أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها القاطع لخطة أمريكية جديدة تهدف إلى توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة عبر شركات خاصة، معتبرة أن هذه الخطوة تُعد "محاولة لتجاوز المؤسسات الأممية وتقويض دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والمؤسسات الوطنية العاملة في القطاع".
وقال حسين الشيخ، نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن "الأولوية الوطنية في هذه المرحلة تتمثل في وقف العمليات العسكرية، وتوفير الإغاثة العاجلة، والإفراج عن الرهائن والمعتقلين، وصولاً إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة والانخراط في مسار سياسي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين".
وجددت الحكومة الفلسطينية دعوتها إلى المجتمع الدولي لممارسة ضغط فعّال على إسرائيل من أجل فتح المعابر وضمان تدفّق المساعدات إلى سكان غزة وفق المعايير الإنسانية الدولية.
وكان السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، قد كشف عن إعداد إدارة الرئيس دونالد ترامب "نظامًا جديدًا" لتوزيع المساعدات في غزة، من خلال إقامة "مراكز للتوزيع" تُشرف عليها شركات خاصة مدعومة بمتعهدين أمنيين، لتقديم الغذاء والمياه والمواد الأساسية لنحو مليون فلسطيني كمرحلة أولى.
وأكد هاكابي، أن القوات الإسرائيلية لن تتولى عمليات التوزيع، لكنها ستؤمّن محيط تلك المراكز، مشيرًا إلى أن الغرض من ذلك هو "منع حركة حماس من سرقة المساعدات"، على حد تعبيره.
وأضاف، أن "الرئيس ترامب يرى في إغاثة غزة ضرورة ماسّة، ولن يدّخر فريقه جهدًا لتسريع وتيرة الدعم"، لافتًا إلى أن الإدارة تسعى لحشد دعم خليجي مالي لتلك المبادرة قبيل زيارة مرتقبة لترامب إلى المنطقة.
في المقابل، عبّرت الأمم المتحدة عن رفضها لما وصفته بـ"الخطة المثيرة للجدل"، مؤكدة أن مثل هذه الإجراءات "تُهدد حياة المدنيين وتنتهك المبادئ الإنسانية"، مشيرة إلى أن إسرائيل تستخدم المساعدات "كورقة ضغط" على السكان المحاصرين.
وقال جيمس إلدر، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، إن "المقترح الإسرائيلي بإقامة حفنة من مراكز التوزيع في الجنوب سيجبر السكان على الاختيار بين النزوح والموت"، مضيفًا أن "المساعدات لا يمكن أن تُستخدم أداة تفاوض في مناطق النزاع".
من جانبه، حذر المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ينس لايركه من أن خطة توزيع المساعدات الجديدة "لا تتوافق مع المبادئ الأساسية لأي منظمة إنسانية"، معتبرًا أنها "تهديد وجودي للعمل الإنساني المحايد، ليس فقط في فلسطين، بل في مناطق النزاع حول العالم".
وفي سياق متصل، كشفت وثيقة مسرّبة اطّلعت عليها "بي بي سي" عن تسجيل كيان جديد باسم "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، يعتزم تنفيذ الخطة الأمريكية من خلال إنشاء أربعة مراكز لتوزيع المواد الغذائية والمياه والمستلزمات الصحية لنحو 1.2 مليون نسمة، أي ما يعادل 60% من سكان القطاع.
وأشارت الوثيقة إلى أن المؤسسة تسعى لـ"إعادة تفعيل الدور الإغاثي عبر نموذج مستقل خاضع لآليات مراجعة صارمة"، لكنها لم تقدّم تفاصيل واضحة حول آلية العمل الميداني أو كيفية ضمان الحيادية.
من جانبها، أكدت وكالة الأونروا أن أكثر من 3,000 شاحنة محملة بالمساعدات تقف على مقربة من غزة منذ أسابيع، دون السماح لها بالدخول، في ظل الحصار الإسرائيلي الكامل المفروض منذ نحو ثلاثة أشهر.
وقالت جولييت توما، مديرة الاتصال في الأونروا، إن "الوقت ينفد، والأبواب يجب أن تُفتح فورًا"، مضيفة: "لدينا الطعام والدواء، لكن لا يمكننا إدخاله، والمراكز الغذائية في غزة أغلقت أبوابها لأنها لم تعد تملك ما توزعه".
كما كشفت عن ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار المواد الغذائية، حيث وصل سعر كيس الدقيق (25 كغم) إلى 415 دولارًا، أي ما يزيد على 30 ضعف سعره الطبيعي.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن أكثر من 80 مطبخًا مجتمعيًا في غزة توقفت عن العمل منذ أواخر أبريل بسبب نقص الإمدادات، ما أدى إلى تفاقم أزمة الجوع، بينما تشير التقديرات إلى أن نحو 60 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حادّ.
وفي شمال القطاع، عبّرت عائلات فلسطينية في جباليا عن يأسها من إمكانية الحصول على وجبة طعام، سواء من التكايا أو المطاعم الخيرية، في ظل الفوضى والانهيار الكامل لشبكات الدعم الإنساني.
وردًا على اتهامات إسرائيل والولايات المتحدة لحركة حماس بالاستيلاء على المساعدات، قدّمت الأونروا ومنظمة الصحة العالمية مقترحًا بأنظمة تسليم شاملة خاضعة للرقابة "من الباب إلى الباب"، بما يضمن وصول المساعدات للمستحقين.
وأكدت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، أن "المشكلة ليست في توزيع المساعدات داخل غزة، بل في إدخالها أصلاً"، مطالبة بإنهاء الحصار والسماح بتدفق الإغاثة دون قيود.
وكانت الحرب في غزة قد اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، إثر هجوم شنّته حركة حماس على جنوبي إسرائيل أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص واختطاف 250 آخرين، بحسب مصادر إسرائيلية، وردّت عليه إسرائيل بعمليات عسكرية مدمرة أودت بحياة أكثر من 52,700 شخص في غزة، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
وتحذّر منظمات الإغاثة الدولية من أن استمرار الحصار وتعطيل وصول المساعدات قد يؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع المحاصر.
م.ال
اضف تعليق