نشر موقع "لوب لوج" مقالًا سلط فيه الضوء على التباين الصارخ بين مؤتمري وارسو وسوتشي. إذ يقول كاتب المقال مارك كاتز، وهو أستاذ في الحوكمة والسياسة بجامعة جورج ماسون الأمريكية: إن مؤتمر وارسو الذي انعقد بين يومي 13 و14 فبراير (شباط) وركز على قضايا الشرق الأوسط، يضرب مثالًا واضحًا على عجز الولايات المتحدة عن حشد حلفائها من الحكومات الأوروبية لدعم القضية المناهضة لإيران التي تدفع بها بقوة إدارة ترامب وإسرائيل والسعودية والإمارات. وعلى النقيض من هذا الفشل، تأتي قمة سوتشي المنعقدة في 14 فبراير (شباط) التي جمعت بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا.
وقال مارك في تقريره: إن رغبة تركيا وروسيا التي عبَّرا عنها في سوتشي من أجل التعاون مع إيران داخل سوريا، تقيد من قدرة الولايات المتحدة وحلفائها المناهضين لإيران في الشرق الأوسط على عزل الجمهورية الإسلامية. ورأى أن القمتين تبرزان تناقضًا آخر: فبينما يختلف ترامب مع الدول الأوروبية التي تجمعها تحالفات بأمريكا منذ عهد طويل، يُظهر بوتين قدرة على التعاون مع قائدين صعبي المراس في الغالب، وهما الرئيس التركي، والرئيس الإيراني.
ورغم النبرة التي سادت في سوتشي والتي أظهرت تعاونًا أكثر، يقول التقرير إنه بدا أن كل قائد منهم يغرد في سربه الخاص؛ إذ عبر الرئيس الإيراني حسن روحاني عن تشككه في انسحاب القوات الأمريكية فعليًا من سوريا، في حين ظهر الرئيس بوتين متفائلًا بأن ترامب سيمضي قدمًا للوفاء بما تعهد به.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تسببت مكالمته الهاتفية مع ترامب في ديسمبر (كانون الأول) على ما يبدو في إعلان الرئيس الأمريكي سحب قوات بلاده من سوريا، فقد أعرب عن شكوكه بشأن الموقف الأمني الذي قد يترتب على ذلك.
ورأى الكاتب أن الأخطر من هذه الاختلافات هي "الحماسة" التي أظهرتها روسيا وإيران لشن هجوم على إدلب، التي تضم آخر معاقل المعارضة المسلحة، في حين جاء موقف أردوغان مغايرًا إذ طالب بتوخي الحذر. وأرجع الكاتب موقف أردوغان ذلك ليس فقط إلى دعم تركيا لمعارضي الأسد الموجودين الآن في إدلب، بل أيضًا إلى احتمالية تدفق اللاجئين المتولدين عن أي معركة للسيطرة على المدينة إلى داخل تركيا.
وبحسب التقرير فقد تمثل اختلاف آخر بين قادة سوتشي في موقفهم من أكراد سوريا، ففي حين أن أردوغان يعتبر القوات الكردية السورية حليفة للمعارضة الكردية في تركيا، ومن ثَم فإنهم في الجملة أعداءٌ لأنقرة، وكانت مطالبته بسحب القوات الأمريكية من سوريا مدفوعة برغبته في أن يرى تقليل الدعم الأمريكي المقدم إلى أكراد سوريا، أو حتى إنهاءه تمامًا، فقد طالب روحاني أثناء القمة بضمان حقوق الأكراد في مستقبل سوريا، بينما جدد بوتين مطالبته بضم القوات الكردية في سوريا إلى قوات الجيش السوري.
وأشار التقرير إلى أنه طالما بقت القوات الأمريكية في سوريا والولايات المتحدة تتحالف بصورة وثيقة مع القوات الكردية السورية ضد تنظيم (داعش)، تركز تركيا على استيائها من الدعم الذي تقدمه أمريكا لهم، متوقعًا أنه مع مغادرة الولايات المتحدة، سوف يوجه هذه الاستياء التركي إلى الدعم المقدم إلى الأكراد في سوريا من جانب روسيا وإيران.
أما في مؤتمر وارسو، فقد عبرت الولايات المتحدة عن انزعاجها بكل وضوح من أن الحكومات الأوروبية لا تؤدي دورها في ما يتعلق قضية إيران مثل واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط. ويقول تقرير "لوب لوج" إنه رغم الانتقاد الذي وجهته إدارة ترامب للقادة الأوروبيين لعدم قيامهم بما يكفي تجاه إيران، فإدارة ترامب وحلفاؤها في إسرائيل والسعودية والإمارات لم ينتقدوا روسيا لتعاونها بالفعل مع إيران، معتبرًا أن هذا التنافض هو ما يُصعِّب إقناع الأوروبيين بالاتفاق مع موقف إدراة ترامب تجاه إيران.
وبحسب التقرير، فإن قدرة روسيا على التعاون مع حكومتين لا تملك الولايات المتحدة نفوذا كبيرًا عليهما؛ لا يعني أن روسيا تحظى بموقف أفضل فيما يتعلق بالتوصل إلى تسوية للصراع السوري، أو الخصومة بين إيران من جانب وإسرائيل ودول الخليج من جانب آخر.
ورأى أن مطالبة قمة سوتشي بتقديم المساعدات الدولية الإنسانية يظهر عدم رغبة روسيا وعدم قدرتها على الاضطلاع بدور القوة العظمى لتمويل اتفاقية سلام مثلما فعلت الولايات المتحدة على مدى 40 عامًا منذ اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. ورجح أن يؤدي سحب ترامب لقواته من سوريا (إذا حدث حقًا) إلى اشتعال الخلافات الكامنة بين روسيا وتركيا وإيران فيما يتعلق بالأطراف المتحاربة المتنوعة في سوريا، حسب رأي كاتز.
واختتم الكاتب تقريره بالقول إن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا أملًا في اشتعال الصراع بين خصومها، يشكل "لاستراتيجية محفوفة بالمخاطر" (إذا كانت استراتيجية من الأساس)، مشيرًا إلى أنه إذا حدث ذلك واستطاعت روسيا التوصل إلى تسوية للصراع في سوريا بالرغم من العقبات الباقية، فسوف ينظر كثيرون في الشرق الأوسط ومناطق أخرى إلى روسيا وليس واشنطن من أجل القيادة الدولية، لكن إذا لم يستطع بوتين تسوية الصراع في سوريا (وهي الاحتمالية الأرجح)، فلن تستفيد موسكو ولا واشنطن من استمرار الصراع واشتداده، أو أنه فوق كل شيء لن يكون مفيدًا لإنهاء المعاناة الممتدة للشعب السوري.
اضف تعليق