في ظل هدنة تجارية مؤقتة مدتها 90 يومًا مع الولايات المتحدة، تُواصل الصين تشديد سيطرتها على صادراتها من المعادن الأرضية النادرة، ما يبرز تمسكها بورقة ضغط استراتيجية في المفاوضات المستقبلية وسط التنافس المتصاعد مع واشنطن.

ففي الاتفاق التجاري المبرم مؤخرًا بجنيف، تعهدت بكين بإزالة الإجراءات "غير الجمركية" التي فرضتها على واشنطن منذ 2 نيسان/أبريل، وهو ما دفع كثيرًا من الشركات الأميركية إلى التساؤل حول ما إذا كان هذا الالتزام يشمل أيضًا ضوابط التصدير التي فُرضت في 4 أبريل على سبعة معادن أرضية نادرة ومنتجاتها، في إطار الرد الصيني على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

ورغم أهمية هذه المعادن – التي تدخل في تصنيع أجهزة الآيفون والمركبات الكهربائية وصولًا إلى المقاتلات من طراز F-35 – لم تُبدِ بكين أي نية للتراجع عن الضوابط الجديدة. بل على العكس، تشير المعطيات إلى أن السلطات الصينية تُعزز آليات الرقابة وتُكثّف التفتيش، وفقًا لخبراء ومصادر صناعية مطلعة.

الضوابط التي فُرضت في أبريل لا تُحظر التصدير صراحة، لكنها تشترط الحصول على موافقة حكومية مسبقة لكل شحنة، ما أدى إلى تأخيرات كبيرة في الأسابيع الماضية، وأثار قلق قطاعات حيوية في الولايات المتحدة، خاصةً في مجالات السيارات والدفاع.

ورغم أن وزارة التجارة الصينية أعلنت في أعقاب محادثات جنيف عن إزالة 28 شركة أميركية من قائمة ضوابط التصدير ذات الاستخدام المزدوج، و17 أخرى من قائمة منفصلة للاستثمار، فإنها لم تُشر إلى أي تعديل على ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة. ورفضت المتحدثة باسم الوزارة تقديم أي معلومات حول نية الصين المحتملة لتخفيف هذه القيود.

في المقابل، أطلقت بكين حملة لمكافحة تهريب الموارد الاستراتيجية، بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة. وفي 12 أيار/مايو، عقدت السلطات الصينية اجتماعًا مع مسؤولين من مقاطعات منتجة للمعادن، بهدف "تعزيز الرقابة" على سلسلة التوريد ومنع التدفقات غير المشروعة.

وبعد أسابيع من التأخير، بدأت الصين بالفعل في إصدار تراخيص تصدير لمغناطيسات تحتوي على معادن نادرة مثل الديسبروسيوم والتيربيوم.

ومع ذلك، فإن النظام لا يزال صارمًا، إذ تُمنح التراخيص وفق مبدأ "ترخيص واحد لكل شحنة"، ولا يمكن استخدام الترخيص ذاته لأكثر من مرة، ما يعني استمرار قدرة بكين على التحكم الدقيق في التدفقات التجارية.

وقد أكدت شركتان صينيتان لشبكة CNN حصولهما على تراخيص لتصدير شحنات إلى دول في جنوب شرق آسيا وأوروبا، بما في ذلك شركة فولكس فاجن الألمانية، التي أشارت في بيان إلى أن مورديها تلقوا تراخيص محدودة من السلطات الصينية.

وتعليقًا على ذلك، قالت جريسلين باسكاران، مديرة برنامج أمن المعادن الحرجة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن إزالة الصين لبعض الشركات الأميركية من قوائم التقييد لا تعني بالضرورة تخفيفًا فعليًا للقيود. وأضافت أن النظام الجديد يطلب من المصدّرين تقديم معلومات مفصلة عن المستخدم النهائي، ما يمنح بكين رؤية واضحة حول أين تُستخدم منتجاتها الاستراتيجية، ويستغرق البت في التصاريح ما يصل إلى 45 يوم عمل.

وتمتلك الصين 61% من الإنتاج العالمي من معادن الأرض النادرة، لكنها تحتكر ما يقرب من 92% من عمليات المعالجة، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. وهذه الهيمنة جعلتها لاعبًا لا غنى عنه في سلاسل الإمداد العالمية.

كما أن هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الصين موقعها الاحتكاري للضغط الجيوسياسي. ففي عام 2010، علّقت تصدير المعادن النادرة إلى اليابان إثر خلاف إقليمي، وفي أواخر 2023 فرضت حظرًا على تصدير تقنيات معالجة المعادن النادرة. كما قلصت صادراتها من معادن أساسية أخرى كالغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون.

وترى باسكاران أن منح الصين تراخيص لفولكس فاجن تحديدًا يحمل بُعدًا جيوسياسيًا. فمع تزايد التوتر بين واشنطن وبكين، والقلق الأميركي من تقارب ألمانيا مع الصين، فإن منح برلين امتيازًا في هذا التوقيت يُعد رسالة سياسية صريحة.

واختتمت بالقول: "نظام التراخيص الجديد قد يُمثّل شكلًا مستدامًا من أدوات النفوذ الجيوسياسي لبكين، حتى في ظل التهدئة المؤقتة مع واشنطن".

م.ال

اضف تعليق