شهدت مدينة غرونوبل الفرنسية، جنوب شرقي البلاد، يوم الأربعاء الماضي، مسيرة بيضاء سار خلالها أكثر من ألف شخص تنديدا بتزايد ظاهرة أعمال العنف في شوارع المدينة.
وأتت المسيرة بعد مقتل شاب من المدينة يدعى أدريان في شهر تموز/ يوليو الماضي حيث تم طعنه من قبل مجموعة من الشباب حتى الموت بعد أن حاول مساعدة صديقه الذي كان يتعرض للضرب.
وحمل أبناء المدينة خلال مسيرتهم البيضاء يافطات نددوا فيها بتزايد ظاهرة أعمال العنف في الشوارع كما طالبوا الدولة بأن تهتم أكثر بأمن مدينتهم التي أمست من أخطر المدن بعد مدينة مرسيليا الجنوبية.
ومع تصاعد وتيرة أعمال العنف في عدة مدن فرنسية، علا صوت رؤساء البلديات الذين طالبوا الدولة بمزيد من الموارد والإمكانيات لمواجهة الجريمة.
من جهته صرح رئيس بلدية منطقة مايلان المتاخمة لمدينة غرونوبل، جان فيليب بلان، يوم الأربعاء الماضي لإذاعة "فرانس بلو" الفرنسية قائلا بأن ما تؤمنه وزارة الداخلية من وسائل لمكافحة الجريمة في مدينة غرونوبل "غير كافية بتاتا"، كما ناشد وزير الداخلية، جيرار كولومب، العمل على إرسال عناصر شرطة إضافيين الى المدن التي تتعرض لعنف في الشوارع.
هذا وقد دفعت أعمال العنف المتكررة رؤساء البلديات إلى الاعتراض على سياسات الحكومة التي اعتبروها بأنها تهمش المدن والبلدات الصغيرة على حساب مركزية شديدة حول العاصمة باريس.
وتجدر الإشارة بأن شهر يوليو الماضي شهد عملية قتل مماثلة لتلك التي تعرض لها الشاب أدريان حيث توفي شاب آخر في مدينة رين شمال غرب البلاد يدعى "دوريان" بعد تعرضه للضرب المبرح على يد مجموعة من الشباب.
وزادت التساؤلات في الفترة الأخيرة عما إذا كان فعلا المجتمع الفرنسي يتجه أكثر وأكثر نحو العنف وقد نال هذا الموضوع حيزا واسعا في النقاشات على شاشات التلفزة وفي الصحف وقد كان آخرها حلقة في برنامج سياسي على قناة "فرانس5" بثت يوم الخميس ليلا تحت عنوان "ثقافة العنف".
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية في مقابلةً مع أمين عام نقابة "آليانس" للشرطة أوليفييه أوركو قوله: "إذا أخذنا فقط شهري آب/ أغسطس وتموز/ يوليو الأخيرين بعين الاعتبار فنحن بالفعل نشهد موجة عنف خطيرة. لكن برأيي ارتفاع وتيرة العنف يأتي في إطار أوسع من ذلك ففرنسا تصبح يوما بعد يوم أكثر عنفا".
هذا وتظهر الإحصاءات الأخيرة بأن عدد عمليات الطعن في الشوارع ازدادت في السنوات الأخيرة وقد ارتفعت بنسبة 4 بالمئة خلال عام 2017 بحسب دراسة صادرة عن مركز الجرائم والجنح المسجلة من قبل الشرطة الفرنسية.
من جهته صرح أمين عام نقابة "آليانس" للشرطة عن منطقة الشمال، برونو نويل، قائلا بأن "موجة العنف والاعتداءات التي تشهدها فرنسا هذا الصيف أكبر من السنوات الماضية".
هذا وقد أعرب عدد من الصحافيين الفرنسيين المختصين بالجرائم عن قلقهم من تزايد ظاهرة "العنف من دون مقابل".
وقد تطرقت قناة "فرانس5" الخميس للموضوع خلال الحلقة التي بثتها تحت عنوان "ثقافة العنف" لهذا الموضوع حيث تحدث الحاضرون عن تزايد وتيرة أعمال العنف التي يكون سببها أحيانا ساذحا أو ناتجا عن شجار عادي بين مجموعة شبان، أي خارج نطاق العنف الذي ينجم عن عمليات السرقة أو تصفية الحسابات بين عصابات المخدرات ولهذا السبب تم إطلاق اسم "العنف من دون مقابل" عليها.
هذا ويخشى البعض أن يؤدي ارتفاع وتيرة أعمال العنف الى ردة فعل لدى قسم من الشعب الفرنسي تتمثل بارتفاع العنصرية علما بأن عدد كبير من الذين يقومون بأعمال العنف يأتون غالبا من الضواحي المهمشة التي يقطنها الفرنسيون من أصول عربية شمال أفريقية وأفريقية.
وفي سياق متصل بالمشاكل التي تعاني منها المدن والبلدات الصغيرة والصعوبات التي يواجهها رؤساء البلدية في مناطقهم، نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في افتتاحيتها امس الجمعة مقالا تحقيقيا مطولا تناولت فيه ظاهرة "استقالة رؤساء البلديات من مناصبهم" نتيجة الصعوبات الجمة التي يواجهونها.
وقالت الصحيفة بأن عدد رؤساء البلديات الذين استقالوا من مناصبهم منذ انتخابات البلدية عام 2014 بلغ 1021 شخصا.
وتشير الصحيفة بأن عدد الاستقالات ازداد بشكل ملحوظ منذ بدء ولاية الرئيس الحالي إمانويل ماكرون حيث استقل 386 رئيس بلدية منذ بدء ولاية الرئيس الشاب شهر أيار/ مايو عام 2017.
أما الأسباب الرئيسية التي تدفع برؤساء البلديات لتقديم استقالتهم فهي: أولا نقص الموازنة؛ حيث يشتكي عدد كبير جدا من رؤساء البلديات من نقص الأموال التي تؤمنها الدولة لبلداتهم وللبنى التحتية فيها.
ثانيا نقص الاستقلالية؛ عدد من رؤساء البلديات بات يشعر بالعجز أمام مواجهة الصعوبات مع انخفاض الصلاحيات التي يتمتعون بها لاتخاذ القرارات المتعلقة ببلداتهم.
وثالثا، التعقيدات الإدارية والهرمية التي باتت تشكل عبئا على بعض رؤساء البلديات الذين يشتكون من بطء في المعاملات الإدارية.
ويأتي التحقيق الذي نشرته صحيفة "لوفيغارو" مع ازدياد الانتقادات التي تتعرض لها حكومة الرئيس إمانويل ماكرون والتي تتهمها المعارضة بتهميش المناطق الريفية والبلدات الصغيرة على حساب المنطقة الباريسية حيث المركزية الشديدة. انتهى/خ.
اضف تعليق