أظهرت دراسة علمية حديثة أن النظام الغذائي الكيتوني (الكيتو) قد يمثل خيارًا واعدًا للتقليل من وتيرة وشدة نوبات الصداع النصفي، مع خفض الاعتماد على الأدوية التقليدية.

البحث، الذي أجراه فريق من العلماء في أستراليا، يسلط الضوء على الصلة الوثيقة بين الاضطرابات الاستقلابية والصداع النصفي المزمن، مشيرًا إلى أن الكيتو يمكن أن يساهم في تحسين استقلاب الطاقة في الدماغ، وهو ما يخفف من قابلية الجهاز العصبي للنوبات.

ويرى الباحثون، أن الصداع النصفي لم يعد يُفهم فقط كاضطراب عصبي، بل كحالة استقلابية مرتبطة بـ"نقص الطاقة" في الدماغ.

فقد أظهرت دراسات منذ ثلاثينيات القرن الماضي أن انخفاض مستويات السكر في الدم قد يحفّز النوبات، بينما يؤدي تصحيح هذا الخلل إلى التخفيف منها.

كما كشفت أبحاث لاحقة في الثمانينيات عن ارتفاع مستويات اللاكتات في الدم والسائل الدماغي الشوكي أثناء النوبات، ما يعزز فرضية وجود نقص في إمدادات الأوكسجين للدماغ.

الأدلة الأحدث تُبرز أن الصداع النصفي يرتبط بجملة من الاضطرابات المتشابكة، بينها خلل الميتوكوندريا، اختلال توازن الميكروبيوم المعوي، الالتهاب العصبي، الإجهاد التأكسدي، ضعف استقلاب الجلوكوز، ومشكلات الوزن، وهي جميعها تضع الدماغ في حالة "استقلابية منخفضة" تجعله أكثر عرضة للأزمات.

ويقوم نظام الكيتو على تقليل الكربوهيدرات وزيادة الدهون مع كمية معتدلة من البروتين، بما يضع الجسم في حالة أقرب إلى الصيام، حيث يُستبدل اعتماد الدماغ على الجلوكوز بوقود آخر هو الأجسام الكيتونية (مثل بيتا-هيدروكسي بوتيرات) التي يمكن أن توفر ما يصل إلى 75% من احتياجاته الطاقية، وهو ما يُعتقد أنه يعالج الخلل الاستقلابي الكامن.

فوائد مثبتة وتجارب متراكمة تشير تقارير سريرية منذ عشرينيات القرن الماضي إلى أن نحو نصف المرضى الذين جُرّب معهم الكيتو أظهروا تحسنًا ملحوظًا في أعراض الصداع النصفي.

وأكدت تجارب حديثة، خصوصًا في إيطاليا، انخفاض عدد أيام الصداع واستخدام الأدوية بين متبعي النظام مقارنة بغيرهم.

لكن الباحثين يحذرون من أن هذه النتائج تحتاج إلى مزيد من التجارب السريرية واسعة النطاق لتأكيد فعاليتها، خاصة وأن بعض الدراسات لم تتفق على آليات القياس أو تصميم البروتوكولات.

محاذير طبية ورغم الفوائد المحتملة، شدد الخبراء على ضرورة اتباع الكيتو تحت إشراف طبي وغذائي لتجنب آثاره الجانبية، التي قد تشمل ما يُعرف بـ"إنفلونزا الكيتو" (الغثيان، الدوار، التعب)، إضافة إلى خطر حصوات الكلى، نقص بعض الفيتامينات، أو انخفاض ضغط الدم.

كما أشارت دراسات حيوانية إلى احتمالية وجود مخاطر قلبية طويلة الأمد، لم تؤكدها بعد بيانات بشرية كافية.

إلى جانب النظام التقليدي، استكشفت الدراسة بدائل مثل المكملات الكيتونية أو الدهون الثلاثية متوسطة السلسلة (MCTs)، باعتبارها وسائل أقل تقييدًا، لكن الأدلة المتوفرة حول فعاليتها ما تزال محدودة.

ويخلص الباحثون إلى أن الكيتو يظل خيارًا واعدًا للوقاية من الصداع النصفي المزمن، غير أن ترسيخ مكانته كخيار علاجي آمن وفعال يتطلب دراسات سريرية أكثر شمولًا وتفصيلًا.

م.ال

اضف تعليق