة.
ويلفت التقرير إلى أن الأمم المتحدة انتقدت غارة جوية أخرى جنوب مدينة الحديدة يوم الخميس، التي قال مسؤولو الإغاثة إنها قتلت 27 مدنيا، بما في ذلك 22 طفلا، وقالت منسقة العمل الإنساني للأمم المتحدة في اليمن ليزي غراندي: "ما يحدث في اليمن لا يمكن تصديقه".
ويذكر شميت أن الفريق هاريغيان، الذي كان طيارا سابقا لطائرات "أف 22" سيغادر منصبه بصفته قائدا للعمليات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا، بعد عامين من العمل فيه من مقره في قطر، لافتا إلى أنه أدى دورا شخصيا في محاولة إقناع -أو أحيانا الضعط على- المسؤولين السعوديين المشرفين على الحملة الجوية؛ لتطوير إجراءات محددة للاستهداف لتجنب الإصابات المدنية.
وتفيد الصحيفة بأن الفريق رفض أن يخمن أسباب وكيفية ضرب الحافلة، قائلا بأن هناك تحقيقا جاريا في الحادث، وأضاف: "نحن قلقون من سقوط ضحايا مدنيين، وهم على علم بمخاوفنا.. والحل يكمن في اتخاذ الإجراءات المناسبة".
وينوه التقرير إلى أن تعليقات الفريق هاريغيان كانت شبيهة بتلك التي قالها ضابط أمريكي كبير آخر، هو قائد القوات المسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط الفريق مايكل غاريت، وكان قد وجهه وزير الدفاع جيم ماتيس قبل أسبوعين، خلال زيارته للرياض، على أن يحث المسؤولين هناك على القيام بتحقيق مفصل في الغارة الجوية على حافلة المدرسة.
ويورد الكاتب نقلا عن المتحدثة باسم البنتاغون الملازمة القائدة ريبيكا ريباريتش، قولها: "ضغط على السعوديين لتخصيص الإمكانيات والإشراف اللازم لإجراء تحقيق مفصل وكامل وأن تنشر النتائج على الملأ".
وتشير الصحيفة إلى أن الصراع في اليمن بدأ عام 2014، عندما قام الحوثيون المتحالفون مع إيران بالسيطرة على العاصمة صنعاء، ما جعل الحكومة تخرج للمنفى، وفي آذار/ مارس 2015 قامت السعودية، المنافس الرئيسي لإيران في الشرق الأوسط، بتشكيل تحالف من الدول العربية، وشنت تدخلا عسكريا في اليمن؛ بهدف إعادة الحكومة، وقد فشلت في تحقيق ذلك إلى الآن.
ويلفت التقرير إلى أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين المحبطين وجدوا في الغارات التي قتلت المدنيين في الأسواق والأعراس وبيوت العزاء صعوبة في التوضيح بأن علاقتهم بالحرب بعيدة، فمنذ عام 2015 وفرت أمريكا للحملة الجوية في اليمن تزويدا بالوقود في الجو، بالإضافة إلى تقديم المعلومات الاستخباراتية والاستشارات العسكرية.
وينقل شميت عن المستشارين الأمريكيين، قولهم إنهم لا يقدمون موافقة مباشرة أو غير مباشرة على اختيار الأهداف أو القيام بالغارات، لكنهم يقدمون الاستشارات بشأن إجراءات الاستهداف، ويقدمون قائمة من البنايات التي يجب ألا يتم ضربها، مثل المساجد والأسواق.
وبحسب الصحيفة، فإن رئيس قيادة البنتاغون المركزية الجنرال جوزيف فوتيل، أقر في شهادته أمام الكونغرس في آذار/ مارس، بأن الجيش الأمريكي لا يتابع أين تذهب الطائرات السعودية بعد أن يزودها بالوقود في الجو، ولا الأهداف التي تضربها أو نتائج تلك الضربات.
وينوه التقرير إلى أن هجوم 9 آب/ أغسطس بالذات كان صادما، حتى في حرب كان فيها الأطفال ضحية رئيسية، فيما وصفت الأمم المتحدة المعاناة بأنها أسوأ أزمة إنسانية، حيث انتشر سوء التغذية ووباء الكوليرا، وقتلت الحرب أكثر من 10 آلاف شخص قبل أن تتوقف الأمم المتحدة عن تحديث عدد الضحايا قبل عامين.
ويورد الكاتب نقلا عن المنظمات الإنسانية، قولها إنه لا يمكن لأمريكا أن تنكر دورها في الحرب، خاصة أنها وافقت على بيع ما تقدر قيمته بمليارات الدولارات من الأسلحة للدول المشاركة في التحالف السعودي، مشيرا إلى أن الكونغرس أبدى المزيد من القلق مؤخرا، حيث صدر عنه قانون صادق عليه الرئيس ترامب هذا الشهر، يطلب من وزير الخارجية مايك بامبيو أن يقدم شهادة بأن السعودية وحليفتها الرئيسية الإمارات تتخذان خطوات لمنع وقوع ضحايا مدنيين، ودون هذا الضمان -وما لم يستخدم الأمن القومي "الأمريكي" حجة- فإن القانون يمنع الطائرات الأمريكية من تزويد طائرات التحالف بالوقود.
وتذكر الصحيفة أن بعض أعضاء الكونغرس ذهب بعد الهجوم على الحافلة إلى أبعد من ذلك، بمطالبة البنتاغون بتوضيح الدور الأمريكي في الغارات في اليمن، والتحقيق فيما إذا كان ذلك الدور قد يعرض أفرادا عسكريين أمريكيين للمساءلة القانونية، بما في ذلك بتهم جرائم حرب.
وينقل التقرير عن منظمات حقوق الإنسان، قولها إن هذه الضغوط من الكونغرس ضرورية؛ لأنها لا تثق في قيام التحالف بالتحقيق في أخطائه، لافتا إلى أن "هيومان رايتس ووتش" أصدرت تقريرا الأسبوع الماضي، حللت فيه 17 من الخمس وسبعين حادثة، التي يقول التحالف إنه يحقق فيها، وتوصلت إلى أن تلك التحقيقات لم تحقق المقاييس الدولية، من حيث الشفافية والحياد والاستقلال
ويورد شميت نقلا عن التحالف الذي تقوده السعودية، قوله بأنه يعمل على تجنب وقوع ضحايا مدنيين، ويتهم أعداءه اليمنيين باستخدام المدنيين دروعا بشرية.
وتنقل الصحيفة عن الفريق هاريغيان، الذي سيتوجه إلى أوروبا ليتسلم مهمة أخرى، قوله إن هناك قرارا مهما على الضباط وصناع القرار الأمريكيين أن يتخذوه للمستقبل، وهو ما إذا تزيد واشنطن من مشاركتها في الحملة؛ أملا في منع وقوع ضحايا مدنيين، "هل نتدخل بشكل أكبر، أم نقف في المستوى الذي نحن فيه الآن؟".
وينوه التقرير إلى أن الزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مايكل نايتس، اقترح في مقال نشره على موقع المعهد هذا الشهر بأن تزيد أمريكا من مساعدتها العسكرية للسعودية، في مجالات الدفاع ضد الصواريخ البالستية والهجمات على السفن وحماية حدودها مع اليمن، مقابل إيقاف السعودية غاراتها ضد مواقع مدنية، أو من يشك بأنهم قادة حوثيون.
ويبين الكاتب أنه خلال السنتين التي كان فيهما الفريق هاريغيان قائدا للطيران في الشرق الأوسط، فإنه أشرف على أكثر العمليات الجوية صعوبة، بما في ذلك الإشراف على دعم القوات البرية في إسقاط آخر معقلين لتنظيم داعش، الموصل في العراق والرقة في سوريا، ومواجهة حملة جوية روسية عدوانية في شرق سوريا، دعما لحكومة بشار الأسد.
وتقول الصحيفة إن منظمات حقوق الإنسان انتقدت الحملة الجوية الأمريكية ضد تنظيم داعش؛ لعدم التحقيق في غاراتها الجوية على الموصل وغيرها من الهجمات التي قتلت مدنيين.
ويفيد التقرير بأن الفريق هاريغيان قام بتوجيه الحملة الجوية إلى أفغانستان، عندما خسر تنظيم داعش الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا، حيث كان الجيش يتوقع أن تؤدي الغارات التي استهدفت مختبرات المخدرات لدى حركة طالبان في جنوب أفغانستان إلى التأثير على التمويل الذي يحصل عليه التنظيم من تجارة المخدرات.
ويشير شميت إلى أن حركة طالبان تقوم بإدارة 400 إلى 500 مختبر في أنحاء أفغانستان؛ لإبقاء تجارة الأفيون، التي تعود عليها بـ 200 مليون دولار أمريكي في العام، وهو ما يساوي حوالي 60% من دخل الحركة.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي يعترف فيه الفريق هاريغيان بأن النتائج لم تكن حاسمة، إلا أنه يعتقد أن استهداف المختبرات أثر على فعالية حركة طالبان، وقال إنه ربما تكون هناك حاجة لجهد أوسع لممارسة المزيد من الضغط على حركة طالبان.
اضف تعليق