بينما يستمر إغلاق الحكومة الأمريكية لليوم السادس عشر اليوم الاحد، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في اجتماعٍ بالبيت الأبيض للمرة الأولى منذ تولي بيلوسي منصبها يوم الجمعة الماضي، في محاولةٍ لإنهاء الإغلاق الحكومي. وأتي هذا اللقاء وسط محادثاتٍ أوسع يشارك بها زعماء الكونجرس في اليوم الثاني لانقسام الحكومة بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب.
لكن توقعت شبكة "سي إن إن" الأمريكية في تقريرٍ لها أنَّ اللقاء سيكون دون جدوى، ولن ينتج عنه أي تقدمٍ في الأزمة الحالية.
إذ أوضحت الشبكة أنَّ بيلوسي، النائبة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا، أصبحت الآن رمز الرقابة التشريعية والتحقيقات التي تمكَّن ترامب من تجنبها طوال السنتين الماضيتين اللتين كان الحزب الجمهوري يسيطر فيهما على الكونجرس. وبهذا تُهدد بيلوسي منصب ترامب نفسه؛ لقدرتها على بدء إجراءات مساءلة ترامب في حالة إدانة المحقق الخاص روبرت مولر.
أثناء جلسة تأدية اليمين يوم الخميس الماضي تحدثت بيلوسي عن ضرورة العمل لدعم الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، ومواجهة مشكلة التغير المناخي، وحماية أطفال المهاجرين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة مع آبائهم بصورةٍ غير شرعية، والمساواة بين الجنسين، وإنهاء إغلاق الحكومة.
لكنَّها بحسب التقرير وجهت تحذيراتٍ عديدة لترامب، كان أولها تمرير تشريعٍ لفتح الحكومة التي تجاهلت مطالبه بتمويل الجدار الذي يريد بناءه على الحدود مع المكسيك. وقالت في مؤتمرٍ صحافي مساء الخميس: "لن نبني جدارًا. هل يشك أحدٌ في ذلك؟". ولعبت أيضًا على نقاط ضعف ترامب وأزمته القانونية المرتقبة حين رفضت في مقابلةٍ مع برنامج "Today" على شبكة "إن بي سي" استبعاد احتمالية إدانة ترامب في الكونجرس.
وردًا على ذلك أكد ترامب قبل لقائهما مطالبه بتمويل الجدار في ظهورٍ سريع له خلال مؤتمرٍ صحافي بالبيت الأبيض، أعلن فيه أنَّه لن يتراجع عن إغلاق الحكومة. وصرَّح قائلًا وفقًا للشبكة: "لم أحظَ من قبل بكل هذا الدعم الذي حظيتُ به بسبب موقفي من مسألة تأمين الحدود والجدار الحدودي".
نذير شؤم
تشير "سي إن إن" إلى أنَّ أجواء اللقاء السابق بين ترامب وبيلوسي أوائل الأسبوع الحالي في البيت الأبيض احتدمت حين أمر ترامب وزيرة الأمن الداخلي كريستين نيلسن بإطلاع المشرعين على المستجدات في ما يتعلق بتأمين الحدود. وانفجر غضب ترامب في وجه تشاك شومر، زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وألقى في وجهه خطابًا وصله من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون.
وترى الشبكة أنَّ هذا كان سببًا في التوقعات بأنَّ اجتماع أمس الجمعة لن تكون له نتائج إيجابية، بالإضافة إلى حقيقة أنَّ الطرفين لا يبدوان مستعدين حاليًّا لعقد صفقةٍ مع بعضهما.
فبيلوسي غير مستعدة للسماح لترامب بالانتصار في مسألة الجدار الحدودي التي كانت إحدى النقاط الرئيسة في برنامجه الانتخابي عام 2016. ويدعمها في موقفها هذا شومر، الذي يحتاج مجلس الشيوخ لأصوات الأقلية التي يتزعمها لتمرير تشريعات التمويل.
لجأ ترامب إلى إغلاق الحكومة في ظل الضغوط التي كان يتعرض لها من المُعلِّقين المحافظين الذين يساعدونه في حشد قاعدته السياسية، وهي القاعدة التي يبدو أنَّ ترامب كان يوجه لها تصريحاته يوم الخميس. وتعتقد "سي إن إن" أنَّ تراجعه الآن سيتسبب في تعرضه لمزيدٍ من الضغوط. ولهذا من الصعب أن يكون هناك حلٌ للأزمة الحالية يخرج به ترامب وبيلوسي منتصرين وعلى وفاق.
لا يجمعهما الكثير
يرى التقرير أنَّ ترامب وبيلوسي شخصان مختلفان للغاية، ولهذا قد يكون من الصعب عليها تكوين أية علاقةٍ جيدة في الأسابيع القادمة.
فبيلوسي عملت بالسياسة طوال حياتها منذ سنٍ مبكرة، وأثبتت براعتها السياسية بفوزها برئاسة المجلس للمرة الثانية، وإنجازاتها في المرة الأولى، التي شملت تمرير قانون الرعاية الصحية "أوباما كير". أمَّا ترامب فيدين بفوزه بالمنصب في انتخابات 2016 إلى حقيقة أنَّه ليس سياسيًا على الإطلاق. ولا يمتلك الرئيس أي خبرةٍ بالعملية التشريعية، ورغم سيطرة الجمهوريين على السلطة طوال السنتين الماضيين، أعاقت طبيعته المتقلبة الحزب عن فرض أجندته.
وبحسب الصحيفة، بيلوسي ليست جديدةً على المواجهات مع الرؤساء الجمهوريين، فمنذ سنواتٍ خاضت معركةً شرسة مع الرئيس جورج بوش الابن تتعلق بمسألة تمويل حرب العراق، لكن رغم اختلافاتها الواسعة كانت بينهما علاقةٌ ودية شخصية، وساعد الاحترام المتبادل بينهما في مواجهة الأزمة المالية عام 2008.
وبينما حاول ترامب بناء علاقةٍ شخصية ودية مع بيلوسي بتهنئتها على فوزها برئاسة المجلس، إلا أنَّ شخصيته أكثر تقلبًا من بوش، وعادةً ما يرى الرئيس الحالي الخلافات السياسية من منظورٍ شخصي. ويعتقد أنَّ ممارسة سلطته تعني دائمًا البحث عن عدوٍ ومهاجمته.
ووفقًا للشبكة، يوضح دين ماير، الذي عمل نائبًا لمساعد بوش للشؤون التشريعية، أنَّ الديناميات السياسية للأغلبيات في الكونجرس تشكلها القضايا التي ساعدت تلك الأغلبيات في الوصول إلى السلطة. ويضيف ماير: "هذه الأغلبية وصلت للسلطة بسبب مجموعةٍ مختلفة من القضايا، أبرزها مقاومة الديمقراطيين لترامب. سيكون الأمر صعبًا للغاية، وسيكون من الصعب منع الخلاف من التحول إلى خلافٍ شخصي. سيطارد الديمقراطيون ترامب بشراسة".
ويرى نديم الشامي، المدير السابق للموظفين في مكتب بيلوسي، أنَّ بيلوسي قادرة على خوض مواجهةٍ كهذه. وقال لبرنامج "New Day" على شبكة "سي إن إن": "لديها القوة لفعل ذلك. لقد كانت تواجهه طوال السنتين الماضيتين"، مشيرًا لعزمها وقدرتها على فهم القضايا واستقراء الحاضر، ومواجهة ترامب حين يُخطئ، وتوضيح الحقائق.
إذ مررت بيلوسي قرارًا لإعادة فتح الحكومة وضع الجمهوريين في مأزقٍ صعب، بينما كان ترامب في البيت الأبيض مشغولًا بالمؤتمر الصحافي المُصمَّم لجذب الانتباه بعيدًا عن فوز بيلوسي وتوفير صورٍ لوسائل الإعلام المحافظة.
وبحسب التقرير، تهدف بيلوسي بنهجها ذلك لتوضيح أنَّ الديمقراطيين يمكنهم الحكم وإرساء الاستقرار بعد عامي الفوضى تحت رئاسة ترامب. بينما يبدو أنَّ ترامب يراهن على أنَّ إطالة أمد إغلاق الحكومة قد تزيد الضغط على الديمقراطيين للتنازل لمساعدة مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين الذين لم يتلقوا رواتبهم، أو ربما قد يؤدي الإغلاق إلى شعور الناخبين بالغضب من الحزبين؛ ما قد يسمح لترامب بالخروج من الأزمة دون ضرر.
وتشير الشبكة في هذا الصدد إلى محاولات فريق ترامب للخروج بتلك النتيجة من خلال تصوير بيلوسي كجزءٍ من عصابةٍ متطرفة من الليبراليين المتساهلين مع الهجرة، والذين تعميهم رغبتهم الشديدة لتدمير الرئيس.
إذ قالت كيليان كونواي مستشارة ترامب يوم الخميس: "من المؤسف أن يتحدث رئيس المجلس القادم عن إدانة الرئيس وعزله، بينما يتحدث الرئيس عن تأمين الحدود، والبنية التحتية. لقد جاءت إلى هنا وهي غير جادة بشأن تأمين الحدود، لهذا لن أتفاجأ إن سيطرت عليها الحزبية والسياسة منذ اليوم الأول. الأمر سيئ للغاية".
المصدر: ساسة بوست
اضف تعليق