تشن حكومة الصين، التي يقودها الحزب الشيوعي الصيني، حربًا غير مسبوقةٍ على الأديان، تشمل المسلمين والمسيحيين، وحتى البوذيين. إذ يتعرض المسلمون والمسيحيون للرقابة الشديدة، وتغلق الكنائس، ويجبر الرهبان البوذيون على رفع العلم الوطني. وأعدت أليكساندرا ما، مراسلة موقع بيزنس إنسايدر، تقريرًا سردت فيه تفاصيل الحرب على الدين هناك.
في العام الماضي فقط، طال القمع الصيني المسلمين، ولم يسلم منه البوذيون في التبت، وأكرهت الكنائس المسيحية على إنزال الصلبان، أو إغلاق أبوابها بحسب الموقع.
"تصيين" الدين
حاول الحزب، الملحد رسميًّا، على مدار عقودٍ أن يتحكم في المنظمات الدينية للحفاظ على هيمنته، وفقًا لـبيزنس إنسايدر.
وتسمح وزارة الدولة للشؤون الدينية، التي تأسست عام 1951، بوجود خمس منظماتٍ دينية تحت سيطرة الدولة: شكل من أشكال البوذية التي يجيزها الحزب، والطاوية، والإسلام، والبروتستانتية، والكاثوليكية.
وذكر التقرير أن الدولة تتحكم في موظفي تلك المجموعات ومنشوراتها وأموالها. وعمليًّا، يسمح للمواطنين بممارسة الأديان بحرية، طالما أن طائفتهم مجازة من الحكومة.
وأدخل مسؤولو الحزب عام 2015 مصطلح "التصيين" على معجم الحكومة الرسمي، والذي دعوا فيه الزعماء المسلمين والبوذيين والمسيحيين إلى مزج أديانهم مع الفكر الاشتراكي الصيني.
وقال رودريك واي، السكرتير الأول السابق بالسفارة البريطانية في بكين، خلال حديثه إلى موقع بيزنس إنسايدر العام الماضي: "دائمًا كانت لدى الحزب مشكلة مع الدين، بطريقةٍ أو بأخرى، لأن الأنشطة الدينية تميل عادةً إلى أن تتضمن تنظيمًا. وبمجرد تحولها إلى منظمات، يسعى الحزب إلى السيطرة عليها".
ولكن يبدو أن قمع الحكومة، تحت حكم الرئيس شي جين بينج، ارتفع إلى معدلٍ ينذر بالخطر، حسب وصف التقرير.
اجتثاث الإسلام من جذوره
أفاد التقرير أنه في منطقة سنجان الغربية، التي تقطنها غالبية من طائفة مسلمي الإيغور الذين يمثلون أقليةً في الصين، أقامت السلطات دولةً بوليسية ضخمة يقدر أنها سجنت قرابة المليون ونصف المليون من السكان.
وقال العديد من المحتجزين إنهم احتجزوا لأنهم أظهروا علامات الإسلام المميزة، مثل إطلاق اللحية، أو رفض شرب الخمر. وزعمت بكين هذا الأسبوع أنها أطلقت سراح غالبية الإيغور من معسكرات الاحتجاز، دون أن تقدم دليلًا ماديًّا على ذلك بحسب بيزنس إنسايدر.
وليس المسلمون في مناطق أخرى من البلاد بأفضل حالًا. إذ ذكرت وكالة رويترز هذا الأسبوع أن السلطات في بكين أمرت 11 مطعمًا وكشك طعامٍ حلال بإزالة العبارات العربية، والرموز المرتبطة بالإسلام.
وقال مدير أحد المطاعم، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، للوكالة: "قالوا إنها ثقافة أجنبية، وأن علينا استخدام ثقافةٍ صينيةٍ أكثر". ولم يتضح ما إذا كان الأمر قد صدر لكافة المتاجر الحلال في المدينة أم لا.
وأوضح بيزنس إنسايدر أن الحزب الشيوعي الصيني، المرتاب في أنشطة القوى الأجنبية داخل بلاده، يفسر رموز الإسلام واللغة العربية على أنها تمثل تعهدًا بالولاء لشيءٍ آخر بخلاف الدولة الصينية.
إذ قال دارن بايلر، خبير سنجان، في حديثه إلى الوكالة: "ترغب (السلطات الصينية) في أن يعمل الإسلام داخل الصين من خلال اللغة الصينية في الأساس".
أما طائفة هوي ذات الغالبية المسلمة، المتفرقة في أرجاء الصين، فتخشى أيضًا أن يمتد قمع الحكومة إليهم، بحسب التقرير. ففي مدينة ينشوان الشمالية، موطن أكبر تجمعٍ من مسلمي الهوي في البلاد، حظرت السلطات الأذان لأنه "يسبب تلوثًا ضوضائيًّا" على ما يبدو، وفقًا لما أوردته جريدة "جنوب الصين الصباحية" العام الماضي.
وقال إمام من مدينة لينشيا، رفض ذكر اسمه، في حديثه إلى وكالة فرانس برس: "يريدون علمنة المسلمين، لاجتثاث الإسلام من جذوره. هذه الأيام، لا يسمح للأطفال أن يؤمنوا بالدين: الإيمان فقط بالشيوعية والحزب".
مراقبة القداديس والعظات
ذكر بيزنس إنسايدر أن الحملة القمعية تتجاوز حدود الإسلام. إذ استهدفت السلطات المسيحيين أيضًا، الخارجين عن الجمعيات الكاثوليكية والبروتستانتية المجازة من الحكومة، عن طريق حرق الأناجيل، وإغلاق الكنائس، وأمر الناس بالتخلي عن عقيدتهم.
ويجب على الكنائس الصغيرة، التي سمح لبعضها بأن تظل مفتوحة، أن تنصب كاميرات التعرف إلى الوجه داخل المبنى حتى لا تخاطر بإغلاق الكنيسة. إذ قال بوب فو، الذي يدير الجماعة الحقوقية الأمريكية تشاينا أيد، خلال حديثه إلى قناة فرانس 24 العام الماضي: إن مسؤولي الحزب يفرضون رقابةً على عظات القساوسة، ويضيفون إليها الدعاية الحكومية.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، وقعت السلطات في الصين مع الفاتيكان اتفاقيةً اعترف بموجبها البابا فرنسيس رسميًّا بسبعة أساقفة عينتهم بكين، بعد أن كانوا قد عُزِلوا بسبب عدم موافقة الكرسي البابوي عليهم. وقال النقاد إن الصفقة سلمت سلطات الكرسي البابوي إلى الحزب الشيوعي الصيني، بحسب التقرير.
وتضم الصين قرابة 9 ملايين كاثوليكي، ويتعبد منهم 5.7 مليون داخل كنائس ومنظمات ترعاها الدولة، بحسب إذاعة "آسيا الحرة". فضلًا عن وجود 68 مليون بروتستانتي في الصين، لكن 23 مليونًا فقط يتعبدون داخل الكنائس الحكومية، وفقًا للإذاعة.
لم تسلم البوذية والطاوية -التي لها جذور تاريخية أعمق في شرق آسيا- أيضًا من تلك الحملة، بحسب بيزنس إنسايدر. إذ تحظر الصين العمليات الدينية في التبت، وما يزال الالاي لاما -القائد الروحاني- في منفاه المستمر منذ عقود.
وقال النشطاء إن الدولة تراقب الأنشطة اليومية داخل الأديرة التبتية الكبرى، وتحد من سفر المؤمنين واتصالاتهم، وتحتجز الرهبان عادةً بتهم الإرهاب -في وضعٍ لا يختلف كثيرًا عن ما يحدث مع المسلمين في سنجان- بحسب الموقع.
وفي الصيف الماضي، رفع معبد شاولين الصيني الشهير -الدير البوذي القديم الذي يعتقد أنه موطن ولادة الكونج فو- العلم الوطني الصيني للمرة الأولى في تاريخه الممتد لحوالي 1500 عام، وأتت الخطوة جزءًا من حملة الحكومة لدفع المعبد إلى البرهنة على وطنيته.
"لا تسامح مع أي مصدرٍ آخر للسلطة الأخلاقية أو الاجتماعية"
أوضح بيزنس إنسايدر أن الحزب الشيوعي، الراغب في الحفاظ على قبضته المنفردة على السلطة، يرفض كافة أشكال المنظمات الشعبية؛ لأنها تعتبر مقوضةً لسلطة الحزب ومعطلةً للاستقرار الداخلي.
وقال واي إن حرص الصين على فرض سيطرتها على الأديان، ينبع أيضًا من رغبتها في تحديد النفوذ الأجنبي.
وأضاف واي، الذي يعمل الآن زميلًا مشاركًا في معهد تشاتام هاوس البريطاني، خلال حديثه إلى بيزنس إنسايدر العام الماضي: "لطالما كان هناك قلق داخل الدولة الصينية حيال مدى النفوذ الأجنبي على الدين، وكيف يمكن أن تستخدمه القوى الأجنبية للتلاعب بالفكر المجتمعي. وهذا جزء من الحلم الصيني الأكبر الذي يسعى إليه شي جين بينج، وهو أن يجعل الصين كبيرةً وقويةً من جديد. الحزب الشيوعي هو وحده من سيقرر وينشر أي نوعٍ من التنمية السياسية والاجتماعية التي ستتبناها الصين مستقبلًا، ولا تسامح مع أي مصدرٍ آخر للسلطة الأخلاقية أو الاجتماعية".
اضف تعليق