في مقال له، رأى روبرت فيسك، الصحفي والمراسل المخضرم، أن هناك تاريخاً من النفاق الذي تنتهجه السعودية حيال عدد من المتغيرات والأحداث، يقابله تجاهل وممالأة من الغرب بدافع من مصلحة مشتركة مرتبطة بالنفط. وأنه في الوقت الذي تدرك فيه الدول الغربية أن منبع الأفكار المتطرفة والإرهاب يكمن في العقيدة الوهابية السعودية، فإن هذه الدول اختارت أن تصمت، وأن تتغاضى عن ما فعلته السعودية في ملفات حقوق الإنسان وغيرها، وأن النفاق المتبادل وصل إلى حد ذرف الدموع على حادثة تشارلي إبدو، في حين يعاقب أصحاب رأي في السعودية بالحبس والجلد أمام صمت وتواطؤ دول تعتبر نفسها مدافعة عن حقوق الإنسان.
أشار فيسك في بداية مقاله المعنون بـ”تاريخ النفاق السعودي الذي اخترنا تجاهله” والذي نشرته صحيفة الإندبندت البريطانية إلى خلفية تاريخية عن خبرة بريطانيا منذ بداية الدعوة الوهابية بوحشية معتنقيها وأتباعها، وأنهم - حسب ما نشره مستشرق بريطاني يدعى ويليام هانتر- قتلوا رعايا بريطانيين بدعم وتمويل من آل سعود إبان دولتهم الأولى، وكتب قائلاً: “نشر السير ويليام هانتر - وهو موظف بريطاني حكومي رفيع المستوى - كتابا عام 1871 حذر فيه من أسراب التعصب من المسلمين السُنة الذين قتلوا رعايانا، بتمويل من ]رجال ذو ثروة وافرة[، في حين تم إرغام غالبية المسلمين (في الجزيرة العربية) على تقرير- مرة وإلى الأبد - أنه يجب عليهم لعب دور التابعين المخلصين للإسلام أو يكونوا رعايا مسالمين. في زيارته لشبه الجزيرة العربية، حدد هانتر من أسماه بداعية الكراهية كسبب لهذا الإرهاب؛ ذلك هو المسمى بمحمد بن عبد الوهاب، الذي شكل أتباع مذهبه الوهابي العنيف، تحالفا مع آل سعود”.
وأعتبر فيسك أن كتاب المستشرق البريطاني قد يبدو عليه أنه كتب هذه الأيام على الرغم من كونه منشور منذ أكثر من 140 عام، وذلك بسبب “زوبعة الكراهية على الإنترنت، والهجمات الفردية لمسلمين سُنة على النمط الوهابي العقابي القاسي، وأيضاً حالة النظر إلى مسلمي أوربا على اعتبار أنهم مواطنين من الدرجة الثانية”.
وأوضح فيسك أن هناك تطابقا بين ما تفعله داعش هذه الأيام وبين ما فعله الوهابيين قبل عشرات السنين، معتبراً أن سلوك الإثنين واحد، وأنه مستمر في السعودية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحرية التعبير، حيث كتب موضحاً “على طريقة داعش، استولى الوهابيين على المدن المقدسة في شبه الجزيرة العربية، وعلى طريقة داعش أيضاً ذبحوا سكانها. ومثل داعش حتى اجتياحها لسوريا أنزلوا بهم العقوبات. هؤلاء مناصرو العسكر السعودي، الذين جعلوا جلد المدون السعودي رائف بدوي يظهر وكأنه جنحه بسيطة. النفاق كان شعار التاريخ العربي مثله مثل التاريخ الأوربي. بطبيعة الحال، لم يكن للنفط معنى في تلك الأيام. الحاكم السعودي تم إرساله إلى القسطنطينية في 1818، وقُطعت رأسه من قبل القوة العظمى في المنطقة –الإمبراطورية العثمانية - والدول الأوربية لم يكن لديها مانع. بعد ذلك استطاع نقيب صغير السن في الجيش البريطاني (ويليام هانتر) أن يستطلع الدرعية، عاصمة الوهابين المدمرة، بارتياح تام. لكن بسبب حملات غزو متعاقبة من قبل تحالف آل سعود - الوهابيين، ومع التحول السريع الناتج عن ضخ واستخدام النفط بدلاً من خام النافتا الزهيد في أسواق العالم الغربي، أضحى العنف الوهابي المتضمن تدمير المساجد والأضرحة الإسلامية القديمة وقتل ]الكفار[ منفصل عن آل سعود ومُتَجاهل من جانب الأوربيين والأميركيين. وتم محو حقيقة تاريخية وهي أن محمد بن سعود زعيم نجد، تزوج من ابنة محمد بن عبد الوهاب”.
وتعرض فيسك للتناقض بين موقف الدول الغربية في القرن التاسع عشر تجاه تمدد الحركة الوهابية وبين ما تفعله بلاده ودول غربية اخرى اليوم، حيث أشار إلى أنه على الرغم من أن أوربا تواجه داعش داخلها مثلما كانت تفعل بريطانيا تجاه الوهابيين في الماضي، في حين أنه في الوقت الحاضر ومن جانب الأوربيين والأميركيين هناك “رسم لخط فاصل بين المعتدلين الموالين للغرب المتخمين بالنفط من المنتهجين لنفس سلوك داعش: السعوديين الذين يستنكرون الهجوم ]الإرهابي الجبان[ في باريس، وهو الأمر المشاد به من جانب الدول الغربية التي تتجاهل أن تلك الأفعال صنيعة أصدقاءهم الوهابيين الذين يقطعوا رؤوس الجنائيين المدانين طبقاً لمحاكمات غير عادلة بشكل فاضح، وتعذيب واضطهاد الاقلية الشيعية، ويجلدون صحفييهم المتمردين. الوهابية السعودية تبكي بدموع التماسيح على قتل رسامي تشارلي إبدو الذين يسخرون من دينهم، في الوقت الذي يتعاطفون فيه مع أصوليين في سوريا والعراق وأفغانستان يذبحوا عمال الإغاثة والصحفيين ويدمروا الآثار ويستعبدوا النساء”.
ولفت الصحفي البريطاني الانتباه إلى خلفية التغاضي الغربي عن تورط السعودية في دعم الإرهاب، مشيراً إلى”الوضع مميز للسعوديين، 15 من أصل 19 من خاطفي طائرات احداث 11 سبتمبر كانوا سعوديين. جورج بوش وضع ترتيبات فورية لنقل سعوديين وبعض منهم من أسرة بن لادن بأمان من الولايات المتحدة، بن لادن نفسه كان سعوديا قبل إسقاط الجنسية عنه. حركة طالبان مولت وتم تسليحها من السعوديين. طالبان أيضاَ كان لديها هيئة مماثلة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ الشرطة الدينية السعودية الوهابية في الرياض وجدة. السعوديين بالنسبة لنا مثمنين للغاية، فتوني بلير أستطاع إغلاق تحقيق الشرطة البريطانية في واقعة رشوة مشتركة (صفقة اليمامة) لأن المصلحة الوطنية بالنسبة لنا وليس لهم بطبيعة الحال كانت على المحك”.
وألقى فيسك الضوء على تغلغل الوهابية في أوربا وخاصة في شرقها ووسطها حيث البلدان الأوربية ذات الغالبية المسلمة كالبوسنة وألبانيا، ورأى أن هناك استبدالا لمظاهر التعليم والثقافة الإسلامية هناك بالمال الوهابي الذي يسفه من ثقافة وإسلام هؤلاء ويدعم ويؤيد في نفس الوقت داعش. وأن الصحفيين المتعاطفين مع زملائهم ضحايا الفكر الوهابي والذين ينتقدون السعودية يتم مواجهتهم وتهديدهم بمحاكمات من قِبل محامين مكلفين من الحكومة السعودية.
وفي هذا السياق أورد فيسك ما قاله الكاتب الأيرلندي فينتان أوتول الذي أشار إلى أن مئة مليار دولار اشترت الكثير من الصمت، وذلك في معرض حديثه عن ملابسات حادثة شارلي إبدو، حيث قال”آل سعود يديرون طغيان وحشي..ففي حين أتجه قتلة تشارلي إبدو إلى الحد الأقصى من التصرفات الرقابية كان هناك جلد وحشي للمدون رائف بدوي لأنه تجرأ على تعزيز النقاش العام”.
وأشار فيسك في أواخر مقاله أن “محطمي القبور الوهابيين يهددون بتدمير قبر النبي (محمد) كواجب ديني، تماماً كما حطموا قبور الصحابة والأولياء في أفريقيا والشرق الأوسط، لكن رسم النبي هو الاستفزاز الذي يوجب الموت من وجهة نظرهم”.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: ”نحن بالتأكيد نعرف الشعار المتداول السعوديون يقفون في طليعة الحرب ضد الإرهاب باعتقال وتعذيب وسجن الإرهابيين، ويدينوا داعش الإرهابيين ويقفوا وراء الفرنسيين والأوربيين ضد الإرهاب جانباً إلى جنب مع المصريين والروس والباكستانيين وكافة هذه الديمقراطيات في حربهم ضد الإرهاب“.
اضف تعليق