تشكل سوق الانتقالات دائماً جزءاً أساسياً من عالم كرة القدم، وبعض الصفقات لم تكن مجرد تغييرات في الأسماء أو الأندية، بل تحولت إلى محطات فاصلة غيرت وجه اللعبة بالكامل، ونقلت أندية من أسفل التصنيف إلى أعلاه وأسهم بعضها في تطور بطولة كاملة.

ولم يكن تأثير بعضها مقتصراً على الملاعب فقط، بل امتد إلى الجماهير والإعلام والناحية التسويقية للنادي وزيادة القيمة السوقية، مما يسهم في بناء فريق قوي.

فمن انتقال لاعب شاب يسعى لإثبات نفسه، إلى نجم عالمي يشعل المنافسة في الدوريات الكبرى، جاءت بعض الصفقات لتقلب الموازين، وتعيد رسم خريطة البطولات، منذ بداية القرن الماضي، صفقات رسمت خريطة المنافسات في قارات العالم المختلفة، والتي أحدثت ثورة في عالم كرة القدم.

دي ستيفانو وصراع إسباني

وتعد من أبرز الصفقات في القرن الماضي هي انتقال ألفريدو دي ستيفانو إلى ريال مدريد عام 1953 والذي أسهم بعد ذلك في الكثير من البطولات للنادي الملكي، إذ كانت من أكثر الصفقات إثارة للجدل في تاريخ كرة القدم، ليس فقط بسبب الصراع الشرس بين ريال مدريد وبرشلونة على ضمه، بل أيضاً بسبب التدخلات السياسية التي أحاطت بها، بعد تألقه مع نادي ميليوناريوس الكولومبي واحتفظ ناديه الأصلي ريفر بليت بجزء من حقوقه، وهو ما تسبب في تعقيد المفاوضات، برشلونة توصل لاتفاق مع ريفر بليت، في حين تفاوض ريال مدريد مباشرة مع النادي الكولومبي، لتدخل الصفقة في مأزق انتهى بتدخل السلطات الإسبانية، التي اقترحت حلاً غريباً يقضي بأن يلعب النجم الأرجنتيني موسمين لكل ناد، لكن برشلونة رفض هذا المقترح وانسحب، ليظفر ريال مدريد بالصفقة.

بانضمام دي ستيفانو، تغير وجه ريال مدريد بالكامل، إذ قاد الفريق إلى فترة ذهبية توج خلالها الفريق بخمس بطولات متتالية في دوري أبطال أوروبا نسخ 1956 و1957 و1958 و1959 و1960، وثماني بطولات دوري محلي، ولم تكن الصفقة مجرد تعزيز للفريق الأبيض، بل كانت نقطة تحوّل في تاريخ كرة القدم الأوروبية، انعكس وقتها قيمتها على مشوار ريال مدريد وبدايته القوية على المستوى القاري.

وظلت أصداء صفقة دي ستيفانو حتى عام 2000 عندما خطف ريال مدريد النجم الأول في برشلونة آنذاك، البرتغالي لويس فيغو، في صفقة كواليسها تعكس قيمة الصفقة والتي زادت العداوة بين الفريقين في الفترة التي أعقبتها.

واعتبرت جماهير برشلونة انتقال فيغو إلى ريال مدريد في خطوة اعتبرها الكثيرون خيانة كروية، إذ جاءت بعد فوز فلورنتينو بيريز برئاسة ريال مدريد، حيث وعد بالتعاقد مع اللاعب البرتغالي كجزء من مشروعه لإعادة هيبة النادي، وبالفعل دفع قيمة الشرط الجزائي في عقده والبالغة 60 مليون يورو، وهو رقم قياسي آنذاك، ليصبح اللاعب أولى صفقات "الجلاكتيكوس" في حقبة جديدة.

رد فعل جماهير برشلونة كان غير مسبوق، إذ تحول فيغو من أحد رموز الفريق إلى عدو حقيقي، وظهر الغضب في أول عودة له إلى "كامب نو" بقميص ريال مدريد، عندما قذفت نحوه بعض الأشياء من الجماهير، في واحدة من أكثر اللحظات توتراً في تاريخ مباريات الكلاسيكو.

لم تكن الصفقة مجرد انتقال لاعب، بل كانت زلزالاً غير موازين القوى، وأشعل نار العداء بين الناديين بدرجة غير مسبوقة، لتبقى محفورة في ذاكرة كرة القدم.

وتوج فيغو مع ريال مدريد بعدها بعدة ألقاب أبرزها ببطولتي دوري ومثلهم في كأس السوبر الإسبانية، توج بدوري أبطال أوروبا موسم 2001 – 2002، بجانب حصد الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم عام 2000.

وأصبحت صفقة فيغو علامة فارقة في تاريخ الكرة الإسبانية حتى وقتنا هذا ومقياساً للتنافس على الصفقات في العالم أجمع.

نجح نادي برشلونة عام 2003، في التعاقد مع واحدة من أهم الصفقات في تاريخه، بضم النجم البرازيلي رونالدينيو قادماً من باريس سان جيرمان، والتي أصبحت علامة فارقة في تاريخ النادي الإسباني.

الصفقة كانت صراعاً بين برشلونة ومانشستر يونايتد، لكن الكلمة الأخيرة كانت للنادي الكتالوني، الذي تعاقد مع اللاعب بمقابل مادي يقارب 30 مليون يورو (33.87 مليون دولار)، وكان يعاني برشلونة قبل وصول اللاعب البرازيلي من تراجع على المستوى المحلي والقاري، وجاء النجم البرازيلي ليعيد البريق إلى ملعب "كامب نو" مرة أخرى.

على مدار خمسة مواسم، أصبح رونالدينيو رمزاً للمهارة الكروية ليس داخل برشلونة فقط، بل أصبح مثالاً أعلى في العالم أجمع، وأسهم في عودة برشلونة لمنصات التتويج، حيث فاز مع الفريق بلقب دوري أبطال أوروبا موسم 2005-2006، إلى جانب لقبين في الدوري الإسباني 2004-2005 و2005-2006، وكأس السوبر الإسباني مرتين، لم يكن تأثيره مقتصراً على البطولات فقط، بل غير صورة برشلونة عالمياً، ومهد الطريق لجيل جديد من النجوم، أبرزهم ليونيل ميسي، الذي كثيراً ما صرح بأن رونالدينيو كان الملهم الأول له في بداياته.

كانت صفقة انتقال زين الدين زيدان إلى ريال مدريد عام 2001 ضمن صفقات "الجلاكتيكوس"، لحظة فارقة في عالم كرة القدم إذ انتقل بمقابل مادي وصل إلى 77.5 مليون يورو (87.52 مليون دولار).

أصبحت صفقة انتقال زيدان إلى ريال مدريد هي الأغلى في العالم آنذاك، ضمن الصفقات الكبيرة التي أبرمها رئيس النادي فلورنتينو بيريز، والذي كان يرغب في تكوين فريق قوي للمنافسة على جميع البطولات، وأن يستحوذ على أفضل نجوم العالم في فريق واحد.

انتقال زيدان لم يكن مجرد صفقة كبرى فقط، ولكن كان تدعيم فني قوي وخطوة عززت مكانة النادي آنذاك.

ونجح زيدان في قيادة ريال مدريد للتتويج بدوري أبطال أوروبا 2001-2002، بعدما سجل هدفاً تاريخياً في النهائي أمام باير ليفركوزن، يُعد من أجمل الأهداف في تاريخ البطولة، وراسخاً حتى الآن في أذهان جماهير كرة القدم.

وتوج زيدان بلقب الدوري الإسباني وكأس السوبر المحلي والأوروبي، إلى جانب كأس العالم للأندية، مع ترك بصمة فنية كبيرة جعلته أسطورة من أساطير النادي الإسباني حتى الآن بخاصة بعد أن حقق إنجازات في منصب المدير الفني على مدار ولايتين.

نجح نادي باريس سان جيرمان الفرنسي عام 2017 خلال فترة الانتقالات الصيفية، في التعاقد مع النجم البرازيلي نيمار دا سيلفا قادماً من برشلونة، في صفقة هي الأغلى في تاريخ كرة القدم حتى الآن، بعد أن دفع النادي الفرنسي قيمة الشرط الجزائي في عقد اللاعب والبالغة 222 مليون يورو (250.76 مليون دولار).

أثارت الصفقة جدلاً واسعاً ليس فقط لحجم المقابل المادي، ولكنها بسبب أن نيمار واحد من ثلاثي هجومي قوي كان يقود برشلونة للبطولات، بجوار الثنائي لويس سواريز وليونيل ميسي.

وخلال مسيرة البرازيلي مع برشلونة، قدّم نيمار واحداً من أفضل مستوياته، وأسهم في فترة ذهبية للفريق توج مع الفريق بلقب دوري أبطال أوروبا موسم 2014-2015، كما فاز بلقب الدوري الإسباني مرتين (2014-2015، 2015-2016)، وكأس ملك إسبانيا ثلاث مرات، إلى جانب كأس العالم للأندية والسوبر الإسباني.

 

وكالات

س ع


اضف تعليق