لم تعد التبعية السياسية للولايات المتحدة أكبر هموم الاتحاد الأوروبي وأعضائه الكبار، لكن بات من الواضح أن التخلص من التبعية العسكرية أكثر ما يشغل بال فرنسا وألمانيا، باعتبار أن الصفقات الضخمة في هذا الصدد يمكن أن تكون من العوامل الرئيسية لزيادة الدخول الاقتصادية. وتمثل بعض القيود التي تضعها واشنطن على بعض الصناعات العسكرية في دول أوروبا حجر عثرة أمام طريقها لإبرام مزيد من الصفقات العسكرية مع مختلف الدول حول العالم، وهو الأمر الذي تسعى باريس خلال الفترة الماضية لإنهائه بشكل تام. فرنسا التي ارتبط تسليح بعض مقاتلاتها مثل الرافال بالصواريخ الأمريكية بعيدة المدى والموجهة بالليزر، تسعى إلى تقليل اعتمادها على موافقة الولايات المتحدة على صادرات الأسلحة الفرنسية، إذ تحظر واشنطن الحصول على تصريح لمكون أمريكي الصنع في صاروخ كروز في الطائرات الفرنسية دون الحصول على إذن من الكونجرس، وهو الشرط الذي يمنع بيع طائرات مقاتلة إضافية من طراز رافال إلى عدد من الدول. ووفقا لما ورد في مجلة "ديفينس نيوز" الأمريكية المتخصصة في الشؤون العسكرية، فإن تدخل الكونجرس في هذا الأمر أحد الأسباب التي قد تتسبب في تعطيل الصفقات العسكرية الضخمة لشراء مقاتلات الرافال، وهو الأمر الذي بدا معرقلا لتوسيع عملية تسويق الطائرة الفرنسية في الأسواق العالمية خلال الأشهر القليلة الماضية. من جانبها، ترى باريس أن تلك المعوقات تحول دون الاستفادة بمصدر ضخم للدخول الاقتصادية الناتجة عن الصفقات العسكرية. ماكرون يخسر رهانه على الاقتصاد الفرنسي وفي هذا السياق، أكدت وزيرة الدفاع الفرنسي فلورانس بارلي، أن بلادها ربطت بين سعيها للاستقلال عن قواعد التصدير الأمريكية وبين المشروع الفرنسي الألماني لتصنيع طائرة مقاتلة في المستقبل، مشيرة إلى أن ذلك يأتي في إطار محاولات باريس لتعزيز المبيعات الخارجية للطائرة ومعداتها العسكرية بشكل عام. وخلال لقائها جمعية AJPAE، وهي مؤسسة رابطة للصحفيين في مجال الطيران والفضاء، في 6 سبتمبر الجاري.
وقالت بارلي ان "جهود فرنسا لتقليل اعتمادها على مكونات الولايات المتحدة وتعزيز صادراتها تم كتابتها في نفس خطاب النوايا الذي وقع في يونيو مع ألمانيا لمشروع FCAS".
واضافت ان "ضمن قابلية التصدير لأنظمة الدفاع الجوي والطيران، تعد عنصرا أساسيا لضمان الجدوى الاقتصادية للبرنامج، وذلك يقودنا للتفكير في مصدر التصنيع لضمان القدرة على التصدير توجه فرنسا لم يكن حكرا على أفكار وزيرة الدفاع الفرنسية فقط".
واشارت بارلي الى ان "في وقت سابق للبرلمانيين، أن الحكومة الفرنسية تهدف إلى خفض اعتمادها على المكونات الأمريكية في أعقاب رفض واشنطن السماح بتوريد قطع غيار لصاروخ كروز فرنسي الصنع لبعض مقاتلات الرافال التي تم بيعها حديثا. وحسب المجلة الأمريكية، فإن السلطات الفرنسية تحتاج إلى تحديد المكونات الرئيسية التي ربما تعرضها للمساءلة القانونية والتشريعية، بالإضافة إلى الوقوف على وسيلة تقنية لكيفية قيام فرنسا بحماية نفسها من التشريعات الأمريكية، والتي يمكن أن تعطي الحق للإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض في عمل تحولات سياسية فيما يتعلق بالتعاون العسكري مع باريس.
وبينت ان "أمام لجنة الدفاع الوطني والقوات المسلحة: "اعتمادنا على هذه الآلية (النظام الأمريكي للنقل الدولي في الأسلحة) يجعلنا تحت رحمة الأمريكيين عندما يتعلق الأمر بمعداتنا".
فرنسا تثور على واشنطن بسبب صواريخ طائرات "الرافال".
وأضافت وزيرة الدفاع الفرنسية أن "باريس تفتقر إلى الوسائل التي تجعلها مستقلة بشكل تام عن الولايات المتحدة، مؤكدة أن السلطات الفرنسية تبحث عن طرق لتعزيز استقلالها الذاتي، وذلك خلال إجابتها على سؤال من البرلماني جان جاك فيرارا، حول منع بيع إحدى دفعات طائرات رافال المتفق عليها سابقا. التعاون مع ألمانيا كما تراه فرنسا ما هو إلا انطلاقة جديدة لمبيعاتها العسكرية، والتي تعثرت بشكل واضح على مدار عام كامل بسبب بعض التشريعات الأمريكية، وهو الأمر الذي كان بمثابة تهديد لأي صفقة محتملة تكون فرنسا أحد أطرافها".
وذكرت بارلي ان "لقد قادتنا التجربة إلى القيام بهذا العمل، وباتت الشركات على ثقة أكبر في قدراتها على تحمل مسؤولية الاستقلال، خاصة أنها تواجه عواقب التصدير المرتبط بتشريعات واشنطن". العقوبات الأمريكية تصطدم بـ"دول اليورو" وأوروبا تستقل سياسيًا عن واشنطن الشركات الفرنسية أبدت مرونة كبيرة في التعاون مع نظيراتها الألمانية بهذا الشأن، خاصة أنها وفقا لوصف بارلي "في الخط الأمامي"، مشيرة إلى أن الحكومة تجري حوارا مع الشركات المتخصصة في تلك الصناعة، والتي أبدت تفهما للأوضاع بشكل واضح، وفشلت المحاولات الفرنسية في إقناع واشنطن برفع القيود بموجب القوانين التي معمول بها بشأن الأسلحة في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي دفع باريس لبدء
هذا النهج منذ الشهر الماضي، وتحديدا بعدما التقت بارلي بأعضاء لجنة الدفاع في البرلمان الفرنسي. انتهى/م.
اضف تعليق