انتهت الانتخابات الأمريكية النصفية التي بدأت فعاليات التصويت فيها في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، والتي آلت إلى خسارة الحزب الجمهوري، المنتمي إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيطرته على مجلس النواب الأمريكي لصالح الحزب الديمقراطي، الذي انتمى إليه الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما. بينما حافظ الحزب الجمهوري على سيطرته على مجلس الشيوخ الأمريكي للعامين المقبلي.
وتعتبر الانتخابات النصفية وسيلة لمعرفة مستوى رضا الشعب الأمريكي عن أداء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب وحزبه خلال النصف الأول من فترة رئاسته الأولى. انتخاباتٌ من المتوقَّع لها أن تُحدِث العديد من التغييرات، سواء في الداخل الأمريكي، أو على الساحة الدولية، ولكن يبقى السؤال: إلى أي مدى ستتحسَّن الأوضاع في الشرق الأوسط والوطن العربي بنتائجا لانتخابات النصفية الحالية؟ هذا ما يحاول التقرير التالي الإجابة عنه.
بدايةً: لا ترفع سقف من توقعاتك.. ترامب ما زال الرئيس
مع حصول الحزب الديمقراطي على الأغلبية والسيطرة في مجلس النواب الأمريكي، من المتوقَّع أن تسوء الأمور بالنسبة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب وحزبه الجمهوري؛ وذلك بسبب وجود معارضة قوية، وذات سلطة، متمثلة في الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي، والتي يمكنها إيقاف قرارته.
يتكون الكونجرس الأمريكي من مجلسين: مجلس النواب، المسيطر عليه الحزب الديمقراطي، ومجلس الشيوخ، المسيطر عليه الحزب الجمهوري. ولذلك، فإنه لا يجب علينا أن نغفل حقيقة كون مجلس النواب الأمريكي، الذي سيطر عليه الديمقراطيون في انتخابات أمس الأول، ليس مجرد الجهة الفاعلة الوحيدة في السياسة الخارجية الأمريكية؛ فلا تزال السلطة التنفيذية المتمثلة في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه مايك بينس تهيمن على السياسة الخارجية، وتحتفظ بمعظم مراكز القوة في البلاد.
وفي الوقت نفسه، يظل مجلس الشيوخ هو المجلس المتمتِّع بمزيد من السلطة عن مجلس النواب فيما يتعلق بأمور وشؤون السياسة الخارجية، وبالتالي فإن جبهة ترامب رئيسًا، إلى جانب السيطرة الجمهورية على مجلس الشيوخ، تواجه جبهة الحزب الديمقراطي المسيطر على مجلس النواب.
ومن هنا، جاءت النشرة التي رشحها موقع مركز «بروكينجز» للدراسات والأبحاث للحزب الديمقراطي من أجل التعامل والتأثير على السياسة الخارجية في المستقبل القريب، خاصةً القضايا المثيرة للجدل التي يختلف عليها الحزبان: الديمقراطي، والجمهوري.
ويرى محللو "بروكينجز" أنه على الحزب الديمقراطي من أجل مواجهة جبهة ترامب ونائبه ومجلس الشيوخ أن يعرف أن فهمه لكونه شريكًا في السياسة الخارجية سيكون أكثر فعاليةً من العمل وحيدًا. ولذلك فعلى أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين أن يعملوا مع نظرائهم في مجلس الشيوخ، فضلًا عن إشراك الوزراء، وكبار موظفي الخدمة المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية في السياسة الخارجية الأمريكية.
وقد أشار "بروكينجز" إلى أنه في ظل البيئة الحزبية الأمريكية الحالية، سيكون من الصعب للغاية للحزب الديمقراطي العمل وحيدًا في السياسة الخارجية الأمريكية، ومن هنا يمكنه أيضًا التركيز على العمل لسياسة خارجية أكثر تماسكًا في الشرق الأوسط، أكثر من التركيز على إحراز النقاط ضد إدارة ترامب؛ فالهدف الأسمى والذي يستحق النضال من أجله هو تقليل خطر الإرهاب في الشرق الأوسط، والحد من الحروب والتدخلات العسكرية التي لم تنتهِ منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، ووقف إطلاق النار في سوريا، وانسحاب أي قوات أمريكية من هناك، بحسب المركز.
المملكة العربية السعودية.. أي مصير للحليف الأكبر؟
تعتبر المملكة العربية السعودية هي الحليف المسلم الأقرب لواشنطن في الشرق الأوسط؛ إذ تشتري المملكة الأسلحة من الولايات المتحدة بمليارات الدولارات؛ مما قد يساهم في استقرار أسعار النفط العالمية، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها. الجدير بالذكر أن العلاقات المتقاربة بين الرياض وواشنطن، جعلت للأولى دورًا رئيسًا في رؤية الولايات المتحدة للشرق الأوسط، وجعلت من المملكة طرفًا رئيسًا في كواليس صراعات الشرق الأوسط مهما كانت أطراف هذا الصراع، غير أن هذا التقارب تعكَّر بقضية مقتل الصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي.
في أوائل الشهر الماضي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول ومنذ أن بدأت الحقائق في الظهور حول قضية مقتل "خاشقجي"، وظهور تورط مسؤولين سعوديين في مقتله، واجه ترامب ضغوطًا كبيرة من قِبل الحزبين: الديمقراطي، والجمهوري، من أجل اتخاذ إجراءات صارمة ضد الرياض؛ إذ قام 20 عضوًا من مجلس الشيوخ بإرسال خطاب إلى البيت الأبيض من أجل فرض عقوبات على المسؤولين السعوديين المرتبطين بقضية مقتل «خاشقجي»، وذلك بموجب قانون حقوق الإنسان المعروف باسم "قانون ماجنيتسكي".
وبحصول الحزب الديمقراطي على الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي، فإنه من المتوقع أن يقوموا بالتركيز على قضية مقتل "خاشقجي"، وليس هذا وحسب، بل سيتعمقون ويحدون من تعاملات جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره للشرق الأوسط، مع القيادة السعودية ورجال أعمالها. الجدير بالذكر أن «كوشنر» كان أحد أسباب تعميق العلاقات الأمريكية السعودية في إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب وبشكلٍ عام يمكن لمجلس النواب الأمريكي الديمقراطي أن يفعل الكثير من أجل معاقبة الرياض بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وبسبب قضية مقتل الصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، مثل التصويت على منع صفقات بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، أو عرقلة أي جهود سعودية للتوصل إلى إتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية حول الطاقة النووية، وهو ما تجرى مناقشته حاليًا مع واشنطن. اليمن.. هل ستنتهي الحرب؟
الجارة الأقرب جغرافيًا إلى المملكة العربية السعودية، ولكنها الأكثر تضررًا من التدخل السعودي فيها؛ إذ تعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن هي الأسوأ في العالم في الوقت الحالي؛ فلا يمكن اتخاذ الأزمة اليمنية بمنأى عن العلاقات الأمريكية السعودية.
ومن المتوقَّع أن يتدخل الديمقراطيون في الأزمة اليمنية والدور السعودي فيها؛ إذ تحدَّث العديد من المُشرِّعين الديمقراطيين، بمن فيهم السيد إيليوت إنجل، الاسم الأبرز المُرشَّح لتولي لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، عن رغبتهم في كبح جماح العمليات التي تقودها المملكة في اليمن من أجل مهاجمة جماعة الحوثي؛ إذ يعارض الديمقراطيون الحرب السعودية في اليمن، والتي نتج عنها أكبر أزمة إنسانية في الوقت الراهن؛ إذ يواجه أكثر من نصف سكان اليمن المجاعة والأمراض.
ويبقى حل الأزمة اليمنية في أيدي الأغلبية الديمقراطية، بوقف تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، أو الضغط على ترامب من أجل فرض عقوبات على المملكة والإمارات العربية المتحدة، بسبب الانتهاكات التي يقوم بها الطرفان في اليمن، وذلك بالرغم من اعتبارهما من أكبر وأهم الشركاء في الشرق الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية، بحسب ما أفادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
الجدير بالذكر أن حملة القصف الجوي السعودية تسببت في مقتل آلاف المدنيين وتدمير عدد كبير من المنشآت.
إيران.. هل تنتهي العقوبات المفروضة عليها؟
اتخذت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نهجًا حادًا ضد إيران منذ تولي ترامب الحكم في يناير (كانون الثاني) 2017، خاصةً في ظل غضب الحزب الجمهوري على نهج الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، بعد توقيعه للاتفاق النووي مع إيران عام 2015، في الوقت الذي شهد فيه "أوباما" دعمًا كبيرًا من الديمقراطيين بسبب الاتفاق؛ إذ تضمَّن الاتفاق بشكلٍ عام رفع العقوبات من قِبل القوى العالمية على الاقتصاد الإيراني، في مقابل كبح جماح طهران النووي.
ومنذ توليه الحكم، أعاد ترامب فرض العقوبات، واتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير الأمريكية ضد إيران مرة أخرى، مستهدفًا برنامج إيران للصواريخ الباليستية، وهو ما وُصف بالعقوبات الأمريكية الأكثر صرامة ضد طهران على مدار السنوات المختلفة. الجدير بالذكر أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني أغضب الديمقراطيين بشدة، ولكن ليس هناك الكثير يمكن فعله.
ومع سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب الأمريكي، فإن قضية العقوبات الاقتصادية ضد إيران لن تتأثر كثيرًا؛ إذ إن العقوبات أمرٌ متعلقٌ بشكلٍ رئيس بالبيت الأبيض، وبالتالي فإنه من المتوقَّع أن يواصل ترامب الخناق على إيران.
وبالرغم من ذلك، فإنه سيظل بإمكان الديمقراطيين استدعاء مستشاري ترامب للإدلاء بشهاداتهم ومساءلتهم، وطلب شروح وتفسيرات فيما يتعلق بقرارات الإدارة الأمريكية تجاه إيران.
الصراع العربي الإسرائيلي.. ما مصير صفقة القرن؟
من المُرجَّح أن تُسرع الإدارة الأمريكية الحالية من الإعلان عن الجدول الزمني المفروض من أجل ما يُعرف باسم «صفقة القرن» المثيرة للجدل، والمتعلقة بالاستراتيجية الأمريكية لتحقيق عملية السلام كما تراها الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
الجدير بالذكر أنه من المتوقَّع بمجرد الإعلان عن تفاصيل الصفقة أو الاستراتيجية، سيُخلق غضبًا كبيرًا بين أطرافٍ عدة، وفي منطقة الشرق الأوسط ككل.
ومن هنا اعتبر البعض أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى عمان الشهر الماضي جاءت من أجل الوصول إلى حلول وسط مع أطراف عربية مختلفة، خاصةً في ظل تضاعف الدور السعودي في الفترة الأخيرة بسبب انشغالها بقضية مقتل "خاشقجي".
وبوصول الحزب الديمقراطي وسيطرته على مجلس النواب، أشارت بعض التقارير الإعلامية أنه على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يستعد من أجل تقديم بعض التنازلات خلال الفترة المقبلة حول الاستراتيجية الأمريكية لتحقيق عملية السلام في الشرق الأوسط.
وبشكلٍ عامٍ، فإن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لا تختلف كثيرًا، سواء كانت الإدارة الأمريكية من الحزب الديمقراطي، أو الحزب الجمهوري؛ فلم تتأثر بالانتخابات الأمريكية النصفية بأي شكلٍ من الأشكال تقريبًا.
الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، المنتمي إلى الحزب الديمقراطي، حليف قوي لإسرائيل؛ إذ إنه أكثر من المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل خلال فترة وجوده على رأس الإدارة الأمريكية، كما أنه كان مسؤولًا رئيسًا عن إرسال التمويل الذي ساعد إسرائيل على إنشاء الدرع الصاروخي للقبة الحديدية الإسرائيلية. يأتي هذا في الوقت الذي أشارت فيه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن وجود أول امرأتين مسلمتين في الكونجرس الأمريكي لن يُحدث تغييرًا في العلاقات القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
المصدر: ساسة بوست
اعداد: وصال الاسدي
اضف تعليق