الطاقة كالأسلاك الكهربائية والبُن، أي من هذه الأشياء رُبِط بالسرطان؟ إذا كنت غير متأكد، فأنت لست وحدك. لا تكمن المشكلة في نقص المعلومات، بل في تعرّضنا لوابل من المعلومات الخاطئة بشأن أسباب الإصابة بالسرطان، إلى حدٍّ يَصْعُب فيه فصل الخرافات عن الواقع في كثير من الأحيان.
ومع ذلك، يتحتّم علينا جميعا إثراء معلوماتنا بشأن هذا المرض لأنه يؤثر علينا جميعا؛ سواء كنت قد أُصِبت به بنفسك أو كنت تعرف شخصا أُصيب به. بالنسبة للأفراد في المملكة المتحدة، فإن فرصة تشخيص الإصابة بالمرض هي لفرد من بين كل اثنين، أي 50% من السكان. على الصعيد العالمي، يحتل السرطان المرتبة الثانية كسبب للوفاة بعد أمراض القلب والأوعية الدموية، متسببا في وفاة شخص واحد من بين كل ستة أشخاص.
السرطان ليس مرضا واحدا، كما أن أسبابه كثيرة ومعقدة. من ناحية أخرى، هناك أمور يمكننا القيام بها لتقليل مخاطر الإصابة به لو تَمَكّنا فقط من تحديدها؛ وهذا الأمر ليس سهلا حيث لا يتفق الخبراء معه دائما. ومع ذلك، فقد قطعنا شوطا طويلا بمعرفتنا في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل كمية كبيرة من البحوث في كل من العوامل البيئية والقابليّة الوراثية للإصابة بالمرض. إذن، ما الذي نعرفه ونجهله عن أسباب السرطان؟ وعندما نواجه إشارات متناقضة، ما أفضل طريقة تمكّننا من الحكم على المخاطر بأنفسنا؟
كُشِف عن مدى الارتباك العام بهذا الشأن بشكل واضح في مسح لـِ 1330 شخصا في إنجلترا، والذي نُشر العام الماضي. قام بهذا المسح باحثون من كلية لندن الجامعية وجامعة ليدز بالمملكة المتحدة، حيث أفادوا بأن أكثر من ثلث الجمهور نسبوا عن طريق الخطأ خصائص مسرطنة إلى مواد تحلية اصطناعية وأغذية معدلة وراثيا والشرب من القوارير البلاستيكية واستخدام الهاتف الخلوي. يعتقد أكثر من 40% أن الإجهاد يسبب السرطان، على الرغم من عدم وجود صلة مؤكدة. ومما يثير المزيد من القلق أن 60% فقط من الناس يعتقدون أن حروق الشمس يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالسرطان. وكان 30% فقط على علم بالصلة القوية بين السرطان وعدوى فيروس الورم الحليمي البشري.
فوجئ العديد من المشاركين بهذه النتائج، في حين لم يكن من المفترض بهم أن يكونوا كذلك. عندما يتعلق الأمر بالسرطان، فإن انعدام الصلة بين معتقدات الناس والنتائج العلمية له جذور عميقة، لذا امتلاك المشاركين لمعلومات خاطئة حول مسببات السرطان والخلط بين المعتقدات والخرافات ليس بأمر جديد. خذ على سبيل المثال الجدل حول الأسبارتام، وهو مُحَلٍّ صناعي غير السكرين. على مدى نصف القرن الماضي، كان هذا المُحَلي الصناعي موضوع نقاش مكثف، حيث كان الرأي العام يزداد ويتضاءل حول ما إذا كان يسبب سرطان الدماغ. هناك الكثير من مقالات الإنترنت التي تصف الأسبارتام كمادة مسرطنة. ومع ذلك، لا يوجد دليل قاطع على أنه يمكن أن يؤدي إلى حدوث طفرات تسبب تكاثر الخلايا خارج نطاق السيطرة، وهي السمة المميِّزة للسرطان. وينطبق الشيء نفسه على مضادات التعرق وفلورة المياه (وهي إضافة الفلورايد إلى إمدادات المياه العامة للحد من تسوس الأسنان. م) وخطوط الطاقة والعدادات الذكية ومنتجات التنظيف وأشياء أخرى لا تعد ولا تحصى.
من الخطأ أن نستنتج أننا ببساطة ساذجون أو جاهلون، ففي الواقع إن الرأي العام لا يأتي من فراغ. لقد رفض خبراء السرطان الاعتقاد القائل بأن الإصابات الجسدية كالرضوض والجروح يمكن أن تسبب السرطان، وصنّفوا ذلك الاعتقاد كخرافة، بما في ذلك مؤلفو دراسة كلية لندن الجامعية وجامعة ليدز؛ لكنّ الأبحاث المنشورة في عام 2017 تشير إلى أنه قد يكون هناك رابط بالفعل.
اضف تعليق