دعا رجل الدين الشيخ مرتضى معاش، إلى ضرورة ترسيخ مفهوم التربية الرقمية في زمن يتسارع فيه التطور التكنولوجي بشكل غير مسبوق، محذرًا من مخاطر "المخدرات الرقمية" التي أصبحت تهدد الأطفال والمراهقين بشكل خفي.
وتساءل الشيخ معاش خلال لقائه في برنامج "المحطات" الذي يُبث عبر قناة الأنوار الفضائية: "هل تسمح لابنك أو ابنتك، سواء كان طفلًا أو مراهقًا أو شابًا، بأن يشتري الحبوب المخدرة؟ بالطبع لا. لكن التكنولوجيا الرقمية أصبحت بمثابة مخدر خفي، فلماذا نتيح لأطفالنا الوصول إليها بسهولة؟".
وبيّن الشيخ معاش أن التربية الرقمية تختلف عن التربية التقليدية، فهي تتجاوز مجرد استخدام الوسائل التقنية، وتركز على إعداد الجيل الجديد لفهم التكنولوجيا الحديثة والتعامل معها بوعي. وأوضح أن التربية الرقمية تهدف إلى:
- توفير بيئة رقمية آمنة
- تعليم المهارات اللازمة للتعامل مع البيئة الرقمية
- الوعي بمخاطر التكنولوجيا وتحدياتها
- حماية الأمن الفكري والثقافي والعقائدي
- تعزيز الأمن السيبراني والحفاظ على الخصوصية
- تعلم الأخلاقيات الرقمية وأحكامها الشرعية
- ترسيخ المسؤولية الاجتماعية في التعامل مع التكنولوجيا
ولفت الشيخ معاش إلى أن التربية الرقمية مفهوم انبثق وتولد من مفهوم التربية الإعلامية، التي تُعرف بأنها مهارة التعامل النقدي مع وسائل الإعلام وتقييم رسائلها المتنوعة، لا سيما في عالم يعج بالمعلومات المتزايدة. وأكد أن التربية الإعلامية ليست مجرد التدريس عبر وسائل الإعلام، بل مشروع دفاعي لحماية الأطفال والشباب من المخاطر التي تفرزها هذه الوسائل، عبر كشف الرسائل المزيفة والقيم المنحرفة.
وفي هذا السياق، شدد الشيخ معاش على الفروق الجوهرية بين التربية التقليدية والتربية الرقمية، حيث لم تعد القواعد القديمة كافية لمواجهة عالم اليوم، الذي يتميز بـ:
- اتساع الفجوة بين الأجيال ما قبل الرقمي وما بعده
- كثرة الشاشات والمعلومات وسرعة الوصول إليها
- الانفلات الثقافي وغياب فلاتر التصفية
- هيمنة العالم الافتراضي على الواقع الحقيقي
- اختلال التوازن بين العالم الطبيعي والعالم الرقمي.
وأشار الشيخ معاش إلى أن معدل النمو التكنولوجي أصبح يتجاوز سرعة نمو الانسان البيولوجية، إذ تتطور الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي بمعدل يربك قدرة الأطفال على التكيف. وبيّن أن هذا الفارق يؤدي إلى مشكلات نفسية خطيرة، مثل القلق، التوتر، فقدان الإحساس بالزمن، والانفصال عن المجتمع.
واستشهد الشيخ معاش بأفكار الكاتب الأمريكي ألفين توفلر في كتابه الشهير "صدمة المستقبل"، الذي صدر عام 1970، وحذر فيه من أن السرعة الكبيرة للتغيرات في المجتمع والتكنولوجيا تسبب "صدمة نفسية" للأفراد. وأوضح أن هذه الصدمة، كما وصفها توفلر، تنشأ عندما يعجز الإنسان عن مواكبة التحولات المتلاحقة، فيشعر بالتوتر والقلق وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي.
فإذا كان التغيير الكبير في العصور القديمة يحدث كل 500 سنة، فإنه في العصر الرقمي يحدث كل 5 سنوات أو أقل.
وأكد الشيخ معاش أن مظاهر "صدمة المستقبل" تتجلى اليوم بوضوح، خاصة بعد عام 2010، حين شهد العالم نقلة رقمية نوعية بظهور أول هاتف بكاميرا فيديو عالية الجودة وتطبيق "إنستغرام" الذي عمل حصريًا على الهواتف الذكية. وأشار إلى أن هذا التطور التكنولوجي أدى إلى ازدياد ظاهرة المقارنة، خاصة بين الفتيات، مع شيوع الفلاتر الرقمية التي ساهمت في خلق صورة مثالية زائفة. كما ساهم في تزايد الصدمات النفسية، والعزلة الاجتماعية، والفردية، وتراجع الشعور بالمسؤولية.
واختتم الشيخ معاش حديثه بالدعوة إلى ضرورة الوعي بأهمية التربية الرقمية، عبر:
- تعلم مهارات التفكير النقدي والتحليلي
- عدم التسرع في تصديق المعلومات قبل التحقق من صحتها
- تقييم مصادر المعلومات الرقمية وتحديد مصداقيتها
- حماية الهوية الثقافية والحضارية
- تعزيز القيم الأخلاقية والروحية في بيئة رقمية متسارعة.
وشدد على أن مواجهة "المخدرات الرقمية" تتطلب جهودًا تربوية وإعلامية شاملة، لحماية الأجيال من الانجراف خلف العالم الرقمي ومخاطره.
للاطلاع على تفاصيل الحوار مع الشيخ مرتضى معاش، يمكن زيارة صفحة قناة الأنوار الفضائية عبر الرابط التالي:
اضف تعليق