كثيراً ما ارتبطت الألعاب بالطفولة، وشكلت جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال ومن نموهم، ومنها تكون انطلاقتهم في الحياة، لكن يبدو أن الألعاب ليست حكراً على الأطفال، فقد يظهر الكبار شغفاً بها أحياناً، فينافسون الأطفال في تعلقهم بها. وتبدو تلك الشخصيات التي تشكل جزءاً من عالم الأطفال أيضاً، من عناصر الجذب للكبار. من شخصيات مارفل إلى باربي وقطع التركيب البلاستيكية الشهيرة Lego، وصولاً إلى دمية لابوبو الشهيرة التي تحقق رواجاً غير مسبوق حالياً، كلها تجد بين الكبار عشاقاً لها.

تبدو الألعاب القابلة للتجميع الأكثر جذباً للكبار، مما يفسر الأسعار الخيالية التي تبلغها أحياناً. لذلك، لا تتردد الشركات المنتجة للملابس اليوم في تصنيع قطع تزينها دمى تلقى رواجاً بين الراشدين، أو دببة أو شخصيات كرتونية، ومنها ما يباع بمئات الدولارات. فما سر هذا التعلق الذي يظهره الكبار أحياناً بألعاب الصغار؟ هل هو تعبير عن شغف أو ذكرى من الماضي، أم حنين إلى طفولة رحلت ولن تعود؟

حنين إلى الطفولة

ما يؤكده روني زكور صاحب أحد محال الألعاب أن الكبار قد ينفقون أحياناً مئات الدولارات على ألعاب مخصصة للأطفال، وتبدو ألعاب Lego تلك التي تجذب الكبار خصوصاً ويخصصون لها موازنة، ويبدو معظم الذين يحبون هذا النوع من الألعاب من الطبقة الميسورة، وقد يشترون منها في كثير من الأحيان أثناء أسفارهم حيث تتوافر بأسعار أقل. أما بالنسبة لباقي الشخصيات الخاصة بالأطفال فقد يبدي بعض الكبار أحياناً اهتماماً بها، لكن ليس بالنسبة نفسها كما يظهرون اهتماماً بألعاب Lego.

تبدو تجربة الفنانة اللبنانية مصممة الدمى راشيل قليلات مع القطع الفنية التي تزينها ألعاب من الطفولة خير دليل على الأثر الذي تتركه تلك الألعاب لدى الكبار، وكانت قليلات بدأت مجالاً وجدت فيه شغفها متأثرة بالأجواء التي كانت سائدة في العائلة، إذ عمل والدها في مجال النحت والفن. واستطاعت أن تحول شغفها في الفن إلى مهنة تخلق فيها من الذكريات فناً. وتقول "عندما تزوجت، اتصلت بي والدتي فيما كانت ترتب غرفتي لتسألني عن ألعابي القديمة، ولمن أود أن أعطيها، وكان لدي ارتباط عاطفي قوي بطفولتي ولم أستطع أن أتخيل فكرة التخلي عنها. قررت الانطلاق بعمل فني بواسطة ألعابي، وكانت بداية رحلتي في صنع قطع فنية باستخدام الألعاب القديمة لأخلق من الذكريات فناً".

وانطلاقاً من خبرتها في المجال، لاحظت قليلات تعلقاً واضحاً لدى كثر بألعاب أو شخصيات معينة من الطفولة، ويرغبون في حفظها بمنازلهم مع التقدم في السن، وتحولت إلى مصادر للراحة وللذكريات الجميلة، وحتى للهوية. فكثر يطلبون تحويل ألعابهم القديمة أو شخصيات طفولتهم إلى قطع فنية يحتفظون بها في منازلهم، كنوع من التواصل المستمر مع الذات. وفي عملها هذا فوجئت بعدد الأشخاص الذين يشبهونها، احتفظوا بألعابهم بدافع الحب والنوستالجيا ويرغبون بتخليد ذكرياتهم بطريقة فنية.

أما الألعاب التي يزيد الطلب عليها خصوصاً، فهي غالباً ألعاب وشخصيات ارتبط بها جيل أواخر الثمانينيات والتسعينيات. من بين الشخصيات التي يزيد عليها الطلب Barbie وSonic وPower Rangers وPokemon. كما أن Kinder Surprise من العناصر المفضلة لكثر على حد قولها، لأنها كانت تحمل مفاجآت صغيرة تركت أثراً كبيراً في ذاكرة الطفولة. حتى إنه في بعض الحالات يرسل بعض ألعاباً حقيقية من طفولتهم مثل الدمى المستهلكة والسيارات الصغيرة أو حتى القطع البلاستيكية العادية، إلا أن قيمتها العاطفية بالنسبة إليهم تجعل تحويلها إلى عمل فني تجربة مؤثرة ومميزة جداً.

واللافت أنه لا توجد فئة عمرية محددة تظهر اهتماماً بهذا النوع من الفن "تعاملت مع أشخاص في العشرينيات وحتى الستينيات، وكل منهم لديه دوافعه الخاصة. فبعض يريد الاحتفاظ بشيء من طفولته، وبعض آخر يريد تكريم ذكريات أولاده أو فترة معينة من حياته وحفظها. فالحنين لا يرتبط بعمر بل بشعور، وهذا الشعور مشترك بين الناس مهما اختلفت مراحل حياتهم".

مصدر السعادة والأمان

تجربة راشيل في هذا المجال تؤكد ذاك الرابط الوثيق مع ذكريات الطفولة وما تحمله معها من ألعاب، هذا ما تؤكده أيضاً الاختصاصية في المعالجة النفسية كارول سعادة، بالإشارة إلى نظرة علم النفس إلى هذا الرابط، فثمة ارتباط عاطفي مع ألعاب وشخصيات من الطفولة يبقى موجوداً لدى بعض الأشخاص أحياناً أكثر من آخرين. هي ظاهرة شائعة ومنطقية ولها تفسيرات عدة في علم النفس أبرزها الحنين إلى الطفولة، فهي مرحلة عزيزة على قلب كل فرد. "تلك الألعاب التي نحبها ونتعلق بها ترمز إلى فترة محورها السعادة والأمان والبساطة، خصوصاً بالنسبة إلى الجيل الذي لم يكن لوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وجود في حياته خلال مرحلة الطفولة، فكان الاهتمام يتركز على هذه الألعاب بصورة أساس".

من جهة أخرى، يخزن الدماغ ذكريات معينة ويقيم رابطاً مع تلك الذكريات الجميلة التي تغلب عليها الإيجابية. ويغلب الشعور بالأمان في الصلة مع أغراض معينة أو أمور يمكن أن ترتبط بهذه الذكريات. انطلاقاً من ذلك تتحول هذه الأشياء إلى أغراض ذات معنى، ورمزية معينة بالنسبة إلى الأفراد كما توضح سعادة. فلا تعود هذه الأغراض مرتبطة بالجانب المادي أو بكونها ألعاباً لأنها تحمل رمزية معينة، ويتم التفاعل معها على هذا الأساس. ويعيش الفرد معها مجدداً أحاسيس جميلة ترتبط بها وكانت في مرحلة الطفولة.

تضيف سعادة "لدى بعض قد تختلف الأمور، وقد يبدو وكأنه يهرب من الواقع من خلال هذه الألعاب. في مثل هذه الحال لا بد من البحث عن مدى تكرار هذا الموضوع، وما يحتله من وقت في حياة الإنسان، فقد لا يكون هنا عبارة عن تعلق عادي أو طبيعي، بل يمكن أن يكون عبارة عن آلية دفاعية يلجأ إليها الفرد عندما يرفض حقيقة الراشدين بصورة أو بأخرى، ويرفض أن ينمو ويصبح راشداً، حتى إنه يمكن الإشارة إلى متلازمة (بيتر بان) إذ يرفض الفرد أن ينمو وتظهر لديه علامات معينة. بالتالي، قد يساعد هذا التعلق بعضهم على التأقلم مع التوتر اليومي والواقع، فيما يمكن أن يشكل هرباً من الواقع بالنسبة إلى آخرين. أيضاً، يمكن أن يشكل التعلق بالألعاب تعويضاً عن نقص معين كصورة من صور الآليات الدفاعية، في حال غلب الحرمان على الطفولة والنقص. فتكون هناك رغبة في التعويض بأي صورة كانت مع التقدم بالسن".

وانطلاقاً من ذلك، تبرز أهمية التمييز بين التعلق الطبيعي بالألعاب لدى بعض والحنين الطبيعي من جهة، والتعلق المرضي بالماضي. فالحنين الطبيعي صحي وشائع ويساعد على استرجاع لحظات جميلة من الماضي، أما ذاك غير المتوازن فهو الذي يجعل الفرد يعيش في الماضي أكثر من الحاضر، مما يؤدي إلى حالات من القلق والاكتئاب.

وتشير سعادة أيضاً إلى أشخاص ممن يهوون تجميع أغراض معينة ومنها ما قد يكون من الألعاب، وقد تكون هذه هواية أو يمكن أن يكون الهدف الكسب المادي بما أن قيمة هذه الأشياء تزيد مع الوقت عندما تصبح نادرة، وقد يحب الإنسان أن يتميز بشخصيته أو بهواية معينة لديه، وهذا ما يمكن أن يشكل وسيلة للتعبير عن الذات عبر اعتماد ملابس عليها شخصيات كرتونية أو من عالم الأطفال أو عبر تجميع ألعاب معينة فيتميز عن غيره بهذه الصورة.

 

وكالات

 

س ع


اضف تعليق