حذرت عدة تقارير من خطورة إقدام الولايات المتحدة والصين على خطوات غير مسبوقة، من شأنها تأزيم العلاقات بين البلدين، من جهة، وبين بكين وحلفاء واشنطن في المنطقة من جهة أخرى.
وأنهت الإدارة الأمريكية، مؤخرا، معاهدة القضاء على الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، المبرمة مع روسيا في نهايات الحرب الباردة، عام 1987، الأمر الذي من شأنه إشعال سباق تسلح ذو أبعاد نووية على الساحة الدولية.
وقرأت صحيفة "نيويورك تايمز" في الخطوة سعيا من الولايات المتحدة لمحاصرة الصين ومواجهتها، بالدرجة الأولى، ورأت أن استهداف روسيا، المعنية مباشرة بالمعاهدة، يأتي على الهامش بالنسبة لواشنطن.
وكشف تقرير الصحيفة الأمريكية أن واشنطن تذرعت بخرق موسكو للمعاهدة، وأنها في الواقع تريد التحرر من قيودها لتجريب صواريخ جديدة نهاية خلال أشهر، لنشرها لاحقا في آسيا، موجهة نحو الصين.
الأخطر من ذلك، يضيف التقرير، أن معاهدة أخرى أكثر حساسية بين الولايات المتحدة وروسيا، يطلق عليها اسم "New START"، من المقرر أن ينتهي العمل بها بعد عامين، ولا يتوقع أن يمددها البلدان.
ووقع البلدان المعاهدة عام 2010، ودخلت حيز التنفيذ في العام اللاحق، وتحد بشكل كبير من إنتاج وتخزين ونشر الأسلحة الاستراتيجية الهجومية.
وتشير "نيويورك تايمز" أن مساعي واشنطن تهديد بكين تستهدف صياغة معاهدة جديدة تكون أحد الموقعين عليها، بهدف القضاء على ترسانتها "الكبيرة والأكثر تطورا في العالم، والقادرة على الوصول إلى أراض أمريكية وضرب العديد من حلفاء واشنطن في المنطقة".
وقد صرح بذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علانية، كما نقلت "بي بي سي" البريطانية، في سياق تقليله من شأن خطورة إنهاء المعاهدة النووية مع روسيا.
إلا أن الصين، التي ترى نفسها محاصرة بحلفاء للولايات المتحدة، ومهددة بالحد من قدرة صادراتها الوصول إلى الأسواق العالمية، وبنزع سيادتها على تايوان، لن تقبل بالتخلي عن برامجها العسكرية بتلك البساطة.
الصين ترد بـ"الكتاب الأبيض"
في الأول من شباط/ فبراير الماضي، وقع ترامب على الخروج من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، ودخل القرار حيز التنفيذ في 2 آب/ أغسطس الجاري، وردت روسيا بالمثل بطبيعة الحال، إلا أن التحرك الصيني جاء في على المستوى الدبلوماسي بتحذير واشنطن من نشر صواريخ في آسيا، واستراتيجيا بإدراج الولايات المتحدة في "كتابها الأبيض".
الأخير هو الأكثر أهمية بطبيعة الحال، كما يؤكد تحليل نشرته صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" للخبير في الشؤون العسكرية الصينية، كاري هوانغ، الذي أوضح أن الإصدار الأخير لـ"الكتاب الأبيض" (أو الورقة البيضاء) استهدف الولايات المتحدة للمرة الأولى في تاريخ الصين.
الوثيقة التي تصدرها بكين كل عامين، كمحدد لاستراتيجياتها العسكرية والدفاعية، كشف النقاب عنها هذه المرة بتاريخ 24 تموز/ يوليو الماضي، أي قبل أسبوع واحد من دخول انتهاء المعاهدة النووية بين واشنطن وموسكو حيز التنفيذ.
ويلفت "هوانغ" الانتباه إلى وصف الوثيقة الصينية الوجود العسكري الأمريكي في آسيا بأنه "عامل عدم استقرار"، والأهم من ذلك إهمالها لحجة مكافحة الإرهاب التي تسوقها واشنطن، وتأكيدها أن الأخيرة "إنما تسعى للحفاظ على العالم أحادي القطب".
ولأول مرة أيضا، تتجاوز استراتيجية العملاق الآسيوي "الدفاع عن المياه القريبة"، نحو الحديث عن "معادلة تضم الدفاع عن المياه القريبة، وحماية المياه البعيدة"، رغم استمرار التأكيد على عدم السعي إلى "الهيمنة" على الساحة الدولية.
دقت خطوتا واشنطن وبكين نواقيس الخطر في عدة عواصم بالمنطقة، وسط ارتباك وتردد واضحين، بحسب تقرير لمجلة "ذي ديبلومات" المختصة بالشؤون الآسيوية.
ويوضح التقرير أن أستراليا وكوريا الجنوبية سارعتا إلى رفض نشر صواريخ أمريكية متوسطة وقريبة المدى على أراضيهما، ضد الصين، وذلك بحضور وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، الذي يجري جولة بالمنطقة.
ومن جانبه، أكد الأخير أن بلاده سترغب "عاجلا أو آجلا" بتطوير ونشر مثل تلك الصواريخ لحماية مصالحها وحلفاءها، إلا أن تردد سيئول وكانبيرا يشير إلى مخاوف حقيقية من تحولهما إلى أهداف محتملة لبكين.
المجلة ذاتها أفادت في تقرير منفصل أن المعاهدة النووية باتت بالفعل جزءا من الماضي، وحثت واشنطن على المضي في حماية قواعدها وحلفائها في آسيا عبر نشر وتعزيز منظومات الدفاع الصاروخي، في إشارة إلى دخول المنطقة بالفعل منعطفا خطيرا، سيما مع تعهد بكين بـ"عدم البقاء مكتوفة الأيدي"، والرد على كل خطوة أمريكية.
قد تفلح دول المنطقة في نزع فتيل الأزمة ودفع واشنطن وبكين للتوافق على صيغة ما، ولكن وإن حدث ذلك فيرجح أن يكون بمثابة تأجيل للصراع بضع سنوات في أحسن الأحوال، وسط تنامي قوة الصين وتزايد اهتمام الولايات المتحدة بتحجيمها، في مختلف المجالات.
اضف تعليق