البيت الأبيض بحاجة إلى أداء ضعيف للدولار الأمريكي حتى يتمكن من تحقيق سياسته التجارية، لأن التوفيق بين رغبات البيت الأبيض في تضييق العجز التجاري لزيادة التنافسية وقوة الدولار يبدو أمراً صعباً.
وفي تحليل نشرته شركة "أي.إن.جي" تقول إنه مع ذلك فإن الدولار الأمريكي يسجل مكاسب قوية منذ أبريل الماضي على الرغم من التعريفات الجمركية التي تطبقها الولايات المتحدة على الشركاء التجاريين منذ بداية العام.
وبالتأكيد فإن قوة الورقة الخضراء أمام اليوان لفتت انتباه الإدارة الأمريكية، فهي لا تتوافق مع أجندتهم التجارية الراهنة، ومع تعليقات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة والمتكررة بشأن رفض وضع الدولار الراهن فإن ذلك يبرهن على أن أداء العملة الأمريكية وصل إلى أقصى مرحلة في قدرة البيت الأبيض على التحمل.
ويسرد التقرير 5 طرق قد يستعين بها البيت الأبيض الفترة المقبلة لخفض أداء عملة االاحتياطي الأولى حول العالم.
تدخل وزارة الخزانة في سوق العملة (احتمال ضعيف – تأثير محدود)
الطريقة الأولى والأكثر مباشرة التي قد يلجأ إليها ترامب وإدارته في إضعاف الدولار هي منح أوامر لوزارة الخزانة الأمريكية عبر بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية نيويورك بتدبير تدخلات في تداول النقد الأجنبي.
وسيتسبب ذلك في جعل بيع الدولار وشراء العملات الأجنبية مسؤولية صندوق ضمان التسوية والتي تسمح للوزارة الخزانة بشراء الذهب والنقد الأجنبي وذلك بعد موافقة رئيس الجهورية.
وبذلك فإن الصندوق يمنح إدارة ترامب السلطة لشراء وبيع النقد الأجنبي دون الحاجة لأي موافقة مسبقة من الكونجرس.
لكن الأهم من ذلك هل يستطيع ترامب أن ينفذ هذا المقترح؟
التدخلات في التداول الأجنبي من جانب واحد وهي السلطات الأمريكية سيكون مثيراً للمشاكل ليس فقط داخل واشنطن لكن خارجياً، حيث كانت المرة الأخيرة التي تدخلت فيها السلطات الأمريكية لإضعاف الدولار في بداية التسعينات.
والعقبة الأهم أمام تلك الاستراتيجية للتدخل هي قنوات وميكانزم تلك الخطة، حيث إنه بالنسبة لتدخلات صندوق ضمان التسوية والمتضمنة شراء أصول النقد الأجنبي والتي كانت على نطاق واسع تاريخياً باليورو واليوان فإنه يجب بيع أصول الدولار الأمريكي في ميزانية الصندوق.
وبحلول 31 يوليو 2018 فإنه كان هناك فقط نحو 22.27 مليار دولار من الأصول بحوزة ميزانية الصندوق وجميعها من الديون الحكومية الأمريكية.
وحتى لو أرادت الخزانة الأمريكية توجيه كافة تلك الأصول لشراء أصول العملات الأجنبية فإن التأثير المباشر على سوق العملة الأمريكية التي تبلغ نسبته تداوله اليومية 4 تريليونات دولار سيكون خافت إلى حد ما.
وبالنسبة لتجاوز القيود الفنية لدى صندوق ضمان التسوية فقد يتم ذلك عبر اعتبار التدخل في النقد الأجنبي واجباً وطنياً، أما الحيلة الثانية فقد تكون تبني الإدارة الأمريكية سياسة تسعى نحو زيادة حيازة الولايات المتحدة للاحتياطي من النقد الأجنبي.
ولا يبدو أي تدخل أحادي الجانب من جانب السلطات الأمريكية سيكون له تأثير مستمر على إضعاف الدولار على المدى الطويل؛ حيث إن أساسات الاقتصاد سوف تسود في النهاية وستجد الإدارة صعوبة في التغلب على هذه الحقيقة.
تغيير وصاية الفيدرالي الأمريكي (احتمال ضعيف – تأثير قوي)
الإدارة الأمريكية قد تنجح أكثر في محاربة إحدى الأسباب القوية لارتفاع الدولار وهي معدل الفائدة المرتفع؛ حيث إن أكثر الطرق فعالية لإضعاف الدولار في الوقت الراهن تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي بطريقة تجبره على تبني مسار أكثر هدوءاً تجاه زيادة معدل الفائدة.
في الوقت نفسه فإن هذا السيناريو يبدو بعيد المنال؛ حيث إنه من الصعب يمرر الكونجرس أي تغيير في وصاية الفيدرالي ما يُغير من مستهدف البنك للتضخم بزيادته.
وعلى الرغم من ذلك فإن أي انتقاد إضافي قد يوجهه البيت الأبيض إلى سياسة الفيدرالي الراهنة قد يخلق نتيجتين غير مباشرتين.
الأولى على المدى القصير وهي ممارسة الفيدرالي مزيداً من الحذر كلما اقترب موعد رفع معدل الفائدة، أما الثانية فهو جعل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة تعيد التفكير في إطارها للسياسة النقدية على المدى الطويل.
وفي ظل غياب عامل القوة في تغيير قواعد اللعبة للاحتياطي الفيدرالي فإن الفارق بين معدلات الفائدة في الولايات المتحدة من جانب والاقتصادات المتقدمة في جهة أخرى سيبقى أحد المحركات الرئيسية لصعود الدولار.
محاولات البيت الأبيض لإضعف الدولار (احتمالات قوية - تأثير متباين)
نظراً للصعوبات التشريعية التي تضمن سياسة نشطة تضعف أداء الدولار فإن السيناريو الأكثر احتمالاً لرؤيته من جانب الرئيس الأمريكي هو استمرار تعليقاته المستمرة عن الدولار ومعدل الفائدة.
وفي سوق محفوفة بالمخاطر ستكون للتعليقات السلبية على الدولار الأمريكي من جانب ترامب تأثير ضئيل وربما غير موجود على المدى القصير.
ولكن قد ينجح هذا الخيار في حال تزامن هذه التعليقات مع عوامل اقتصادية أساسية تشير أيضاً إلى ضعف الدولار مثلما حدث مؤخراً في بعض مؤشرات النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة.
والبيت الأبيض قد يكون أكثر فعالية وقوة على المدى القصير في حالة قيام ترامب بالتعاون مع وزير خزانته على إنهاء رسمي لسياسة الدولار القوي، وإن كانت فرصة حدوث ذلك ضئيلة قبيل الانتخابات النصفية حيث قد تتسبب في ردود فعل داخل الكونجرس والحزب الجمهوري.
ومع ذلك فإن الإنهاء الرسمي من جانب البيت الأبيض لسياسة الدولار القوي قد تمثل تحولاً واضحاً في ديناميكيات الدولار، فهي قد تقلص الحافز لدى مستثمري المال الحقيقي للاحتفاظ باحتياطات زائدة من الدولار الأمريكي.
الضغط على الشركاء التجاريين لتقوية عملاتهم (احتمال مرتفع – تأثير متوسط)
تعد تلك الطريقة سهلة وفعّالة، حيث يمكن إضعاف الدولار عبر دفع الدول الأخرى بتقيوة عملاتها المحلية.
وتم البدء بالفعل في تنفيذ هذه الاستراتيجية حينما تم ربط العملة في الاتفاق التجاري الحديث بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
ومن المتوقع أن تُستخدم تلك الطريقة على نطاق أوسع الفترة المقبلة، حيث تضع واشنطن رفع قيمة اليوان من ضمن شروطها للتفاوض مع بكين الفترة المقبل.
صندوق الثروة السيادية الأمريكية (احتمالات ضعيف للغاية – تأثير متوسط)
إحدى الأفكار السهلة أيضاً لدعم فكرة إضعاف الدولار هي تأسيس صندوق ثروة خاص بالولايات المتحدة، وتساعد تلك الفكرة في شراء منتظم للعملات الأجنبية.
وعادة ما يتم إنشاء تلك الصناديق داخل الدول التي تدير فوائض ضخمة بالحساب الجاري، وهو أمر مخالف لحقيقة أن الولايات المتحدة تسجل عجزاً تجارياً ضخماً.
ومن شأن توجيه الرئيس الأمريكي ببناء احتياطيات من العملات الأجنبية من أجل رسملة صندوق ثروة سيادي في المستقبل أن يقلص الاتجاه الصاعد للدولار.انتهى/س
اضف تعليق