شهد نهر الفرات في الآونة الأخيرة مأساة حقيقة بعد ان قللت تركيا الاطلاقات المائية وتأخر موسم الأمطار وانخفاض معدلات الهطول خلال الأشهر الماضية، اذ تتزايد المخاوف من تأثيرات خطيرة على القطاع الزراعي والموارد المائية، وسط تحذيرات من موسم قد يكون كارثياً إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وفعالة.

ومع حديث وزارة الموارد المائية عن العام الحالي بأنه موسم "جفاف بامتياز"، كشفت لجنة الزراعة والمياه النيابية، اليوم الثلاثاء، عن إجراء مفاوضات مع الجانب السوري حول الحصص المائية لنهر الفرات، وذلك في إطار الجهود المبذولة لضمان تدفق مياه النهر إلى العراق بشكل عادل ومنصف.

ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.

ويبدو أن الحكومات العراقية على مدى قرن مضى فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.

وقال عضو اللجنة النائب ثائر الجبوري في حديث تابعته وكالة النبأ، أن "ملف مياه نهر الفرات يعد من الملفات المهمة والاستراتيجية التي توليها الحكومة العراقية اهتماماً كبيراً"، مشيرا إلى أن هناك تحسناً ملحوظاً في إطلاقات المياه من الجانب السوري خلال الأسابيع الماضية، خاصة بعد الثامن من كانون الأول الماضي”. 

وأوضح، أن “قوات قسد كانت تسيطر على أحد السدود الواقعة على نهر الفرات، مما أدى إلى قطع المياه عن العراق لفترات طويلة، لكن الوضع تحسن حالياً مع زيادة الإطلاقات المائية باتجاه العراق”. 

وأضاف، أن “المفاوضات مع الجانب السوري تركز على تعزيز الإطلاقات المائية وتقليل أزمة الجفاف التي عانى منها حوض الفرات في السنوات الأخيرة”، مبينا أن “العراق عالج أزمة الجفاف جزئياً من خلال نقل المياه من نهر دجلة إلى نهر الفرات عبر ما يعرف بذراع نهر دجلة”. 

 وأوضح الجبوري، أن “الحكومة العراقية تسعى جاهدة لضمان حصول العراق على حصته العادلة من مياه نهر الفرات، خاصة أن النهر يغذي مناطق واسعة تضم ملايين السكان، بالإضافة إلى القطاع الزراعي والقطاعات الأخرى التي تعتمد بشكل كبير على المياه”. 

 ولم يعد تغير المناخ في العراق يقتصر على كونه أزمة بيئية، بل بات يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، إذ تحولت أزمة ندرة المياه، إلى أحد أسباب الاقتتال العشائري جنوبي البلاد، حيث سجلت محافظة ميسان، مؤخرًا مقتل شخصين وإصابة ثالث، إثر نزاع نشب بين جيران بسبب خلاف على مياه السقي في قرية الأبيض المحاذية لهور الحويزة قرب الحدود العراقية الإيرانية.

 كما شهد قضاء قلعة صالح في المحافظة ذاتها قبل أيام، مقتل خمسة أشخاص في نزاع عشائري مسلح، إثر خلاف بسبب شح المياه الذي بات يشعل فتيل الصراعات العشائرية.

 ومن المقرر أن يشهد العراق انعقاد المؤتمر السنوي الخامس للمياه بالتزامن مع المؤتمر العالمي الـ11 للري الدقيق، التابع لمنظمة الري والبزل العالمية، وذلك خلال الفترة من 27 إلى 29 نيسان المقبل، وبدعم من المنظمات الدولية.

 وكشف مؤشر جفاف التربة SPI لمنطقة الشرق الأوسط لشهر كانون الأول ديسمبر 2024، وجود جفاف حاد ومتطرف لعموم مناطق العراق (ما بين 1.6-1.8) عن الحد الطبيعي، حسبما أفادت به هيئة الأنواء الجوية العراقية.

 ويعد العراق من أكثر الدول تضررًا من التغير المناخي؛ إذ صُنف خامس دولة في العالم من حيث التأثر بهذه الظاهرة، وفق تقارير دولية.

 وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، انخفض إنتاج نهري دجلة والفرات، اللذين يوفران 98% من المياه السطحية للعراق، بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40%،بسبب قلة هطول الأمطار وزيادة معدلات التبخر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، فضلًا عن بناء السدود في دول المنبع.

 وتشير تقديرات دولية، إلى أن العراق سيواجه عجزًا مائيًّا يصل إلى 10 مليارات متر مكعب بحلول عام 2035، كما أن الجفاف الممتد وسوء إدارة التربة أثّرا على 39% من الأراضي العراقية، وأدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي.

 وكان السياسي البارز والناشط الحقوقي بختيار أمين، أكد في وقت ماضي، إن “العراق بإمكانه تدويل ملف المياه، لكنه لغاية الآن يستخدم الطرق الحوارية مع الدول المجاورة”، مبينا أن “دول الجوار باتت تستعمل المياه كسلاح، فهي أخذت تزرع وتصدر المحاصيل الزراعية للعراق، بدلا من تزويده بحصته من المياه”.

 ودعا الى إعمال الضغط الدولي على دول المنبع، قائلا “تطرقت في وقت سابق لملف المياه مع محكمة العدل الدولية في لاهاي، خاصة وأن العراق أحد مؤسسي المحكمة، حيث كانت آنذاك هناك قضية مشابهة مفتوحة أمامها وهي الملف المائي بين هنغاريا وسلوفاكيا، حيث تم التحكيم من قبل المحكمة لصالح الدولة المتضررة، وقد قمت باستثمار الفرصة حينها وطرحت قضية العراق فأبدت المحكمة استعدادها بعد أن شرحت الوضع بالتفصيل، كما تلمست الاستعداد الكامل من قبل رئيس المحكمة لحلها وإنصاف العراق، لكن عندما خاطبت المسؤولين في بغداد لم أر أي تفاعل أو تعامل جدي مع قضية التدويل“.

 ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.

 وتثير إحتمالية مرور شتاء جاف على العراق قلق ومخاوف الكثير من المراقبين، ويعد الشتاء الجاف حالة مناخية معروفة ولطالما عانى منها العراق في سنوات سابقة لكنها هذه المرة تأتي وسط ظروف مائية صعبة تهدد الموسم الزراعي.

 وكان زعيم تحالف مستقبل العراق باقر جبر الزبيدي، قد حذر في 18 كانون الأول ديسمبر 2024، من مؤشرات موسم الشتاء الحالي وانعكاساتها على السنوات الخمس القادمة، مبينا أن هذه الأزمة ستفرض على المزارعين في العراق اللجوء إلى الري بالتنقيط وتبطين الأنهر للمحافظة على نسبة المياه المهدورة أثناء السقي أو الري، فيما دعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن زيادة الحصص المائية للعراق من قبل دول المنابع والاستعانة بكل الطرق الدبلوماسية وأوراق الضغط الاقتصادية من أجل زيادة حصتنا من المياه.

 و يبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.

 ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.

 وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.

 وفي آذار مارس 2024، قال رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تصريحات صحفية، إن “سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان (تركيا وإيران) نحو 70 بالمئة من حصة العراق المائية”، وبالإضافة لذلك فقد أسفرت هذه الأزمة عن حلول العراق بين أكثر خمس دول تأثرا بتغير المناخ في العالم.

 م.ال

اضف تعليق