بعد مرور 100 يوم فقط على عودته إلى البيت الأبيض، قاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اقتصاد بلاده، الذي لطالما اعتُبر ملاذاً مالياً آمناً للعالم، نحو حافة أزمة اقتصادية عميقة، مما أثار مخاوف متزايدة بين الناخبين، وأضرّ بسمعة الولايات المتحدة على الساحة الدولية.

ووفق تقرير نشرته شبكة "سي إن إن"، فقد كان الأمريكيون في أمسّ الحاجة إلى الإغاثة من تصاعد أسعار المواد الغذائية مع اقتراب انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

ومع تزايد الحنين إلى حقبة ما قبل الجائحة خلال الولاية الأولى لترامب، منح الناخبون الرئيس ثقتهم من جديد، على أمل استعادة الرخاء الاقتصادي.

إلا أن الرئيس تبنّى، بشكل منفرد، سياسات من المتوقع أن تؤدي إلى تفاقم ارتفاع الأسعار ونقص المعروض من السلع، ما أدخل الشركات الصغيرة والكبيرة في حالة من الارتباك، وأعاد شبح الركود إلى الواجهة.

وأشار التقرير إلى أن ترامب يسعى لتنفيذ إصلاح جذري غير مسبوق للاقتصاد الأمريكي والعالمي، مرتكزاً على استخدام التعريفات الجمركية كسلاح اقتصادي لإعادة خلق ما وصفه بـ"العصر الذهبي" الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر.

ورغم تنامي المخاوف من تداعيات هذه السياسات، بدا الرئيس غير مبالٍ بتحذيرات رجال الأعمال والمواطنين، الذين بدأوا يلمسون الآثار السلبية على حياتهم اليومية.

وبحسب بيانات صادرة حديثاً، سجلت ثقة المستهلكين تراجعاً حاداً، لتصل في أبريل (نيسان) إلى رابع أدنى مستوى لها منذ عام 1952، مما يعزز المؤشرات على انزلاق الاقتصاد نحو الركود.

ومثل العديد من قراراته منذ عودته إلى السلطة، أصبحت سياسة ترامب التجارية موضع جدل قانوني ودستوري، لا سيما عقب إعلانه حالة طوارئ وطنية بشكل أحادي، لإطلاق العنان لصلاحياته في شن حرب تعريفة جمركية على الدول الأخرى.

وتعكس هذه الخطوات قناعة راسخة لدى ترامب بأن الولايات المتحدة كانت ضحية "نهب اقتصادي" من قبل شركائها التجاريين، وهو ما دفعه إلى تفكيك النظام السياسي والاقتصادي العالمي الذي رعته واشنطن لأكثر من ثمانية عقود، واستبداله بسياسات قائمة على المفاوضات الثنائية

ورصد التقرير أن الرئيس، بدافع من اعتقاده بامتلاكه رؤية اقتصادية متفوقة على خبراء الاقتصاد التقليديين، يواصل تجاهل النصائح الفنية، مما يعمّق التوترات الاقتصادية ويزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق.

ووصف التقرير الأداء الاقتصادي خلال الفترة القصيرة الماضية بأنه مثّل صدمة للكثير من الأمريكيين الذين كانوا يأملون في تحسن سريع للأوضاع.

فمنذ فوزه بأغلبية الأصوات الشعبية في انتخابات 2024، شهد ترامب انخفاضاً حاداً في نسبة تأييده، التي تراجعت إلى 41%، وهي أدنى نسبة لأي رئيس خلال أول 100 يوم من ولايته منذ سبعين عاماً.

كما سجلت معدلات الرضا عن سياساته الاقتصادية أدنى مستوياتها، مع تأييد 39% فقط لطريقته في إدارة الاقتصاد، وانخفاض الدعم لسياساته الجمركية إلى 35%.

ورغم التدهور الواضح في شعبيته، تصر الإدارة على أن السياسات الاقتصادية للرئيس هي جزء من خطة مدروسة تهدف إلى تحقيق نتائج ملموسة على المدى الطويل.

وفي حال تمكن ترامب من تحسين شروط التجارة الأمريكية عبر هذه الاستراتيجية، فسوف يتحدى بذلك الإجماع الاقتصادي الراسخ لعقود.

أما إذا قادت سياساته إلى ركود اقتصادي محلي وعالمي، فلن يجد لنفسه ملاذاً سياسياً آمناً، بعد أن أصبح تجسيداً حياً لنهجه الاقتصادي القائم على التعريفات الجمركية.

م.ال


اضف تعليق