انتشرت قبل أيّام في عدّة صحف، أخبار تفيد بتعرض الأمين العام لـحزب الله اللبناني، حسن نصر الله إلى مرض حال دون ظهوره في الفترة الأخيرة، ممّا استدعى ردًّا من جهات إيرانيّة لنفي هذه الأخبار، وهو الأمر الذي سبق وأن انتشر قبل أن يتبعه ظهور نصرالله يفند حقيقة ما يشاع.
لكن بغضّ النظر عن صدق ما أشيع من عدمه، فمن المرجّح أن حزب الله قد أعدّ العدّة لمثل هذه الاحتماليّة، خصوصًا مع الخطر الأمنيّ الإسرائيلي الذي يحيط بأمينه العام على مدار الساعة، إذ هيّأ خليفة ليحلّ محلّ نصر الله الذي وصل إلى هذا المنصب بعد اغتيال سلفه السيد عباس الموسوي عام 1992، فالحزب الذي لا يعتمد آليّة مكشوفة في تعيين أمينه العام، يفضَّل أن يجري اختيار الأمين العام من طرف المجلس الجهادي للحزب، وممّن يمسكون بالملفات المهمة في الحزب. في الأسطر التاليّة، نتعرف إلى أربعة رجال، من المرجّح أن يكون أحدهم الخليفة القادم لحسن نصر الله، الأمين العام لتنظيم حزب الله اللبنانيّ.
1- طلال حمية.. "شبح" حزب الله الأكثر حظًّا في الأمانة العامة
يبلغ طلال حمية من العمر 50 سنة، وينحدِر من منطقة بعلبك الهرمل في الجزء الشرقي من وادي البقاع واحد، وأحد القلائل الذين يتواصلون مباشرة مع الأمين العام للحزب، حسن نصر الله.
ويحمل حمية عدّة أسماء مستعارة منها "طلال حسني" و"عصمت ميزاراني"، وهو واحد من الشخصيات الصلبة والغامضة في حزب الله اللبناني، إذ يوصف بأنّه يتمتع بذكاء شديد، ويوصف كذلك بـ"الشبح" لابتعاده عن الحياة الاجتماعية، والتزامه قواعد أمنية متشدّدة، إذ لا توجد له أيّ أوراق رسمية في لبنان، رغم أنّ حميّة قبل أن يصبح في صفوف حزب الله، عمل طلال حمية الذي يُكنى بـ"أبي جعفر"، موظّفًا إداريًّا في مطار بيروت حتى عام 1982.
وقد برز نشاطه في الحزب منتصف الثمانينات حين تولّى مسؤوليّة تنشئة عناصر من الحزب في برج البراجنة، وسرعان ما أصبحت هذه العناصر التي أنشأها من أبرز القيادات العملياتية للحزب في سوريا، لكن تجربته تلك ناجمة عن تكوينه المتقدّم على يد القيادي عماد مغنية، الذي قُتل في عام 2008 في سيارة مفخخة في دمشق. قُرب حمية من مغنية جعله من أقرب المساعدين له، ويتبع نهجه في العمل العسكري، كذلك عمل حمية مع وزير الدفاع الإيراني السابق أحمد وحيدي، الذي كان حينها قائدًا لـ"فيلق القدس".
ويقود حمية (الوحدة 910) المسؤولة عن العمليات الخارجية السريّة للحزب، خاصة أن مهمّته في التنسيق منحته خبرة كبيرة في هذا المجال، ولذلك تولّى – حسب الاستخبارات الغربية- رئاسة المجلس الجهادي للحزب في العام 2016، وهو يشغل "خلايا نائمة" في جميع أنحاء العالم حسب مصادر إسرائيليّة، خاصة في أمريكا الجنوبية وأوروبا الغربية، وكذلك أنشأ بعضها في دول الخليج وأفريقيا، مرتكزًا على الحاضنة الشعبية الشيعية التي تتعاقد مع المتعاونين والوكلاء لجلب الدعم المالي واللوجستي للحزب، علاوة على دوره في تجنيد متطوعين للعمليات بالخارج، وأبرزها توظيف المتطوّعين وإرسالهم إلى العراق.
وأسوة بالعديد من رجال الحزب، وُضع حمية على قوائم الإرهاب الأمريكية، كما أنه في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وضعت وزارة الخارجية الأمريكية مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار للحصول على معلومات تؤدّي إلى تحديد مكانه، أو اعتقاله، أو إدانته، وجاء في البيان الأمريكي أن حمية "يقود الفرع الإرهابي الدولي لحزب الله، أي منظمة الأمن الخارجي، التي تكوّن خلايا إرهابية في مختلف أنحاء العالم، وهي مسؤولة عن التخطيط لهجمات إرهابية وتنفيذها خارج لبنان. وقد استهدفت تلك الهجمات في المقام الأول إسرائيليين وأمريكيين". بحسب البيان.
ويشتبه في تورط حمية بهجوم الحزب على مركز يهودي في الأرجنتين عام 1994، والذي قتل فيه 85 شخصًا، كما يشتبه أنّه شارك في عملية اختطاف رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) الأمريكية في لبنان وليم بكلي عام 1984، ثم إعدامه في الثالث من يونيو (حزيران) 1985.
ويقول المحلل السياسي المهتم بالتنظيمات السياسة اللبنانية علي حيدر، إن: "الاسم الأكثر ترجيحًا لخلافة حسن نصرالله هو طلال حمية، لكونه أحد الباقين من المجلس الجهادي للحزب، سيأتي حمية إذ ما حصل أمرٌ أزاح نصر الله".
ويتابع حيدر "الأمين العام ينصَّب صوريًّا من المجلس السياسي، ولكن فعليًّا يختاره المجلس الجهادي، والمجلس الجهادي الذي يرأسه الآن نصر الله ومساعده الأقرب هو حمية، بالتالي أعتقد أن هذا الاسم هو الأكثر ترشيحًا لخلافة نصر الله إذ ما حدث له أمر ما، حمية موضوع في الظل إلى حين ولادة الأمانة العامة الجديدة".
2- فؤاد شكر.. رجل "حزب الله" في سوريا
وُلد فؤاد شكر الملقب بـ"الحاج محسن" في العام 1962 لعائلة لبنانية تعيش في قرية النبي شيت (قضاء بعلبك)، وهو من خرّيجي جامعة طهران الذين عملوا مبكرًا على تأسيس حزب الله، حتى أصبح الآن مستشارًا في الشؤون العسكرية لنصر الله.
ويعمل شكر الآن في المجلس الجهادي، أعلى هيئة عسكريّة بالحزب، ومن مركزه في المجلس قاد عملياتٍ عسكرية ضد إسرائيل، أصيب بإحداها في ذراعه اليسرى قبل أكثر من عقد، في إحدى المعارك بالجنوب اللبناني. وتؤكّد مصادر إسرائيلية أن شُكر حلّ مكان القائد العسكري للحزب مصطفى بدر الدين الذي قتل في عام 2016 في ظروف غامضة، وشكّل اغتياله ضربة كبيرة للحزب من الناحية العملية والقيادية، ولذلك أُرسل شكر للإشراف على العمليات في سوريا، لكونه ذا خبرة عسكرية واسعة في ساحة المعركة في سوريا، وهو الآن يؤدّي مهامًا حيوية في العمليات العسكرية لحزب الله هناك، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، ويساعد أيضًا مقاتلي الحزب وقوات الجيش السوري ضد داعش والنصرة.
وتتهم واشنطن شكر بالقيام بدور مركزي في هجوم حزب الله عام 1983 على ثكنات المارينز الأمريكية في بيروت، وقد وُضع اسمه في يوليو (تموز) 2015 على قائمة العقوبات الأمريكية، وكذلك على قوائم الإرهاب في السعودية؛ بسبب "تورّطه في نشر الفوضى وعدم الاستقرار وشن هجمات إرهابية" حسب البلدين، كما وضعت في أكتوبر 2017 وزارة الخارجية الأمريكية مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار للحصول على معلومات عن فؤاد شكر، سواء الإدلاء بمكانه أو معلومات تؤدي إلى اعتقاله أو إدانته.
وعن احتمالية وصول شكر لمنصب الأمين العام بعد نصر الله، يقول المحلل السياسي علي حيدر: "رغم وجود شكر بالمجلس الجهادي، لكن أعتقد أن أسهمه ليست مرتفعة بشكل كبير، ولكن لا أستبعد ترشحه، وإن كان حمية هو الأكثر حظًّا في الترشيح".
وتجدر الإشارة إلى أن شكر كان من المرشحين لرئاسة المجلس بعد اغتيال مغنية قبل أن ينزع منه حمية هذه القيادة، ويضيف حيدر: "حزب الله لا يعتمد آلية مكشوفة في تعيين أمين عام، دائمًا يختار الخليفة من المجلس الجهادي للحزب، هذا المجلس الذي يرأسه صوريًّا نصر الله لكن عمليًّا كان يرأسه مغنية".
3- محمد كوثراني.. "جامع الفرقاء الشيعة" في العراق
إبان حكم رئيس النظام الدكتاتوري صدام حسين، كان رهن الاعتقال في المنظومة الأمنية العراقية التي تسمى بـ"الشعبة الخامسة" رجلٌ لبناني يدعى محمد كوثراني، وذلك لمعارضته النظام الصدامي، ثم أطلق سراح الرجل لاحقًا بعفو خاص.
وبعد أن أطيح صدام وعاد كوثراني إلى لبنان، لم ينسَ الرجل الذي أصبح يتمتع بنفوذ قوي في الحزب العراقي، إذ عمل في البداية معاونًا لقائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني في إدارة الملف السياسي في العراق، ثم أخذ يصول ويجول في بغداد مسؤولًا عن ملف العراق في حزب الله، إذ أصبح يتولّى عملية إدارة وتسليح وتدريب الفصائل العراقية ودعمها ماليًّا بطلب إيراني، وقد نجح في جمع زعماء الفصائل العراقية، الذين سارعوا بالاستسلام لتعليمات كوثراني الملقب بـ"جامع الفرقاء الشيعة"، كما يعرف في العراق.
ولعمله في تمويل الجماعات المسلحة في العراق، ساعد في نقل مقاتلين عراقيين إلى سوريا للانضمام إلى صفوف القتال مع الجيش السوري، وسياسيًّا برز دوره في الانتخابات العراقية الأخيرة التي جرت في مايو (أيار) 2018، إذ أخذ يدعم جهود رئيس الوزراء حيدر العبادي، وسعى لحل الخلافات بين "الحشد الشعبي" التي تطوّرت نحو التصفيات الجسدية حتى لقب بـ"عرّاب الحشد الشعبي"، وعمل أيضًا على تفادي تبعيّات الحساسية لدى التيار الصدري من الدور الإيراني المتحيز للطرف الآخر في الحشد، كأن يدعو القيادات الشيعية لدعم فالح الفياض، الذي يرفضه زعيم التيار الصدري، مقابل دعم مقتدى الصدر لمنصب وزير الداخلية.
وكان كوثراني من مجموع رجال حزب الله الموجودين على لوائح العقوبات الأمريكيّة، وقد فرضت عليه واشنطن عقوبات مالية في عام 2013، بتهمة محاولة نشر الإرهاب في دول بالشرق الأوسط منها مصر وسوريا واليمن، وتتهمه وزارة الخزانة الأمريكية بإتمام مشاريع لحزب الله في العراق.
4- هاشم صفي الدين.. "قريب" نصر الله الذي لا تريده الدائرة الحاكمة في الحزب
يُعدّ هاشم صفي الدين المولود في مدينة صور بالجنوب اللبناني عام 1964، واحدًا من الأسماء التي جرى الحديث عنها مبكّرًا بوصفها "خليفة لنصر الله"، ففي عام 2008، أثارت صحيفة إيرانية ضجّة كبيرة حين سمّت الرجل بـ"الخليفة المنتظر للأمين العام للحزب"، وقدّمته مرشّحًا أوحد ومؤكّدًا لخلافة نصر الله، ابن خاله.
وقد برز اسمه في عام 1994، حين استُدعي من مدينة قُمّ في إيران إلى بيروت لتسلّم مركز في الحزب، إذ عمل رئيسًا للمجلس التنفيذي للحزب، علاوة على علاقاته القوية مع الجناح العسكري للحزب. ويشرف أيضًا على الشؤون السياسية والبرامج الاجتماعية والاقتصادية، ما مكّنه من السيطرة على كل المفاصل المالية والإدارية والتنظيمية داخل التنظيم. ويجمع صفي الدين بابن خاله نصر الله الكثير من الشبه، حتى اللدغة التي تظهر في كلام نصر الله ذاتها يمتلكها صفي الدين.
وفي التاسع من مايو 2017، أدرجت واشنطن والرياض صفيَّ الدين على القائمة السوداء للإرهاب، على خلفية "مسؤوليته عن عمليات لمصلحة الحزب في أنحاء الشرق الأوسط وتقديمه استشارات حول تنفيذ عمليات إرهابية ودعمه لنظام الأسد"(وفق الامريكيين)، وعقب صفي الدين على إدراجه في ما عرف بـ"قائمة مشتركة للإرهاب"، من قبل واشنطن والرياض بالقول: "الإدارة الأمريكية حينما كانت على حالها وأوضاعها، لم تتمكّن من النيل من المقاومة، وبالتالي فإن هذه الإدارة الأمريكية المعاقة والمجنونة بقيادة ترامب، لن تتمكن من المقاومة، ولن يحصلوا على شيء".
وأضاف وفقًا للوكالة الوطنية للإعلام الرسمية: "ما سيحصلون عليه هو مزيد من الصراخ الإعلامي، وسينتهي كل ما فعلوه، الولايات المتحدة باتت أضعف بكثير مما كانت عليه في السنوات والعقود الماضية".
وعلى جانب آخر، تتعقب خلايا التجسس الأمريكية تحرّكات صفيّ الدين بشكل خاص، بُغية تزويد الاستخبارات الإسرائيلية بمعلومات دقيقة عنه من أجل اغتياله، كما حدث جراء المعلومات التي أدّت لاغتيال مغنية، والأسير المحرّر سمير القنطار.
ولا يتورّع صفيّ الدين في إطلاق التصريحات السياسيّة بشكل دوريّ في عدّة قضايا، كأن يتحدث عن تشكيل الحكومة اللبنانية فيقول: "في كلّ يوم يتأخر فيه تشكيل الحكومة تزداد الهوة بين المواطنين والدولة"، ويتحدث عن الحرب في سوريا، فيقول: "لم نخرج من جنوب سوريا ولا من غيرها"، كما أنّه هاجم السعودية، فقال في تصريح له: "النظام السعودي غير مؤهل لأخذ دور في المنطقة؛ ولهذا السبب ينفذ سياسة القتل في سوريا ولبنان واليمن والعراق".
ويمكن عد الظهور الإعلامي في الفترة الأخيرة لصفي الدين سببًا في ضعف فرصه بإمساك منصب الأمين العام خلفًا لنصر الله، كما يقول المهتمّ بالتنظيمات السياسة اللبنانية علي حيدر، الذي أوضح أن: "الحزب يختار خليفة نصر الله من الصفوف غير المتوقعة، فالحزب يُعِدّ المرشّحَ للخلافة بعيدًا عن الإعلام، وهو أذكى من أن يأتي بأحد احترق بالسياسة اللبنانية وينصبه أمينًا عامًا، لكون أي تنظيم عسكري يهتمّ بأن يكون بمظهرٍ قويّ عبر عدم توفير أي فرصة لاستهداف أمينه العام، بإيضاح عملية تسلّل القيادة، كما أنّ الدائرة الحاكمة في الحزب تمنع صفيّ الدين من أن يأخذ هذا الدور لكونه ليس من المجلس الجهادي".
المصدر: ساسة بوست
اضف تعليق