لطالما كانت ألمانيا ركيزة الاتحاد الأوروبي ومحركه الأساسي، لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً واضحاً لدورها، وسط أزمات سياسية داخلية أثرت على قدرتها في توجيه دفة الاتحاد.

وبينما تتصاعد التحديات الأوروبية، يترقب القادة عودة محتملة للقيادة الألمانية، مع اقتراب زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس من منصب المستشارية.

تسببت الخلافات داخل الائتلاف الحاكم في برلين بتأخير القرارات المصيرية، مما زاد من غياب ألمانيا عن مراكز القيادة الأوروبية.

وتفاقم الوضع بسبب العلاقات المتوترة بين المستشار أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما أضعف "المحرك الألماني-الفرنسي" الذي طالما كان القوة الدافعة للاتحاد الأوروبي.

كما شهدت العلاقات الألمانية-البولندية توترات بسبب قضايا الدفاع الأوروبي والمطالبات التاريخية العالقة.

ومع استعداد ميرتس لتولي المستشارية، تعهد بإعادة ألمانيا إلى موقعها القيادي داخل الاتحاد الأوروبي، مؤكداً ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة في الملفات الأمنية والاقتصادية.

وأشارت جانا بوغليرين، رئيسة مكتب برلين في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن "ميرتس يدرك مدى إلحاح الوضع العالمي، وأن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى حكومة ألمانية فاعلة في أقرب وقت ممكن".

أحد أكثر الملفات حساسية هو دعم أوكرانيا، حيث تعهد ميرتس بتزويد كييف بصواريخ كروز "توروس" طويلة المدى، وهو ما رفضه المستشار الحالي شولتس.

كما تزداد الضغوط على ألمانيا للمساهمة بمهام ردع أو حفظ سلام في أوكرانيا، وهو أمر وصفه شولتس سابقاً بأنه "سابق لأوانه تماماً".

وعلى صعيد آخر، ستجد الحكومة الألمانية الجديدة نفسها أمام مطالب متزايدة من الناتو لرفع الإنفاق الدفاعي، مما يفرض تحديات داخلية مرتبطة بسياسة التقشف الألمانية التي تمنع زيادة الاقتراض الحكومي.

وفي ظل هذه الضغوط، تواجه برلين مطالب بالتخلي عن معارضتها للاقتراض المشترك للدفاع، حيث أبدى ميرتس انفتاحاً مشروطاً على هذا الطرح، رغم التحفظات داخل حزبه.

أما في ملف الهجرة، فقد تبنّى ميرتس سياسة أكثر تشدداً، تشمل رفض جميع طالبي اللجوء، وهو ما قد يثير توترات مع الدول المجاورة.

لكن التحدي الأكبر قد يكون في العلاقة مع واشنطن، خاصة في ظل احتمال عودة دونالد ترامب للرئاسة، وهو ما قد يغير جذرياً موازين السياسة الخارجية الأوروبية.

ومع تصاعد الخطاب الأمريكي المتشدد تجاه أوروبا، قد تجد ألمانيا نفسها أمام مسؤولية أكبر في قيادة الاتحاد لمواجهة الضبابية المتزايدة في العلاقات عبر الأطلسي.

م.ال

اضف تعليق