كتبت أنابيل بورن في تقرير نشرته على موقع بي بي سي، حول المخاطر الصحية ‏الناجمة عن الجلوس لفترات طويلة. وأوضحت بورن أن هذا النمط أصبح جزءا لا ‏يتجزأ من الحياة اليومية للكثيرين، سواء في العمل أو المواصلات أو حتى في ‏المنازل، مشيرةً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة مثل أمراض ‏القلب والسُكري‎.‎

تطرقت الكاتبة إلى دراسة أجراها عالم الوبائيات جيريمي موريس عام 1953، حيث ‏لاحظ أن سائقي الحافلات في لندن كانوا أكثر عرضة للإصابة بمرض القلب التاجي ‏مقارنة بمحصلّي التذاكر في نفس الحافلات. وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن ‏محصلّي التذاكر كانوا يقضون وقتا أطول واقفين ويتحركون بشكل أكثر، بينما كان ‏السائقون يجلسون لفترات طويلة، مما يعزز من احتمال إصابتهم بأمراض القلب‎.‎

ومع انتشار العمل عن بُعد بعد جائحة كورونا، أصبح الجلوس لفترات طويلة سمة ‏أساسية في حياة الكثيرين. فبسبب عدم الحاجة إلى الحركة بين غرف الاجتماعات أو ‏المشي إلى مبرد المياه، يمكن للمرء أن يقضي ساعات طويلة دون أن يتحرك من ‏مقعده. وتُعد هذه السلوكيات المكتبية محفزًا لزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب ‏والأوعية الدموية والسُكري من النوع الثاني، وصولًا إلى الوفاة المبكرة‎.‎

وأشار التقرير إلى أن السلوك المكتبي، الذي يتميز بقلة النشاط البدني، يعرض ‏الأفراد إلى خطر أكبر للإصابة بهذه الأمراض، خاصة إذا لم يمارسوا التمارين ‏البدنية بشكل كافٍ. وتعتمد الفرضية الأساسية على أن الجلوس لفترات طويلة يتسبب ‏في تعطيل وظائف الأوعية الدموية، خاصة في الساقين، مما يقلل من تدفق الدم ‏ويزيد من خطر تراكمه في الأوعية الدموية، مسببا أضرارا صحية خطيرة‎.‎

تأثيرات الجلوس المطول على الصحة

ديفيد دانستان، الباحث في معهد النشاط البدني والتغذية بجامعة ديكن في أستراليا، ‏وضح أن الجلوس لفترات طويلة يؤدي إلى انخفاض النشاط العضلي، والذي بدوره ‏يقلل من طلب الجسم على التمثيل الغذائي ويؤثر سلبًا على تدفق الدم في الساقين، ‏مما قد يؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية وتجمع الدم في ربلة الساق. بالإضافة إلى ‏ذلك، يمكن للجلوس بعد تناول وجبات عالية الدسم أن يفاقم من هذه الأضرار‎.‎

لا تقتصر الآثار السلبية للجلوس المطول على الجهاز الدوري فحسب، بل تمتد ‏لتشمل الجهاز العضلي الهيكلي أيضًا. فالفترات الطويلة من الجلوس تسهم في ‏تقليص قوة العضلات وانخفاض كثافة العظام، إلى جانب زيادة مخاطر الإرهاق ‏الجسدي والتوتر في مكان العمل، والاكتئاب، وحتى التقرحات الناجمة عن الضغط‎.‎

يحذر دانستان، المتخصص في داء السُكري من النوع الثاني، من أن نمط الحياة ‏المكتبية يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات السكر في الدم بعد الوجبات، مما يزيد ‏من احتمالية الإصابة بمضاعفات صحية خطيرة‎.‎

كسر العادات المكتبية السيئة

يشير بنيامين غاردنر، الباحث في علم النفس الاجتماعي بجامعة سري البريطانية، ‏إلى أن العادات المكتبية أصبحت شائعة لأن المجتمع يشجع على ذلك، حيث لا ‏يُضطر الأفراد إلى الحركة ما دام بإمكانهم إنجاز المهام بدون مجهود بدني. وفي ‏دراسة أجراها غاردنر عام 2018، وجد أن الموظفين يشعرون بعدم الارتياح ‏للوقوف أثناء الاجتماعات الرسمية، مما يعكس حاجتنا إلى تغيير العادات الاجتماعية ‏وتشجيع الحركة والنشاط في بيئة العمل‎.‎

ويؤكد التقرير على أهمية اتخاذ خطوات بسيطة لكسر نمط الحياة المكتبية، مثل ‏الوقوف بين فترات الجلوس الطويلة، وتحريك الساقين أثناء الجلوس، واستخدام ‏كراسي قابلة للتعديل. ‏

وأظهرت الدراسات فوائد ملموسة للنهوض والمشي بضع خطوات أو صعود ‏السلالم، خاصة للأشخاص الذين لا يمارسون النشاط البدني بشكل منتظم. كما يمكن ‏للأشخاص المقعدين أو ذوي القيود الحركية الاستفادة من تمارين مصممة خصيصًا ‏لهم لتحسين صحتهم‎.‎

في الختام، على الرغم من أن نمط الحياة المكتبية قد يبدو كنتيجة طبيعية للتقدم ‏التقني، إلا أن التغييرات البسيطة في الروتين اليومي، مثل التمدد لفترات أطول أو ‏النهوض لتحضير كوب من الشاي، يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في تحسين الصحة ‏العامة والحد من الآثار السلبية للجلوس لفترات طويلة‎.‎


اضف تعليق