قال الصحافي ستيفن كوك في مقال له على موقع فورين بوليسي: إن إدارة ترامب زعمت كثيرًا أن مؤتمر الشرق الأوسط الذي عُقد في وارسو -ويهدف لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط- كان مجرد محاولة لإظهار التوافق الدولي على عزل إيران. لكنها بدت وكأنها قمة حربية مألوفة، وشديدة الخطورة.
وأوضح كوك أن الاجتماع الذي حضره نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وعدد ضئيل من وزراء الخارجية العرب، ووزير الخارجية البريطاني، تزامن مع الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية. وقد علق مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، على هذه المناسبة عبر مقطع فيديو يعدد مآخذ واشنطن الطويلة، والاتهامات الموجهة إلى القادة الإيرانيين. واختتم بولتون حديثه بمخاطبة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي بالقول: "لا أعتقد أن عمرك سيطول أكثر من ذلك". بينما انتقد بنس بكلمات قاسية حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، الذين اتهمهم أساسًا بمساعدة عدو للولايات المتحدة وتحريضه.
التاريخ يعيد نفسه
بالنظر إلى الصورة الكاملة -انعقاد مؤتمر وارسو، وتوبيخ بينس للأوروبيين، وتهديدات بولتون، والضوضاء الأوسع في الخلفية بواشنطن- كانت أحداث الأسبوع الماضي مألوفة بطريقة غريبة، حسب ما يرى كوك. لم تصل الأحاديث عن إيران إلى مستوى حمى الحرب التي استحوذت على واشنطن في عام 2002 بسبب العراق، لكن أصداء ذلك العام ليس من الصعب رؤيتها في محاولة واشنطن حشد العالم ضد إيران. لم يصل الأمر إلى حد وضع خطط للحرب، ولكن كبار المسئولين الأمريكيين أصبحوا يصفون نظراءهم الإيرانيين بأنهم مجرد عصابة من المجرمين تسعى إلى السيطرة على المنطقة. وهذه هي الرسالة نفسها التي روجت لها إدارة جورج دبليو بوش مرارًا وتكرارًا حول صدام حسين والعراق.
كان من الممكن أن يريح بنس نفسه من عناء السفر إلى بولندا، ويرسل دونالد رامسفيلد بدلًا منه لتكرار انتقاده السيئ للألمان والفرنسيين بوصفهما "أوروبا القديمة"، ولكن كان سيتعين على وزير الدفاع السابق أن يضم إليهما بريطانيا، بعد أن تعلمت الأخيرة الدرس من العراق. إن المؤتمر البائس يذكرنا أيضًا بالطريقة التي جابت بها إدارة بوش أركان العالم الأربعة لبناء تحالفها لغزو العراق. وما يثير الفزع أكثر -يشير كوك- هو أن هناك الكثير من الهمس في واشنطن بأن إدارة ترامب تتجاهل المهنيين في مجتمع الاستخبارات الأمريكية، وزارة الدفاع، وغيرها من البيروقراطيات في السياسة الخارجية التي قضت بأن إيران تفي بتعهداتها ضمن الاتفاق النووي.
التهديد الإيراني مبالغ فيه
بيد أن مساعي إدارة ترامب لحشد التأييد للحرب ضد إيران تغفل عن قصد حقيقتين مهمتين. أولًا، حتى لو كان القادة الإيرانيون عازمين على تحويل المنطقة إلى منطقة نفوذ فارسي، فإنهم في واقع الأمر ليسوا جيدين جدًا في ذلك. فمعظم نجاحاتهم جاءت استغلالًا للأخطاء الاستراتيجية للآخرين: الولايات المتحدة في العراق، والسعودية في اليمن، وبشار الأسد في سوريا. ولكن عندما تحدت طهران إسرائيل تحديًا مباشرًا، تم ردعها. كان رد قاسم سليماني على العمليات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا ضعيفًا؛ مما يؤكد أن واشنطن تبالغ في تقدير التهديد الإيراني.
ثانيًا -يضيف كوك- إن ما تفعله إيران ليس مفاجئًا أو غير عقلاني. تسعى طهران إلى إبقاء العراق ضعيفًا وغير مستقر حتى لا يصبح تهديدًا لها مرة أخرى. وقد هبت لإنقاذ الأسد للحفاظ على ارتباطها بحزب الله، وهو الوسيلة الأساسية التي تحاول من خلالها التأثير في بلاد الشام وتحدي التفوق الإسرائيلي. وتتدخل في البحرين لإزعاج السعوديين. بعبارة أخرى، يستخدم الإيرانيون الموارد المتاحة لهم لتعطيل النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يضر بهم لصالح السعوديين والإسرائيليين.
لا شك أن كل ما يفعله الإيرانيون في المنطقة ضار، لكن يتساءل كوك: هل هذا مبرر للحرب وتغيير النظام؟ لم تكن تصرفات إيران جيدة في الشرق الأوسط، ومع ذلك ظلت الولايات المتحدة صاحبة اليد العليا في المنطقة، وإسرائيل آمنة، وما زال النفط يتدفق من الخليج. صحيح أن السعودية تعرضت لهجوم صاروخي من حلفاء إيران في اليمن، لكن من المحتمل أن يتوقف ذلك عندما ينهي السعوديون عملياتهم العسكرية هناك.
حاول الرئيس السابق باراك أوباما حل مشكلة إيران بدءًا من الاتفاق النووي، تحت مبرر أن التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني من شأنه أن يوفر سبيلًا لإجراء محادثة أوسع نطاقًا. ولكن لم ينجح الأمر لأن الإيرانيين سعوا خلف مصالحهم في المنطقة. وقد شجب ترامب -إلى جانب مستشاريه والحزب الجمهوري- الصفقة منذ البداية لاعتقادهم بأن النظام الإيراني لا يمكن إصلاحه.
الردع هو الحل
قد يكون هذا صحيحًا، لكن السياسة الذكية في هذه الحالة تقضي بإمساك العصا من المنتصف، بين تفاؤل أوباما الذي في غير محله، وتوجهات ترامب. بعبارة أخرى، يجب أن تفعل الولايات المتحدة ما فعلته إسرائيل لمواجهة التحدي الإيراني: الردع. هذا بالضبط ما يفعله الإسرائيليون الآن في سوريا. وهذا ما فعلته الولايات المتحدة في ربيع عام 1988 عندما تحدت إيران أولوية الولايات المتحدة في الخليج؛ مما أدى إلى غرق جزء كبير من البحرية الإيرانية.
يتساءل كوك: ما الخطأ في ذلك؟ لا يتطلب الردع من أي شخص أن يحجب الحقيقة ويقنع نفسه بأن إيران تستطيع، أو تريد أن تكون فاعلة إقليمية بناءة. إنه نهج شاق وواقعي لمشكلة لا تتطلب الحرب في الوقت الحاضر. ومن المرجح أن يحظى الردع بمزيد من الدعم الدولي أكثر من الترويج لحرب مدمرة.
إن الفارق الكبير بين عامي 2019 و2002 هو إصرار الديمقراطيين على عدم ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبوها قبل 17 عامًا، عندما سمحوا لإدارة بوش بوضع شروط المناقشة التي مهدت الطريق لعملية "تحرير العراق". وعلى الرغم من أن العديد من أعضاء الكونجرس قلقون بسبب إيران، إلا أن الديمقراطيين على وجه الخصوص لن يدعموا حربًا وقائية أخرى في الشرق الأوسط.
قد يتغير هذا إذا كان هناك نوع من الاستفزاز في المنطقة، ولكن في الوقت الحالي، لا يبدو أن الإيرانيين مستعدون لاتخاذ هذه الخطوة. ومع ذلك، تبدو احتمالات الدخول في صراع مع إيران أكبر مما كانت عليه قبل ستة أشهر. ففي الوقت الذي يدفع فيه الصقور سياسة الولايات المتحدة إلى حافة الهاوية، فإن إدارة ترامب هي الثور الهائج، وليست إيران.
اضف تعليق