سيركان ديميرتاس - (وورلدكرنتش)
ما تزال تركيا تكافح من أجل تشكيل حكومة ائتلافية بعد أسابيع من إقامة الانتخابات البرلمانية التي حرمت حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان من الفوز بأغلبية مطلقة. لكن هناك سؤالاً ملحاً آخر ما يزال يثار في أوساط أنقرة: هل ستدخل تركيا إلى سورية من أجل إنشاء ما يسمى "منطقة عازلة؟"، الجواب الأقصى عن هذا السؤال هو أنه لا يجب على تركيا الإقدام على هذا العمل مطلقاً، لكن للأسباب تداعيات محلية وخارجية على حد سواء.
السياسة المحلية: ليست هناك حكومة مشكلة بعد لتتخذ مثل هذا القرار المهم وتتحمل المسؤولية عن اتخاذه. ولدى شركاء الائتلاف المحتملين لحزب العدالة والتنمية، حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، دوافع واضحة تقف ضد التدخل في سورية، وسيكون من شأن هذا التحرك أن يئد من ناحية فعلية مفاوضات الائتلاف، حتى من قبل أن تبدأ. ولهذا السبب، يبدي البعض قلقاً من احتمال أن يحشد حزب إردوغان، العدالة والتنمية، الدعم للذهاب إلى الحرب قبل إجراء انتخابات مبكرة محتملة.
القانون الدولي: سيكون التدخل العسكري في بلد يتمتع بالسيادة من دون صدور قرار من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة أو من دون دعوة من ذلك البلد غزواً وانتهاكاً للقانون الدولي. وليست هذه مسألة صغيرة. وإذا كان الهدف هو العمل في إطار القانون الدولي بدلاً من ذلك، فقد تحاول تركيا الاحتجاج بأن لهذه المنطقة الفاصلة ما يبررها بموجب معيار الأمم المتحدة لمبدأ "مسؤولية الحماية". لكن ذلك سيتطلب إبراز الحجة التي ستقنع العالم. وفي هذا الصدد، فإن ادعاءات أردوغان بأن الأكراد يمارسون التطهير العرقي ضد العرب والتركمان تفتقر إلى الدليل.
الهدف هو حزب العمال الكردستاني، وليس "داعش": إن تدخل تركيا الآن في سورية، بعد غضها الطرف عن العديد من المآسي التي لا تعد ولا تحصى في الأراضي السورية وعن مجازر "داعش" وعن تواجد تنظيمات مثل جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة على طول الحدود، سوف يُنظر إليه على أن تركيا تستهدف الأكراد السوريين ولأسباب خفية. وكانت وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية قد نشرت بعض القصص من قبيل أن "حزب العمال الكردستاني هو أشد خطراً من الدولة الإسلامية في العراق وسورية". وما تزال لامبالاة الحكومة خلال هجمات "داعش"على كوباني (عين العرب) حاضرة في الأذهان، سواء في الوطن أو في الخارج.
الدبلوماسية العالمية: باستثناء المملكة العربية السعودية وقطر والجيش السوري الحر، فلا أحد تقريباً سيدعم دخول تركيا إلى سورية. وتعارض هذا التدخل القوتان الإقليميتان، إيران والعراق في المقام الأول، لكن مجموعات أخرى متشابكة في سورية، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مثل الصين وروسيا، ستعترض على الأرجح. وسيرى الائتلاف المعادي لـ"داعش" والمكون من بلدان غربية بقيادة الولايات المتحدة هذا التحرك فوق كل شيء كعامل تعقيد في جزء من العالم معقد أصلاً.
العلاقات الأميركية الكردية: يعرف الجميع كيف تنظر تركيا والولايات المتحدة بشكل مختلف إلى الوضع في سورية. وتقول تركيا أن مشكلة "داعش" لا يمكن حلها طالما ظل بشار الأسد على رأس السلطة في سورية، بينما تقول الولايات المتحدة أنه لا يمكن إسقاط النظام بينما يظل تهديد "داعش" ماثلاً. وكانت تركيا قد وجهت اللوم بشكل غير مباشر إلى الولايات المتحدة لدعمها حزب العمال الكردستاني بهدف تحقيق هدف تشكيل دولة كردية في سورية. وقال لي دبلوماسي أجنبي رفيع المستوى في أنقرة: "إن الأكراد هم القوة الوحيدة التي يثق بها أوباما لقتال داعش. وحاجة أوباما للأكراد أكبر حتى من حاجة الأكراد لأوباما".
ثقل التاريخ: من المعروف تاريخياً أن تركيا ضعيفة فيما يتعلق بتوجيه التطورات في منطقتها الخاصة. فخلال التسعينيات، كان هدف تركيا هو تدمير حزب العمال الكردستاني ومنع الأكراد من تأسيس دولة في العراق. واليوم، يعني اتخاذ قرارات سيئة للسياسات التركية في سورية أن تصبح أنقرة أقل وزناً في الدفع بأجندتها.
المنطق العسكري: إن قيادة القوات المسلحة التركية هي على وشك التغير. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن القادة العسكريين كانوا قد قالوا في أحاديث سرية أنهم غير راغبين في الشروع في هذا التدخل.
المجموعات المسلحة في سورية: هناك نحو 15 مجموعة مسلحة مختلفة تعمل في المنطقة التي تخطط تركيا لإقامة منطقة عازلة فيها، ومعظم هذه المجموعات لن ترحب بتواجد الجنود الأتراك هناك.
في ضوء كل هذه العوامل، لن يكون أي تدخل عسكري تركي عبر الحدود إلى داخل سورية أكثر من كونه مغامرة صرفه، والتي تنطوي على نتائج مضنية وخطيرة. ويمنح ذلك إلحاحاً أكبر لجهة تشكيل سريع لحكومة ائتلافية تركية، من أجل تبديد هذا التفكير "المغامراتي" مرة وإلى الأبد.
المصدر/ الغد الاردني
اضف تعليق