بعد أقل من شهر على عودته للبيت الأبيض، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مذكرة رئاسية تعيد سياسة "الضغوط القصوى" ضد إيران، في خطوة شملت إلغاء الإعفاءات الممنوحة للعراق لاستيراد الغاز والكهرباء من طهران، مما يضع بغداد أمام تحديات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة.

ووفقًا لمذكرة ترامب، فإن واشنطن تسعى إلى فك ارتباط العراق اقتصاديًا وماليًا بإيران، حيث تشمل العقوبات القطاع الخاص الإيراني والتبادل التجاري بين البلدين، بالإضافة إلى تقييد استخدام النظام المصرفي العراقي في التعاملات المالية مع طهران.

وفي هذا السياق، يقول إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي، إن "الإجراءات الأمريكية تتجاوز قطاع الطاقة، فهي تستهدف الأصول والمصالح الإيرانية داخل العراق، بما في ذلك عمليات التحويلات المالية التي تقدر بمبالغ كبيرة"، مشيرًا إلى إمكانية إدراج بعض البنوك العراقية ضمن لائحة العقوبات.

وتوقع خبراء أن يؤدي القرار الأمريكي إلى اضطرابات داخل العراق، ليس فقط بسبب أزمة الطاقة المحتملة، ولكن أيضًا من خلال إعادة رسم موازين القوى السياسية.

ويرى نزار حيدر، المحلل السياسي المقيم في واشنطن، أن "هذه القرارات قد تكون في صالح العراق على المدى البعيد، إذ تدفعه إلى الاستثمار في موارده المحلية بدلًا من الاعتماد على إيران"، مشيرًا إلى أن العراق يخسر 18 مليار دولار سنويًا بين استيراد الغاز وحرق الغاز المصاحب، رغم امتلاكه احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي.

يحتاج العراق إلى 70 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني يوميًا خلال فصل الصيف، مما يوفر 5,000 ميغاواط من الكهرباء، وهو ما يمثل 40% من احتياجات البلاد. لكن مع إلغاء الإعفاءات، يصبح العراق مضطرًا إلى البحث عن بدائل عاجلة.

ووفقًا لخبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، فإن "انقطاع الغاز الإيراني بالكامل قد يؤدي إلى فجوة في إنتاج الكهرباء تصل إلى 8,000 ميغاواط، مما يجعل الصيف المقبل أكثر قسوة".

ويضيف، أن العراق بدأ بالفعل مشاريع استثمار الغاز الطبيعي في حقول الجنوب، حيث بلغت نسبة الاستثمار 70% في عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 80% خلال العام الحالي، مع خطة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي بحلول عام 2028.

وحاولت بغداد تنويع مصادرها عبر توقيع اتفاق مع تركمانستان في أكتوبر 2024 لتوريد 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا، لكن التنفيذ لا يزال معلقًا بسبب مشاكل مصرفية تتعلق بالإجراءات المالية للبنك العراقي للتجارة (TBI).

ويشير شيرواني إلى، أن "العقد مع تركمانستان يعتمد على آلية المقايضة عبر شبكة الأنابيب الإيرانية، مما يثير تساؤلات حول مدى توافقه مع العقوبات الأمريكية"، لافتًا إلى احتمالية استمرار الضغوط على العراق حتى يجد حلولًا بديلة ومستدامة.

وترى الأوساط السياسية والاقتصادية أن القرارات الأمريكية الجديدة تمثل جرس إنذار لحكومة بغداد، لإعادة ترتيب أولوياتها في ملف الطاقة والعلاقات الدولية.

وفي ظل التصعيد الأمريكي، يجد العراق نفسه أمام اختبار حاسم: إما تسريع استثماراته في قطاع الطاقة وتقليل اعتماده على طهران، أو مواجهة أزمات متزايدة قد تمتد من انقطاع الكهرباء إلى أزمات مالية وسياسية أعمق.


م.ال

اضف تعليق