أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على تحليل ملامح الوجه الدقيقة -انحناءة بسيطة في زاوية الفم، وارتفاع الحاجب، واتساع الحدقة، أو تباين ألوان الجلد- ليكشف عن مؤشرات الاكتئاب، والقلق، والإرهاق النفسي، وحتى الألم المزمن، من صورة واحدة فقط.

في دراسة حديثة نُشرت في يونيو (حزيران) 2025 من معهد MIT Media Lab بالتعاون مع جامعة طوكيو، استطاع الباحثون تدريب نموذج ذكاء اصطناعي على رصد 32 نقطة دقيقة في الوجه.

* علامات الاكتئاب: وتعرَّف النموذج على علامات الاكتئاب بدقة تجاوزت 87 في المائة، وذلك من خلال مراقبة تعبيرات متناهية البساطة، مثل ميلان الشفة أو انخفاض الحاجب.

* علامات الإرهاق النفسي: أما في كوريا الجنوبية، فطوّر فريق من جامعة Yonsei نموذجاً مختلفاً كلياً؛ إذ إنه يعتمد على كاميرا الهاتف الذكي فقط، ويقيس تدفق الدم في الوجنتين والجبهة باستخدام موجات الضوء المنعكسة، لرصد الإرهاق النفسي المزمن بدقة عالية. وقد نُشرت هذه الدراسة في مجلة Digital HealthSensors في يونيو 2025، وطرحت فرضية جريئة: قد تصبح الصورة بديلاً عن الاستبيان النفسي التقليدي.

من تجميل الابتسامة إلى تشخيص النفس

قد يتساءل القارئ: وما علاقة كل هذا بطب الأسنان؟ الإجابة تكمن في تفاصيل الوجه، وتحديداً في تلك الصور التي نلتقطها عادة خلال برامج تصميم الابتسامة الرقمي (Digital Smile Design) التي تُستخدم لوضع خطة علاجية لتجميل الابتسامة. ولكن الصورة نفسها التي كانت يوماً مجرّد أداة لقياس عرض الشفاه أو شكل اللثة، باتت اليوم بوابة إلى أعماق المشاعر الإنسانية.

في 2025، لم يعد هدف الطب التجميلي هو الحصول على ابتسامة مثالية من حيث التناظر والنسب الجمالية فقط؛ بل أصبح الهدف أعمق: ابتسامة تُصمم بما يتناسب مع الحالة النفسية للمريض، وتُراعي خلفية مزاجه، وتخدم راحته العاطفية.

تحليل مشاعر الوجه

في دراسة رائدة نُشرت في يوليو (تموز) 2025 ضمن مجلة الذكاء الاصطناعي التجميلي لطب الأسنان (Journal of Esthetic Dental AI)، أوصى فريق بحثي من جامعة زيوريخ (University of Zurich) بدمج ما يُعرف بـتحليل المشاعر الوجهية ضمن تخطيط الابتسامة، معتبرين أن: الابتسامة المصممة بما يتوافق مع الحالة النفسية أكثر تأثيراً في تحسين جودة الحياة، من الابتسامة المثالية على الورق.

وقد حملت الدراسة مشهداً افتراضياً يعكس واقعاً آخذاً في التحقق: شاب في الثلاثين من عمره، يدخل العيادة طالباً ابتسامة هوليوودية. تلتقط الكاميرا صورة لوجهه. يحلل النظام الذكي ملامحه بدقة، ليُصدر تنبيهاً صامتاً: «احتمال اكتئاب معتدل– يُنصح بالإحالة إلى مختص نفسي.

نمذجة المشاعر لبناء ملف نفسي بيولوجي شخصي

ما كان يوماً خيالاً أصبح الآن حقيقة تجريبية، عبر تقنية تُعرف باسم نمذجة المشاعر الوجهية (Affective Facial Modeling) وهي منظومة ذكية تحلل التعبيرات الدقيقة في الوجه لتقدير الحالة النفسية. تُستخدم حالياً في عدد من التجارب السريرية في أميركا الشمالية، ضمن مسارات العلاج الشامل في طب الأسنان التجميلي والسلوكي.

وفي ولاية كاليفورنيا، أطلق مركز بحثي مشروعاً متقدماً في يوليو 2025 لربط تحليل الوجه ببيانات النوم، والتغذية، والهرمونات، بهدف بناء ملف نفسي– بيولوجي متكامل للمريض، يُستخدم في تصميم العلاجات التجميلية بشكل أكثر إنسانية وفعالية.

ليس التحدي أن نصنع ابتسامة جميلة؛ بل أن نصنع ابتسامة تُشبه صاحبها، تُشبه لحظته، تُشبه تقلباته، وتُشبه ما لا يستطيع قوله بصوتٍ عالٍ. ابتسامة لا تُصمم فقط وفق المقاسات؛ بل وفق المشاعر. تُداوي بدل أن تُخفي، وتُعبّر بدل أن تُجمّل.

هل يمكننا الوثوق بخوارزمية تقرأ حزننا؟

لكن، كما هي الحال مع كل ثورة تكنولوجية تمسّ المشاعر البشرية، يبرز السؤال الأخلاقي قبل التقني:

هل يمكننا الوثوق بخوارزمية تقرأ حزننا؟ من يملك الحق في أن يعرف ما يخفيه وجهنا؟ وهل يصبح المريض -وهو يبحث عن الجمال- عُرضة لتشخيص نفسي غير مقصود؟ هل من حق النظام أن يقترح عليه إحالة إلى عيادة نفسية، لأن زاوية فمه تميل قليلاً نحو الأسفل فقط؟


متابعات

 

 

س ع


اضف تعليق