بعد أكثر من شهرين على طرحها داخل مجلس النواب المصري أُقرت، كما كان متوقعاً سلفاً، التعديلات الدستورية التي تسمح للرئيس عبدالفتاح السيسي بالبقاء في السلطة حتى عام 2030، وذلك بعد أيام من انتهاء جلسات الحوار المجتمعي برعاية المجلس أثارت انتقادات من معارضي التعديلات، معتبرين أن "الحوار لم يشملهم".
وفي جلسة أمس الثلاثاء، وافق غالبية أعضاء مجلس النواب على التعديلات الدستورية المقترحة الواردة في تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، وقال رئيس ائتلاف "دعم مصر" الذي يمثل الغالبية البرلمانية عبد الهادي القصبي، الذي أعلن ائتلافه الموافقة على التعديلات المقترحة، قبل التصويت النهائي عليها "إن فلسفة التعديلات الدستورية راعت استقلال القضاء والفصل بين السلطات"، وأضاف "أعتقد أننا جميعا استخدمنا حقنا الطبيعي داخل المجلس، وانتهينا إلى دقة في صياغة المواد والكلمات، ووضوح في الصياغة".
من جانبه، قال رئيس مجلس النواب علي عبدالعال "إن المجلس اجتهد قدر استطاعته لتقديم مشروع التعديلات الدستورية، في إطار رغبته في تحقيق الاستقرار المؤدي للتنمية"، مؤكداً "أن الكلمة الأولى والأخيرة تبقى للشعب الذي سيقرر وحده مصير هذه التعديلات".
وأضاف عبدالعال، في كلمته خلال المناقشة "نختتم ما بدأناه من مشوار طويل لنظر التعديلات الدستورية، منذ فبراير (شباط) الماضي، خضع لإجراءات طويلة ومعقدة ومركّبة، وعلى مدى شهرين كاملين التزمنا بأحكام الدستور والتطبيق الحرفي للائحة، والقواعد والأسس البرلمانية المتعارف عليها في الأنظمة الدستورية، إدراكاً منا لواقع المسؤولية، وحرصا منا على القيام بالواجب الوطني".
وشدد رئيس مجلس النواب على أهمية التعديلات الدستورية، مؤكدا أنها "لم تكن سابقة التجهيز أو معلبة سلفاً، بل كانت وليدة تفاعل الآراء، وأن الدستور كوثيقة يجب أن يواكب التغييرات، وأن يتوقف عنده الرأي العام لتغييره حال اقتضت الضرورة ذلك".
وتابع "الدستور في نهاية الأمر هو منتج بشري وليد المرحلة، وانعكاس للظروف، ومشروع التعديلات المقدمة التي نظرها المجلس عبارة عن جهد بشري مكمل لما بذله الشعب المصري العظيم في 25 يناير (كانون الثاني) و30 يونيو (حزيران)، ضد أي محاولة لتغيير جوهر الدولة".
من جانبه، وصف رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بهاء الدين أبو شقة، تعديل الدستور، (الذي قدم مقترحه 155 نائباً من أصل 596) بأنه "من أهم وأعظم أعمال البرلمان"، موضحا أن "اللجنة كانت حريصة على العدالة السياسية، واستجابت للرأي المعارض في التعديلات، حيث أتاح فكراً يستفاد منه، لتبقى الكلمة الأولى والأخيرة لأبناء الشعب ليقرروا ما ستؤول إليه التعديلات".
رفض محدود داخل المجلس
في الوقت الذي مرت فيه التعديلات الدستورية في البرلمان، رفضت الهيئات البرلمانية لأحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والمحافظين، وتكتل 30/25 (تكتل معارض مؤلف من 16 نائبا)، التعديلات المقترحة.
وأعلن حزب النور (11 نائباً من أصل 596)، رفضه للتعديلات الدستورية في الجلسة العلنية، اعتراضاً على لفظة "مدنية" في المواد المقترحة بالتعديلات، وذلك قبل أن يتراجع ويعلن موافقته على التعديلات في وقت لاحق.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور أحمد خليل خير الله، في كلمته خلال الجلسة "قلنا ونكرر أن اعتراضنا على هذه التعديلات على نقاط ثلاث، واللفظ الذي نعترض عليه وما زال نصر على رأينا حوله هو (مدنية)، فحينما تحدثنا عن لفظ مدنية، فإننا نؤكد على رفضنا للدولة الثيوقراطية التي نرفضها، كما نرفض الدولة البوليسية العسكرية"، مضيفا "إذا كلمة مدنية إذا كانت تعني أنها ضد الدولتين الدينية أو العسكرية، فنحن نوافق عليها، ولكن نرفض أن تكون بمعنى علمانية".
وسرعان ما خاطب رئيس البرلمان علي عبد العال النائب "أطمئنك في هذه الجلسة أنه حينما سيتم طرح هذه المادة، سآخذ التصويت على أن مدنية تنصرف إلى لاءات ثلاث، لا علمانية ولا عسكرية ولا دينية، وتنصرف فقط إلى الدولة المدنية البعيدة كل البعد عن العلمانية والبوليسية أو الدينية".
كما رفض رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي (4 نواب) إيهاب منصور التعديلات الدستورية، قائلا "نختلف في الرؤى ونتفق على الوطن، ومصر التي نستظل تحت سمائها"، وأضاف "نرفض التعديلات لأجل مستقبل أفضل في ظل تغييرات قوية حدثت في آخر 8 سنوات".
كما أعلن رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المحافظين (6 نواب) أكمل قرطام، رفضه أيضا للتعديلات، لاعتراضه على أي تعديلات تمس المقومات الأساسية للدستور، إذ يرى "أن ذلك يمثل اعتداء على اختصاصات السلطة التأسيسية الأصلية، ولا يجوز للبرلمان أن يتدخل وهو سلطة منشأة، في السلطة التنفيذية برئاسة رئيس الجمهورية".
السيسي يقترح تعديل الدستور لتفادي أزمة حكم
وفيما يخص مدة تولي منصب رئيس الجمهورية، قال قرطام "المسألة ليست أربعة أعوام أو ستة، بل بين 8 و12 عاماً. وعمليا، الناس توصلوا إلى أن أكثر من 10 سنوات، لا تعتبر وظيفة مؤقتة، ومن المفترض أن وظيفة الرئيس والنواب وظيفة مؤقتة، فتظل 5 أعوام، لو سمح الدستور أساساً بالتعديل".
كما أعلن تكتل 30/25 المعارض رفضه للتعديلات الدستورية، إذ قال عضو التكتل النائب محمد عبد الغني، خلال كلمته، إن "التعديلات تتجاوز سلطة المجلس، وتمس بصورة مباشرة جوهر الدستور الذي أقسمنا على احترامه، وجوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والعلاقة بين السلطات".
ما تشمله التعديلات الدستورية؟
وتقر التعديلات الجديدة، التي تنتظر استفتاء عليها من قبل الشعب في غضون أيام حق الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في التقدم للترشح لمنصب الرئاسة لفترة مقبلة لمدة 6 سنوات عقب انتهاء الفترة الحالية عام 2024، أي أن المدة الحالية للرئيس تنتهي بانقضاء 6 سنوات من تاريخ إعلان إعادة انتخابه رئيساً للجمهورية عام 2018، ويجوز إعادة انتخابه لمرة تالية، وذلك في تغير للمادة 140 من الدستور التي كانت تحدد مدة الرئيس بولايتين كل منها 4 سنوات. كما شملت التعديلات تغييرات واسعة في الدستور بينها تلك التي تمنح الجيش نفوذاً أوسع في الحياة السياسية كما تمنح السيسي سلطة أكبر على القضاء.
ففي أحد مواد المعدلة فإن "القوات المسلحة مِلك الشعب، مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديموقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها".
كما تضمنت إنشاء غرفة ثانية للبرلمان وتعديلا في هياكل السلطة القضائية وألا تقل حصة تمثيل المرأة في البرلمان عن 25%.
وأقر البرلمان أيضا المادة التي تجيز تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، وكذلك المادة التي تنص على تشكيل مجلس أعلى للهيئات القضائية في مصر. ونصت المادة الخاصة بتعيين نائب للرئيس: "لرئيس الجمهورية أن يعين نائباً له أو أكثر، ويحدد اختصاصاتهم، وله أن يفوضهم في بعض اختصاصاته، وأن يعفيهم من مناصبهم، وأن يقبل استقالتهم، ويؤدي نواب رئيس الجمهورية قبل تولي مهام مناصبهم اليمين المنصوص عليها في المادة 144 من الدستور أمام رئيس الجمهورية، وتسري في شأن نواب رئيس الجمهورية الأحكام الواردة بالدستور في المواد 141، 145، 173".
وبعد انتهاء محطة إقرار البرلمان المصري للتعديلات، سيتم إرسالها إلى رئيس الجمهورية. ويجري خلال 30 يوماً الاستفتاء الشعبي على هذه التعديلات الدستورية، لتدخل إثر ذلك حيز التنفيذ.
في فبراير (شباط) الماضي، وافق 485 نائباً من إجمالي 596 في المجلس "من حيث المبدأ" على التعديلات المقترحة من قبل كتلة برلمانية تدعم السيسي، بينما لم يصل عدد الذين رفضوا التعديلات إلى 20 نائبا.
انقسام بشأن التمديد للرئيس
من جانبه، قال النائب محمد أبو حامد، المؤيد للتعديلات، إن "دستور 2014 كتب في ظروف استثنائية صعبة". وأشاد بالسيسي كرئيس قائلا إنه "اتخذ تدابير سياسية واقتصادية وأمنية مهمة ويجب أن يواصل إصلاحاته"، في مواجهة الاضطرابات التي تجتاح البلاد المجاورة خصوصا بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير مؤخرا وتصاعد النزاع في ليبيا. وقال "إن بقاء السيسي في السلطة يعكس إرادة الشعب".
بينما رفض المعارض هيثم الحريري، النائب المنتمي لتكتل (25-30) التعديلات وقال عنها، "كنت أتصور أن أسوأ ما في هذه التعديلات هو مدّ فترة الرئاسة، لكن هذه المواد كلها بلا استثناء أسوأ من بعض"، مضيفاً أن "الرهان الحقيقي ليس على نواب البرلمان بل على المصريين أنفسهم"، داعيا إياهم إلى المشاركة في الاستفتاء المنتظر "بكثافة وزخم لرفض التعديلات". وشدد على أن رفض التعديلات "ليس له علاقة بشخص رئيس الجمهورية لكنه صون للديموقراطية والحريات، كما أن الرفض لن يهدد الاستقرار في البلاد".
وبعد ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، والإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، فاز الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، بفترة ولايته الأولى كرئيس عام 2014 بنسبة 96,9% من الأصوات، ثم أعيد انتخابه في مارس (آذار) 2018 بأكثر من 97% من الأصوات.
ولد السيسي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1954 في حي الجمالية بقلب القاهرة الإسلامية، وكان منذ الصغر طفلا قياديا وسط أقرانه بحسب المقربين منه آنذاك. وتخرج في الكلية الحربية في عام 1977 ودرس بعد ذلك في إنجلترا ثم في الولايات المتحدة قبل أن يصبح رئيساً للاستخبارات العسكرية إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وأثناء حملته الانتخابية في عام 2014 اعتبر أن "الحريات" لا ينبغي أن تكون على حساب "الأمن القومي". وأكد في مقابلة صحفية أن الأمر يتطلب "20 إلى 25 عاماً لإقامة ديمقراطية حقيقية" في مصر.
اضف تعليق