وكالة النبأ للأخبار/ متابعة:
نشرت صحيفة "فورين بوليسي" الامريكية مقالا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد ستيفين والت، يقول فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يحتفظ بتحالف مع السعودية فقط، بل إنه يختارها على بقية العالم.
ويقول والت في مقاله، الذي ترجمته موقع قطري، إنه "على عكس ما قد يظن بعض الناس، فإن أمريكا لم تقم بعملية انسحاب من الشرق الأوسط، وأن المنطقة تنحدر نحو الفوضى بسبب خروج واشنطن، صحيح أن عدد الجنود هناك أقل بكثير مما كان عليه عددهم خلال ذروة الحرب العراقية، لكن لم تكن المنطقة هادئة عندما كان فيها أكثر من 150 ألف جندي، وعلى أي حال فإن ذلك الفصل (لحسن الحظ) كان شذوذا غير عادي، وهو ليس مقياسا، ولا يزال هناك حوالي 25 ألف عسكري في أماكن مختلفة من المنطقة، بما في ذلك عدة آلاف يقاتلون تنظيم الدولة ويواجهون النفوذ الإيراني، وهناك أسطول بحري في البحرين، وقاعدة جوية نشطة في قطر، بالإضافة إلى عدد من العاملين في العمليات السرية في عدة بلدان، معظمهم يعملون في مكافحة الإرهاب بشكل أو بآخر".
ويشير الكاتب إلى أنه "بدلا من فك الارتباط بالمنطقة، فإن الرئيس دونالد ترامب قام بمضاعفة دعمه للدول التابعة في الشرق الأوسط، فرحب بعبد الفتاح السيسي في البيت الأبيض، واستمر في تقديم المساعدة العسكرية لديكتاتورية السيسي، ونقل السفارة من تل أبيب الى القدس؛ لإبقاء المتبرع للحزب الجمهوري شيلدون أديلسون مسرورا، وعين متحمسا للاستيطان الإسرائيلي سفيرا (في إسرائيل)، وتربطة بنتنياهو علاقة محبة، بالإضافة إلى أن ترامب احتضن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يفترض أنه زعيم إصلاحي ومعه حلفاء السعودية المقربون في الإمارات".
ويجد والت أن "الأهم هو أن وزير خارجية ترامب مايك بومبيو ومستشاره للأمن القومي جون بولتون يتبنيان الرأي السعودي الإسرائيلي المصري الخليجي ذاته بخصوص إيران، وحبب ترامب نفسه لكل من هذه الدول من خلال الانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، كما قامت إدارة ترامب بزيادة شجبها لدعم إيران للإرهاب وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وكانت إدارة أوباما قد أصرت على أن (الخيارات كلها مطروحة على الطاولة)، لكن هدفها الأكبر من ذلك كان تجنب حرب مع إيران حيث لا ضرورة لتلك الحرب، وقام ترامب بقلب هذه المقاربة، ويخشى بعض المراقبين الآن أن الحرب هي ما يريده هو (أو كبار مستشاريه)".
ويرى الكاتب أن "هذه السياسة ليست انسحابا من المنطقة، وفي الواقع ما هو لافت للنظر حول قرار مضاعفة التزام أمريكا مع حلفائها التقليديين هو أنه يحصل في وقت أصبح فيه كل من هؤلاء الحلفاء أقل أهلية للدعم الأمريكي غير المشروط من أي وقت مضى، وإن كان هناك وقت لأمريكا لتظهر عدم رضاها عن تصرفات كل من تلك الدول وتنآى بنفسها شيئا ما، وتبدأ في البحث عن خيارات أخرى.. فإنه الآن".
ويلفت والت إلى أنه "في مصر، قام السيسي بتحطيم أي أمل بالديمقراطية، وقتل المتظاهرين، وسجن مئات آلاف المعارضين، معظمهم على أسس مشكوك فيها، ومع أن الاقتصاد المصري تحسن، إلا أن الفساد يبقى منفشيا، وفرضت الحكومة مؤخرا قيودا جديدة على حرية التعبير تنذر بالشؤم، وواضح أن ترامب يميل للأقوياء، كما أن من الواضح أنه ليست لديه مشكلة مع الفساد، لكن هل هذا فعلا هو نوع الحكومات الذي تريد أمريكا أن تدعمه لأبعد حد؟".
وينوه الكاتب إلى أن "إسرائيل تستمر في سيرها بعيدا عن الديمقراطية وباتجاه الأبارتهايد، وفي الوقت ذاته تستمر المستوطنات في الأراضي المحتلة بالنمو، ويسقط عشرات المدنيين الفلسطينيين على الحدود في غزة بالرصاص الإسرائيلي، وحتى أولئك الذين دعموا إسرائيل لفترة طويلة يزداد قلقهم من الطريق الذي تسير فيه الآن، وبعضهم -بمن فيهم محرري (وأحيانا خصمي) ديفيد رونكوبف- يقولون ذلك علنا، لكنك لا تعرف عندما ترى احتضان ترامب المتحمس (لإسرائيل)".
ويقول والت: "أما بالنسبة للسعودية، فقد أصبح واضحا جدا أن محمد بن سلمان ليس مصلحا تقدميا، وعلى العكس فقد كشف عن أنه عنيد وانتقامي وليس بالقائد الكفؤ، فقد أتقن تجميع السلطة في يده، لكنه أخفق تماما في استخدامها، وأساء التصرف في علاقاته مع لبنان وقطر، وورط الجيش السعودي في حرب وحشية في اليمن، مشوها سمعة المملكة عالميا، بالإضافة إلى أن تصرفاته الشاذة والعنيدة ترهب المستثمرين الأجانب، الذين يحتاجهم لتطوير اقتصاد بلاده وتخفيف اعتماده على صادرات النفط في المحصلة، أضف إلى سجل الفشل ذلك المقتل المزعوم للصحافي المعارض جمال خاشقجي -الذي لم يشكل خطرا حقيقيا على النظام- ومن الصعب تبرير الدعم الأمريكي غير المشروط للرياض أيضا".
ويذهب الكاتب إلى أنه "مع ذلك فيبدو أن إدارة ترامب مستعدة لغض الطرف، وهذا جزئيا بسبب الطمع، كما تعكسها تصريحات ترامب بأن التشديد على السعودية قد يؤثر على صفقات شراء الأسلحة، لكن أيضا بسبب الاقتناع بالرؤية السعودية الإسرائيلية المصرية الخليجية بخصوص إيران، فبالإضافة إلى الانسحاب من الاتفاقية النووية فإن هذه السياسة تطلبت تهديد الاتحاد الأوروبي بعقوبات ثانوية إن حاول أن يبقي على الاتفاقية من خلال استمرار تجارته واستثماراته في إيران، وهناك امتعاض شديد بين حلفاء أمريكا الأوروبيين من البلطجة الأمريكية، وذلك جزئيا لأنها ستكلفهم غاليا على شكل فرص تجارية مربحة، وأيضا لأنهم يعلمون أن قرار ترامب مغادرة الاتفاقية النووية هو كارثة استراتيجية".
ويقول والت: "لو نظرت من بعيد إلى المشهد فستجد أن أمريكا تحت حكم ترامب تغامر بعلاقاتها الطويلة مع حلفائها الديمقراطيين في أوروبا، وتعطيهم سببا إضافيا للتفكير في إنشاء نظام مالي بديل عن الدولار، وأن أمريكا تفعل ذلك لترضي مجموعة من التابعين الشرق أوسطيين الذين تزداد إشكالياتهم، فهل هذا الاستبدال معقول استراتيجيا أو أخلاقيا؟".
ويضيف الكاتب: "صحيح أنني أؤيد طلاقا وديا بين أمريكا وأوروبا، حيث تقوم واشنطن بتحويل مهمة الأمن الأوروبي تدريجيا إلى الأوروبيين أنفسهم في الوقت الذي تبقى فيه العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وهذه خطوة يجب ألا يتم اتخاذها بحزن أو غضب، لكن برغبة في أن تعتمد هذه الديمقراطيات الثرية على نفسها، وبدلا من محاولة إبقاء أوروبا تابعا مطيعا ومعتمدا على أمريكا إلى الأبد، فإنه يجب على الأمريكيين أن يفخروا بما قدموه لأوروبا، ويتطلعوا إلى التجارة والاستثمار وزيارة شركائهم السابقين".
ويختم والت مقاله بالقول إن "أمريكا لن تكون هي خط الدفاع الأول لأوروبا مستقبلا، وللأسف، فإن ما يفعله ترامب سيؤدي إلى أن يكون الانفصال عن أوروبا مرا ومثيرا للخلافات بأكبر قدر ممكن، فالرجل معتاد على حالات الطلاق البغيضة والمكلفة، وأتمنى ألا يكون بقيتنا مشاركين في طلاقه القادم". انتهى/خ.
المصدر: عربي ٢١
اضف تعليق