في رحلة استكشافية عام 2015 لدراسة الصخور البركانية في منطقة تويفيلفونتين في شمالي ناميبيا، البلد الصحراوي الواقع في غربي أفريقيا، عثر فريق من الجيولوجيين من جامعة ويست فرجينيا الأميركية على تكوين أرضي غريب، كان عبارة عن صحراء مسطحة متناثرة مع مئات من التلال الطويلة المنعزلة والشديدة الانحدار.
وسرعان ما أدرك الباحثون أن المشهد الوعر الذي عثروا عليه تم تشكيله بواسطة تلال الدروملين، وهي نوع من التلال التي توجد غالبا في الأماكن التي كانت مغطاة بالأنهار الجليدية.
ويتصف تل الدروملين بكونه تلا ممدودا من الرواسب الجليدية عادة يتراوح طوله ما بين كيلومتر وكيلومترين، ويتفاوت حجمه وشكله بحسب أصل نشأة وظروف تشكيل كل تل.
لم تُدرس من قبل
بدأت رحلة البحث الحقيقية عندما أنهى غراهام أندراوس أستاذ الجيولوجيا المساعد بجامعة ويست فيرجينيا وتلميذته سارة براون، دراستهما الميدانية وعادا إلى ديارهما ليشرعا في البحث عن معلومات عن أصل تلال الدروملين في ناميبيا، ليكتشفا أنها لم تُدرس من قبل على الإطلاق.
ووفق الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة "بلوس وان" الأسبوع الماضي، فإن المنطقة المعروفة حاليا بصحراء ناميبيا كانت مغطاة بالجليد في العصور الجيولوجية السحيقة قبل حوالي 300 مليون عام. ويعد هذا الكشف دليلا إضافيا على الطبيعة المتغيرة لكوكب الأرض منذ نشأته التي قدرها العلماء بحوالي 4.5 مليارات عام.
كانت منطقة "تويفيلفونتين" موطنا لتيار جليدي رئيسي يتكون من عدد من المجاري الجليدية ذات مركز واحد وتتدفق باتجاه حافة التيار الجليدي. ويتشابه النهر الجليدي في ناميبيا مع الأنهار الجليدية التي نراها حاليا في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا).
أوضحت دراسة صخور المنطقة التي عثر عليها الفريق البحثي خلال الدراسة الميدانية، أن هذه الصخور تعود إلى فترة زمنية سحيقة كان خلالها الجنوب الأفريقي مغطى بالثلج.
ورغم أنه كان جليا للباحثين منذ زمن طويل أن أجزاء مختلفة من الكرة الأرضية كانت مغطاة بالجليد في فترة ما يصفه العلماء بالعصر الجليدي أو "كرة الثلج"، حيث غطى الجليد الكرة الأرضية بالكامل، لكن لم يسبق لأحد أن ذكر أي شيء عن كيفية تشكل الدروملين أو حتى الإشارة إلى وجودها من الأساس.
يقول أندراوس في تصريحات للجزيرة نت إن للعلماء معلومات بالفعل عن الفترات الجليدية القديمة في جنوب أفريقيا وأميركا الجنوبية، لكن الجديد هنا هو أن الباحثين تعرفوا على تلال حديثة وحافات تعود إلى الفترة الأخيرة التي غطى فيها الجليد هذا الجزء من ناميبيا.
التحمت أفريقيا الجنوبية والقارة القطبية الجنوبية معا كجزء من قارة غندوانا القديمة جنبا إلى جنب مع أميركا الجنوبية والهند وأستراليا (ساينس أليرت)
فبدلا من أن تكون تلالا "عادية" حديثة منحوتة من خلال عوامل التشكيل مثل الجداول أو الانزلاقات الأرضية أو الرياح، تم نحتها بواسطة الجليد المتدفق فوقها وطحنها على الصخر. وتحدث العملية نفسها الآن تحت أنتاركتيكا وغرينلاند والأنهار الجليدية في أماكن أخرى.
ولاحظ الباحثون احتواء الدروملين على أخاديد كبيرة، مما يدل على أن الجليد كان يتحرك بوتيرة سريعة لنحت هذه الأخاديد. وقد أثبتت هذه الأخاديد أول دليل على وجود مجرى جليدي في جنوب أفريقيا في أواخر حقبة الحياة القديمة قبل حوالي 300 مليون سنة.
قارة غندوانا
كما أكدت نتائج الدراسة أن جنوب قارة أفريقيا كان يقع فوق القطب الجنوبي خلال تلك الفترة، إضافة إلى تقديم دليل جديد داعم لفكرة الاتصال القديم بين قارتي أفريقيا وأميركا الجنوبية.
ويوضح أندراوس للجزيرة نت أن أفريقيا الجنوبية والقارة القطبية الجنوبية التحمتا معا كجزء من قارة غندوانا القديمة، جنبا إلى جنب مع أميركا الجنوبية والهند وأستراليا. وخلال تلك الفترة، كانوا يغطون بشكل متكرر جزئيا بالثلج، كما كانوا فوق القطب الجنوبي (لم تتحرك القارة القطبية الجنوبية تقريبا منذ ذلك الوقت).
ويضيف أن الجليد الحالي فوق القارة القطبية الجنوبية لم يبدأ إلا منذ نحو 30 مليون سنة، لذلك لا يرتبط الجليد الحالي في أنتاركتيكا بالجليد القديم في ناميبيا.
ويشير إلى أن نتائج الدراسة الحالية -وغيرها من الدراسات- ينبغي أن تجعل الناس يتوقفون ويفكرون في الكيفية التي يمكن للتغيرات، التي تحدث من صنع الإنسان في المناخ اليوم وبشكل أسرع بكثير من التغييرات التي حدثت في الماضي، أن تؤثر في الأرض.
المصدر: الجزيرة
اضف تعليق