فقد حميد رضا، وهو إيراني من طهران، زوجته قبل نحو شهر بسبب مضاعفات كوفيد-19 الذي أصابها والذي أدّى إلى إدخال ابنه البالغ من العمر 22 عاماً إلى المستشفى، علماً أنّه ما زال يرقد في العناية المركزة موصولاً بجهاز تنفّس صناعي منذ نحو أسوعَين.
ويقول رضا إنّ "كورونا دمّر حياتي بعدما فكّك واقعنا إذ قتل زوجتي. وتحوّلنا إلى عائلة مشرّدة، فابني في المستشفى وابنتي الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها خمسة أعوام تقيم حالياً في بيت جدّتها، فيما أنا في بيتنا وحيداً تتعبني الوحشة وفراق الأحبة".
وكان رضا قد أصيب بفيروس كورونا الجديد مع زوجته، لكنّه تعافى. ويتابع: "دخلنا المستشفى معاً بعدما أكّدت نتائج فحوصنا إصابتنا بالوباء، فوضعنا كان صعباً لا يكفيه العلاج المنزلي. ولمّا خرجت إلى البيت وقد تعافيت، أعلموني بأنّ زوجتي توفّيت في العناية المركزة قبل أسبوع من مغادرتي المستشفى. فارقتني وقد حرمني كورونا من وداعها. وعائلتي لم تخبرني بذلك خوفاً على سلامتي. لكنّني عندما علمت ذلك، شعرت للحظة بأنّ الدنيا تنهار على رأسي".
يضيف رضا وهو يبكي: "مصيبتنا بدأت عندما شاركنا في حفل عيد ميلاد ابن أحد أقاربنا، إذ اجتمع نحو 60 شخصاً في بيت واحد وشغلتنا الفرحة عن كورونا، فأصابنا ودمّرنا"، لافتاً إلى أنّ 10 أشخاص آخرين من المشاركين في الحفل أصيبوا كذلك بالفيروس، وما زال عدد منهم في المستشفى مع حالة صحية "وخيمة".
قصة هذه العائلة الإيرانية ليست حالة معزولة، فثمّة قصص مشابهة تتكرر في كلّ أنحاء إيران هذه الأيام، بأشكال مختلفة، وربّما بشكل أكثر حزناً وألماً. فثمّة أسر، بحسب تقارير إعلامية، فقدت ثلاثة وأربعة أفراد منها أو أكثر، وسط الموجة الخامسة من تفشّي الوباء في إيران. وتُعَدّ هذه الموجة أخطر من سابقاتها، بحسب بيانات السلطات الصحية الإيرانية حول الأرقام اليومية للوفيات والإصابات، فالبلاد تواجه كما بلدان أخرى متحوّر "دلتا" شديد العدوى.
ويقول في هذا الإطار الطبيب الإيراني محمد براري إنّ "سرعة انتقال العدوى من جرّاء متحوّر دلتا تأتي مضاعفة ما بين ستّ مرات و12 مرّة، مقارنة بما شهدناه في السابق".
وبخلاف الموجات السابقة، بات وباء كورونا يستهدف في موجته الخامسة الشباب وحتى الأطفال وأسراً بأكملها. لكن في الموجة الجديدة، نتيجة متحوّر دلتا الذي ظهر للمرّة الأولى في الهند في إبريل/ نيسان الماضي، فإنّ إصابة فرد واحد من الأسرة تعني إصابة البقية أو معظمهم، وهو ما تعكسه الزيادة في الأرقام اليومية التي تعلنها وزارة الصحة الإيرانية مقارنة بالموجات الأربع السابقة والتي تأتي قياسية في الأيام الأخيرة.
وقد ازدادت نسبة الوفيات والإصابات في الموجة الخامسة ما بين 40 و45 في المائة، مقارنة بالأرقام الأعلى التي سُجّلت في الموجة الرابعة. لكنّ الأرقام الحقيقية تفوق ذلك بكثير، باعتراف السلطات الصحية نفسها.
فقد أكد نائب وزير الصحة الإيراني إيرج حريرجي، الأسبوع الماضي، أنّ الرقم الحقيقي للوفيات والإصابات هو تقريباً ثلاثة أضعاف ما يُعلَن يومياً، بالتالي يمكن القول إنّ الوفيات اليومية بكوفيد-19 في إيران هي ألفَي شخص.
من جهته، قارن الصحافي الإيراني البارز عباس عبدي، في مقال نشره السبت الماضي، ما بين أرقام الوفيات المسجّلة في دوائر السجل المدني في إيران منذ تفشّي الفيروس في البلاد وبين أرقام الأعوام التي سبقت ذلك، مؤكداً أنّ العدد الإجمالي الحقيقي لوفيات كورونا يزيد نحو 100 ألف عمّا تفيد به وزارة الصحة الإيرانية.
وفي مؤشر إلى خطورة المرحلة، تحكي السلطات الصحية الإيرانية عن امتلاء أسرّة المستشفيات في معظم المدن المصنّفة "حمراء" أي شديدة الخطورة، وعن إرهاق كبير بين الطواقم الطبية، وعن نقص في القوة الصحية العاملة وكذلك المعدّات وحتى سيارات الإسعاف، بالإضافة إلى نقص حاد في بعض أصناف الأدوية المستخدمة لعلاج المصابين بكوفيد-19، فضلاً عن امتلاء المقابر في بعض المدن. كل ذلك دفع السلطات الإيرانية اضطراراً إلى فرض إغلاق تام في البلاد، من الإثنين الماضي حتى السبت المقبل، يشمل تعطيل كل المؤسسات وإغلاق المتنزهات ودور السينما وغيرها وحظر التنقل بين المدن.
لكنّ خبراء يرون أنّ هذه الخطوة وحدها غير كافية، هي قد تبطئ سرعة انتشار الفيروس لبعض الوقت، لكنّها لن توقفه، فذلك يستدعي حملة تحصين عامة في أقرب وقت ممكن تشمل ملايين الإيرانيين لتشكيل مناعة مجتمعية في وجه الفيروس.
ويدعو هؤلاء إلى معالجة جذور المشكلة لمنع تشكّل موجات متلاحقة للوباء في إيران التي تُعَدّ الأكثر تضرراً في منطقة الشرق الأوسط، فيما تحتل المركز الحادي عشر من بين الدول الأكثر تضرراً بالفيروس عالمياً.
أمّا الأسباب التي دفعت في اتجاه بلوغ إيران هذه المرحلة الخطرة، فتبدأ بغياب استراتيجية صحية موحدة في مواجهة الوباء، والخلافات بين وزارة الصحة والحكومة، والتأخير في استيراد اللقاحات المضادة لكوفيد-19 والجدال بشأنها بعد حظر اللقاحات المصنّعة في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، علماً أنّ عملية التحصين غير كافية إذ إنّ الجرعات المتوفّرة لا تغطي إلا نحو خمسة في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 85 مليون نسمة.
يُضاف إلى الأسباب المذكورة الإهمال الحكومي في تطبيق القيود، والمشكلات الناتجة عن استمرار العقوبات الأميركية، والانخفاض الحاد في مستوى الالتزام الشعبي بالبروتوكولات الصحية من 80 إلى 39 في المائة.
وفي ما يتعلق باللقاحات، فقد خففت السلطات من لغة الحظر أخيراً بعد تفاقم الوضع الوبائي ليبلغ مستوى خطرا، معلنة أنّها سوف تسمح باستيراد لقاحَي "فايزر-بايونتيك" و"مودرنا" شريطة أن تكون الجرعات مصنعة في دول غير دول المنشأ.
وقد دعا المرشد الإيراني الأعلى أخيراً إلى "تكثيف الجهود لتوفير اللقاحات بأيّ شكل ممكن"، فيما كان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد أعلن عن عزم الحكومة استيراد 30 مليون جرعة من اللقاحات، موضحاً أنّ البلاد تحتاج إلى 60 مليون جرعة أخرى لكبح الوباء.
يُذكر أنّ إيران تستورد لقاح "سبوتنيك-في" ولقاح "سينوفارم" وكذلك لقاح "أوكسفورد-أسترازينيكا" من خلال مبادرة "كوفاكس" التي تهدف إلى توزيع عادل للقاحات.
المصدر: العربي الجديد
اضف تعليق