غزت الولايات المتحدة العراق في عام 2003، بحجة أنها تعتزم استبدال بصدام حسين نظام ديمقراطي ودود. بعد مرور 15 عامًا لا يبدو هذا الهدف في المشهد. استطاع العراق مؤخرًا دحر داعش الذي احتل مدينة الموصل الشمالية لفترة طويلة. هكذا استهل الدكتور فرانسيس فوكوياما، الذي يعمل مديرًا في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون بجامعة ستانفورد ومؤلف كتاب "الهوية: المطالبة بالكرامة وسياسة الاستياء"، مقاله في موقع "ذا هِل" الأمريكي.
وقال فوكوياما: "إن الانتخابات البرلمانية في مايو (أيار) لم تسفر عن حكومة فاعلة. فالنفوذ الأجنبي المهيمن في ذلك البلد ليس الولايات المتحدة، بل إيران أيضًا، التي تثير استياء الكثير من العراقيين بتدخلها. المشكلة الأساسية في العراق هي غياب أي شعور بالهوية الوطنية الشاملة. لا يوجد كيان يسمى العراق يشعر فيه المواطنون بالولاء، ويفضلون الجماعات العرقية أو الطائفية أو الأقليمية أو القبلية".
ماذا يفعل ضعف الهوية الوطنية بالدول؟
وأضاف فوكوياما أن الافتقار لهوية تكاملية لم يغذِ العنف فحسب، بل تفشي الفساد أيضًا: في اللحظة التي يدخل فيها سياسي إلى منصبه، يشعر أو يحق له أن يسرق نيابة عن تلك المجموعة الأصغر ويتحول الأمر إلى منافسة صفرية على الموارد.
العراق ليس سوى مثال واحد على فشل الدولة الناجم عن ضعف الهوية الوطنية. داخل الشرق الأوسط الكبير، تورطت سوريا وليبيا والصومال وأفغانستان في حروب أهلية كنتيجة لخروج سياسات الهوية عن السيطرة.
ويسرد الكاتب: أخبرني سياسي عراقي من ذوي الخبرة الطويلة أنه بعد الغزو في عام 2003، كان الأمريكيون ينصحون العراقيين باستمرار بوضع خلافاتهم الطائفية والعرقية جانبًا والسعي إلى وحدة وطنية كبرى. واليوم، يُعيد توجيه تلك النصيحة للأمريكيين الذين يعرفهم.
ويضيف: "بدلًا عن أمركة الشرق الأوسط"، فإن الولايات المتحدة تصبح "شرق أوسطية" على نحو متزايد. ويعلق الكاتب، بأن استقطاب المجتمع الأمريكي متطرف للغاية؛ إذ تشبه الأحزاب الجمهورية والديمقراطية القبائل المتحاربة التي ترى بعضها البعض كتهديدات وجودية. ويبدو أن عددا كبيرًا من الجمهوريين يعتبر الولاء لشخص دونالد ترامب أكثر أهمية من التزامهم بأية أهداف عليا، مثل حكم القانون، أو حماية الديمقراطية على المستوى الدولي.
فقد تحول الحزب الديمقراطي من جانبه بعيدًا عن الائتلافات الواسعة التي حدثت في "الصفقة الجديدة" و"المجتمع العظيم" للدفاع عن مجموعات ذات هوية معينة: الأمريكيون من أصل أفريقي، والنساء، ومجتمع "إل جي بي تي" وما شابه.
بالطبع من السهل القول إن الولايات المتحدة أصبحت دولة شرق أوسطية، ويستدرك فوكوياما: نحن لحسن الحظ لسنا بالقرب من مستويات الكراهية العنيفة التي في العراق أو سوريا، لكن سياستنا تصبح شرق أوسطية من اللحظة التي نبدأ فيها بالتفكير في أن الخصائص الثابتة التي نولد بها، كالعرق، والجنس، والدين، وما إلى ذلك، يجب أن تحدد الطريقة التي نفكر ونعمل بها، ليس فقط بشأن السياسة، ولكن الثقافة بشكل عام.
ما يجب أن تتعلمه الولايات المتحدة من الشرق الأوسط
إذا كان هناك درس واحد يمكن تعلمه من الشرق الأوسط المعاصر، فهو: أن الهوية الوطنية أمر حاسم لنجاح أي نظام سياسي، ويجب أن تكون هذه الهوية ليبرالية وشاملة، وتشمل التنوع الفعلي للبلد. لكنها تحتاج أيضًا إلى أن تكون موضوعية.
ويستطرد فوكوياما، هكذا كانت الهوية "العقائدية" التي تطورت في الولايات المتحدة في أواخر القرن العشرين: لم تكن أمريكا تُعرّف بالعرق أو الأصل الإثني، ولكن بالأفكار السياسية مثل الولاء للدستور وسيادة القانون والإيمان بالمساواة الإنسانية.
هذه الهوية العقائدية بدت وكأنها حقيقة مُحققة قبل صعود دونالد ترامب. أضاف الرئيس شرعية لجيل جديد من المتطرفين اليمينيين الذين يجرون البلاد مرة أخرى إلى تعريف المواطن الأمريكي بشكل عرقي. والهوية تحد أيضًا من جانب اليساريين الذين لا يؤمنون بحاجة المهاجرين لاستيعابهم ضمن هوية شاملة أو الذين يعتقدون أن اليساريين يرتبطون بالضرورة بالتعصب والإقصاء.
وتابع فوكوياما، يمكن تعزيز الهوية العقائدية بالطريقة التي نُعلم بها التربية المدنية للشباب، وهو أمر أُهمل بشكل خطير في نظامنا التعليمي في العقود الأخيرة. ويمكن أيضًا تعزيزها ببرنامج للخدمة الوطنية، يرتكز على فكرة أن المواطنين ليسوا مجرد حملة حقوق، بل عليهم واجبات لدعم الصالح العام.
وأختتم فوكوياما مقاله قائلًا: "إن نظام الخدمة الوطنية الذي يتم إدارته بشكل جيد من شأنه أن يساعد أيضًا في اجتياز الحواجز العرقية والإثنية والطبقية، كما تفعل الخدمة العسكرية اليوم، ولكن في النهاية تتعزز الهوية الوطنية بالقصص التي يقولها الأمريكيون عن أنفسهم، وما إذا كانت هذه القصص تؤكد على ما يجمع بينهم بجانب الاختلافات التي بينهم. لم يتم طرح هذا السرد التكاملي في العديد من بلدان الشرق الأوسط، وهم يدفعون الثمن". انتهى/خ.
اضف تعليق