يعرف معظم الناطقين بالإنجليزية تصميم لوحة المفاتيح كويرتي الشهير، وقد يبدو غريبًا في البداية لكنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. يعود هذا التصميم إلى نحو 150 عامًا، فلماذا هو المختار؟
من المثير للفضول أننا لم ننتقل إلى ترتيب أكثر فعالية، يأتي اسم كويرتي من ترتيب الحروف الستة الأولى في الصف العلوي من لوحة المفاتيح، وقد سُجل بوصفه براءة اختراع أول مرة عام 1878 على يد كريستوفر لاثام شولز، وما يزال التصميم القياسي حتى الآن.
ومع إننا اعتدنا على استخدام تصميم كويرتي، فإن ترتيب الحروف يبدو في البداية بلا منطق واضح. ولكن لهذا التصميم قصة مثيرة للاهتمام. بدأت قصة اختراع أول آلة كاتبة عملية على يد شولز عام 1867 لتحل محل الطابعات الكبيرة والمعقدة. بدأ شولز وزملاؤه بتصميم عدة نسخ من لوحة المفاتيح، بدءًا من ترتيب أبجدي بسيط يتكون من 28 مفتاحًا، وصولًا إلى التصميم النهائي لكويرتي في آلة كاتبة شولز وجليدن عام 1874. تطور التصميم مع الوقت لتقدم شركة وايكوف سيمانس وبينديكت عام 1886 النسخة النهائية من تصميم كويرتي الذي نعرفه اليوم، مع بعض التعديلات الصغيرة.
أصبح تصميم كويرتي جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الكتابة والتكنولوجيا، متجذرًا في ثقافتنا وعاداتنا اليومية. إنها قصة تجسد الابتكار والتطور، وتظهر كيف يمكن لتصميم واحد أن يؤثر كثيرًا في طريقة تفاعلنا مع العالم الرقمي.
حقق تصميم كويرتي للوحة المفاتيح نجاحًا باهرًا بعد أن أصبحت شركة ريمنجتون المنتج الوحيد لهذا التنسيق في عالم الآلات الكاتبة. وبحلول 1890 كانت الولايات المتحدة تزخر بأكثر من 100,000 آلة كاتبة تستخدم هذا التصميم الفريد، ما يدل على شعبيته الواسعة وقبوله في المجتمع.
في تطور مثير في عام 1893، تأسست شركة Union Typewriter Company التي جمعت تحت مظلتها WS&B وتشارلز نيويل فاولر. كانت هذه الخطوة بمثابة تحالف قوي يضم خمس من الشركات الرائدة في مجال صناعة الآلات الكاتبة، ليأسسوا معًا Typewriter Trust. هذا التحالف كان له تأثير بارز، إذ اعتمدت جميع هذه الشركات تنسيق كويرتي، ما جعله المعيار القياسي والمفضل في السوق.
تحكي الأسطورة قصة مثيرة حول سبب تصميم لوحة المفاتيح كويرتي بهذا الترتيب المحدد، إذ كان الهدف إبطاء عملية الكتابة على الآلة الكاتبة. فالآلات الكاتبة القديمة كانت تعمل بطريقة ميكانيكية تتضمن ضغط المفتاح الذي يدفع قطعة فولاذية تضرب شريطًا من الحبر ليترك بصمته على الورق. المشكلة في هذا النظام كانت بسيطة لكنها مزعجة، إذا ضُغط على حروف متتالية بسرعة كبيرة، فقد تعلق هذه القطع الفولاذية ببعضها ما يسبب التوقف.
الفكرة وراء تصميم كويرتي كانت فصل الحروف الأكثر استخدامًا بمسافات (مثل الأزواج TH، ON، AN، CH، IE) لتقليل فرصة التعليق، ومن ثم إبطاء الكتابة، مع بعض الاستثناءات، فالحرفان E و R يقعان جنبًا إلى جنب مع إنهما ثاني أكثر تركيبة أحرف شيوعًا.
ما تزال هذه النظرية موضوعًا للتكهن والنقاش رغم شهرتها، ففي ورقة بحثية نُشرت عام 2011 طُرحت فكرة مختلفة تمامًا، بأن تصميم كويرتي لم يكن لإبطاء الكتابة، بل كان محاولة لجعل الكتابة أسرع وأكثر كفاءة، خاصةً لمن يترجمون من رمز مورس. فقد كان الخلط بين رمز Z ‘· · · ·’ والزوج SE شائعًا مثلًا، ما دعا إلى وضع الحرف S بالقرب من Z وE لتسهيل الكتابة لمتلقي رمز مورس.
بالإضافة إلى ذلك، يُقترح أن تورط شركة ريمنجتون في تدريب الأشخاص على استخدام لوحة المفاتيح كويرتي وإنتاجها ساهم في جعل هذا التنسيق معيارًا. فكانت شركة ريمنجتون تنتج هذه الآلات وتقدم دورات تدريبية لتعليم الناس كيفية استخدامها، ما خلق دائرة من الاعتماد المتبادل بين الشركة ومستخدميها.
هذه القصص والنظريات تجعل من تاريخ لوحة المفاتيح QWERTY موضوعًا شيقًا وغنيًا بالتفاصيل والحكايات، ما يثير الاهتمام والفضول حول كيفية تطور الأشياء اليومية التي نستخدمها باستمرار.
تخيل عالمًا تكون الكتابة على لوحة المفاتيح فيه أسرع وأبسط بكثير مما نراه اليوم، هذا هو العالم الذي حاول شولز وأوغست دفوراك وغيرهم تشكيله عبر تصميمات لوحة مفاتيح مبتكرة تتجاوز النمط التقليدي كويرتي.
فلم يعد تصميم كويرتي الذي يعتمد عليه معظمنا اليوم الخيار الأمثل لعادات الكتابة الحديثة. في الواقع، حتى مبتكره شولز واصل تطوير تخطيطات بديلة حتى نهاية حياته سعيًا لتحسين كفاءة الكتابة.
تبرز هنا لوحة مفاتيح دفوراك، التي طورها أستاذ جامعي في الثلاثينيات، وافق المعهد الوطني الأميركي للمعايير عليها رسميًا في الثمانينات. هذا التصميم يوزع الحروف الأكثر استخدامًا بين اليدين اليمنى واليسرى، ما يُسهّل الكتابة ويزيد السرعة. ولم يتوقف دفوراك عند هذا الحد، فقد ابتكر تصميمات لمن يستخدمون يدًا واحدة فقط، ما يسمح بالكتابة الفعّالة حتى لذوي الاحتياجات الخاصة.
لكن الجدل حول كفاءة لوحة دفوراك ما زال قائمًا، ففي تجربة استمرت عشر سنوات، ذكر الكاتب جون بورتر من The Verge أن استخدام لوحة دفوراك يفرض تعلم الكتابة اللمسية، وهي طريقة كتابة أكثر كفاءة من الطريقة التقليدية على لوحة QWERTY.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد تنسيق كولماك، الذي يدّعي مبتكروه أنه يحسّن كل من تصميمي كويرتي ودفوراك، ويُعد الآن ثالث أشهر تنسيق للوحة المفاتيح. لكن الأدلة بشأن كون هذه التصميمات أكثر كفاءة بوضوح من كويرتي ما تزال غير قاطعة.
وفي عصر الأجهزة التي تعمل باللمس، ظهر تصميم KALQ الذي يقسم المفاتيح بطريقة تجعل الكتابة أكثر كفاءة وسهولة للأصابع. ويعد هذا التطور خطوة جديدة نحو تحسين تجربة الكتابة، مواكبًا التغيرات التكنولوجية والاحتياجات العصرية.
وجد الباحثون الذين صمموا التنسيق أنه بعد تدريب المشاركين في الاختبار مدة 10 ساعات، استطاعوا الوصول إلى سرعة 37 كلمة في الدقيقة، بينما يبلغ متوسط سرعة مستخدمي كويرتي نحو 20 كلمة في الدقيقة.
بينما يدّعي النظام أنه يسمح لمستخدمي الأجهزة اللوحية بالكتابة بنسبة 34% أسرع من مستخدمي QWERTY، نظرًا لأنه مُحسن للاستخدام على الشاشات التي تعمل باللمس، فمن غير المرجح أن يحل محل نظام كويرتي للوحات مفاتيح الكمبيوتر الفعلية.
فهل سنشهد قريبًا نهاية عصر لوحة مفاتيح QWERTY الأسطورية مع تحول الحرب بين تصميمات لوحات المفاتيح إلى شكل أكثر حداثة؟ أم أننا جميعًا معتادون على طريقتنا الحالية لدرجة أننا لا نكلف أنفسنا عناء التغيير؟
المصدر: موقع أنا أصدق العلم
خ. س
اضف تعليق