قبل نحو أسبوع تمكَّن لاعب الكريكيت -اللعبة الشهيرة في شبه القارة الهندية- عمران خان، من الفوز في الانتخابات الباكستانية، مما فتح باب التساؤل عن مصير السياسة الخارجية لدولة مثل باكستان، التي تتمتع بعلاقات كبيرة مع السعودية، في ظلِّ رغبة خان في التقارب مع إيران.
ويرى محللون أن الحل الأمثل لخان في هذا التوقيت المضطرب هو بقاء الوضع القائم الذي تركه له سابقوه، خاصة فيما يتعلق بالتقرب نحو إيران، في ظلِّ رغبة كبيرة أميركة وعربية في حصار طهران.
وتساءل موقع Middle East Eye البريطاني عن مصير السياسة الخارجية لباكستان، بعد فوز خان الأسبوع الماضي.
ويُعد عمران خان سياسياً شعبوياً، ركَّزت حملته الانتخابية على السياسة الداخلية والمعركة ضد الفساد.
وتفتقر باكستان إلى سياسة خارجية قائمة تجاه الشرق الأوسط منذ فترة طويلة.
فهل يمكن لعمران خان تحقيق ما فشل فيه الآخرون؟ وحصل الجميع على لمحاتٍ عن موقفه الدولي أثناء خطابه المتلفز الذي وجَّهه للأمة، والذي أدلى فيه برأيه بخصوص التنافس السعودي-الإيراني، فقال: "نريد تحسين العلاقات مع إيران، والمملكة العربية السعودية صديقٌ وقف بجانبا دوماً في الأوقات الصعبة، سيكون هدفنا هو أنَّه أيَّاً كان ما يمكننا فعله لتحقيق المصالحة في الشرق الأوسط، فإنَّنا نريد الاضطلاع بهذا الدور. وتلك التوترات وتلك المعركة بين جارتينا سنحاول التقريب بينهما".
تحقيق التوازن
وبحسب الموقع البريطاني، فإن الواقع على الأرض مختلفٌ تماماً، إذ إنَّ باكستان عملياً عالِقة في معركة شدّ حبل بين طهران والرياض. فقال الصحفي والمحلل جيمس دورسي: "تحاول باكستان تحقيق التوازن منذ وقتٍ طويل بطرقٍ عدة، وهذا توازنٌ صعب. فالنفوذ السعودي ليس حكومياً فقط، بل مجتمعياً أيضاً. باكستان في الأساس في وضعٍ صعب جداً".
إذ حصل مئات الآلاف من الباكستانيين على عمل في صناعة البناء السعودية الواسعة، والوظائف الأخرى منخفضة الأجور.
وتتمتع باكستان تاريخياً بارتباط وثيق بالمملكة، أصقله البريطانيون والأميركيون. ويُنظَر إلى باكستان على أنَّها تابعة بصورة مُبالغ فيها، في ظل تقديم المملكة عدداً كبيراً من خطط الإنقاذ، بالإضافة إلى الاستثمار في برامج الأسلحة النووية الباكستانية.
والكيفية التي قد تُرسي بها باكستان شكلاً ما من التوازن اليوم بين البلدين القويين، تعتمد على قدرتها على المناورة الدبلوماسية، إذ هنَّأ كلٌّ من المسؤولين السعوديين والإماراتيين خان على الفوز، ما يشير إلى أنَّ باكستان -بموقعها الاستراتيجي على حدود إيران- تظل مهمة للبلدان الخليجية.
وفي الوقت نفسه، أرسلت إيران خطاباً مفتوحاً تطلب فيه تعزيز التعاون مع حكومة خان الجديدة. وقال مايكل كوغلمان، نائب مدير مركز ويلسون والمساعد البارز في شؤون جنوب آسيا بالمركز: "أحد العناصر الأكثر مفاجأةً في رسالة خان بشأن السياسة الخارجية هي مشاعره العلنية المؤيدة لإيران. لقد انقضى وقتٌ طويل منذ عبَّر زعيمٌ باكستاني كبير عن مثل هذا التعاطف تجاه إيران".
وأشار عارف رفيق، وهو زميل غير مقيم بمعهد الشرق الأوسط، إلى أنَّ خان كان معارضاً بارزاً للانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن.
العلاقات الثنائية
وباكستان في طريقها للسعي للحصول على خطة إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وهي الخطة التي أوصت الولايات المتحدة بالفعل برفضها. وإذا ما وُجِدَ أنَّ باكستان تقيم علاقات ثنائية قوية مع إيران، فلن يزيد ذلك الوضع إلا تعقيداً. وقال رفيق، إنَّ القروض والاستثمارات السعودية ضرورية في خضمّ الحالة غير المستقرة للاقتصاد الباكستاني.
ونشَّط البنك الإسلامي للتنمية ومقره السعودية مؤخراً تسهيلات تمويل نفطية بقيمة 4.5 مليار دولار لصالح باكستان، ويصف رفيق باكستان بأنَّها "تمر بمرحلة حرجة، والقرض المدعوم سعودياً ضروري". لكنَّ دورسي يقول إنَّ مثل هذه القروض "تُمثِّل حلولاً تضميدية، وتأتي بثمنٍ باهظ".
وبالنظر إلى اقتصاد باكستان المتعثر، هل هناك مجرد احتمال أن يبقى خان محايداً سياسياً؟ السياسة الباكستانية معتمدة على المؤسسة العسكرية في البلاد، التي ضغطت لصالح انتصار خان ومتحالفة بقوة مع السعودية.
بل ووافق قائدٌ سابق في الجيش على قيادة "الناتو الإسلامي"، وهو تحالف عسكري تقوده السعودية. في الوقت نفسه، هناك ادعاءات بأنَّ السعودية زادت تمويلها للمعاهد الدينية في إقليم بلوشستان، التي يُزعَم أنَّها تُستخدَم كملاذات للمقاتلين المعادين لإيران، بحسب الموقع البريطاني.
المؤسسة العسكرية
وينظر الكثيرون إلى هذا الإجراء الرامي للتصدي للتمرد الشيعي في المناطق الحدودية في بلوشستان، باعتباره يحظى بموافقة ضمنية من المؤسسة العسكرية، التي تُعتَبَر صانع القرار الرئيسي في السياسة الخارجية. ووفقاً لرفيق، باكستان عالقة بين "القوتين ذواتي الثقل في العالم الإسلامي".
ولا بد لإسلام آباد أن تكون حاسمة، وتدرك وضعها الاستراتيجي القوي. قال كوغلمان: "حين تتأزم الأمور، سيظل خان بهدوء في المعسكر السعودي، تماماً مثلما فعل كل مَن سبقوه".
وفيما تواصل الولايات المتحدة تفكيك الاتفاق الإيراني النووي، فإنَّ أفضل خطوة لخان في الوقت الراهن ربما تكون الحفاظ على الوضع القائم. انتهى/خ.
اضف تعليق